جمعة النعيمي وناصر الجابري (أبوظبي)
انطلقت أمس، أعمال ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي في قصر الإمارات تحت عنوان «تنافس القوى القديم في عصر جديد» وتستمر أعماله اليوم، برعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي.
واستعرض معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية -في كلمته، أمس، خلال «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي»- التطورات الإقليمية، معرباً عن تفاؤله في ما يتعلق بإمكانية تحقيق تقدم كبير خلال العام المقبل، وقال: «لقد وصلنا إلى مراحل حاسمة في النزاعات والتحديات الكبرى التي تعصف بمنطقتنا».
وأكد معاليه، خلال الملتقى الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، ضرورة اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد في ما يتعلق بإيران.
ودعا إلى طرح الأفكار البناءة، قائلاً: إن هناك حاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى من أجل خلق «نظام إقليمي جديد أكثر استقراراً تستطيع فيه جميع الدول الازدهار». وأضاف: إن أي مفاوضات يجب أن تشمل دول الخليج العربي لضمان أن تكون طويلة الأجل ومستدامة.
وتطرق معاليه إلى اليمن، بعد إعادة انتشار القوات الإماراتية في عدن، مؤكداً أن أولويات دولة الإمارات في التحالف ستتمثل في مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية، ومكافحة التهديدات الإرهابية، وحماية الأمن البحري، ودعم السياسة التي تقودها الأمم المتحدة.
وأضاف: إن التحالف تمكن من الدفاع عن أولوياته الاستراتيجية في اليمن، ومنع الحوثيين والقاعدة من تقسيم البلاد. وأشاد بالنجاح الدبلوماسي السعودي في إبرام اتفاق الرياض. كما شدد على أهمية شمولية العملية السياسية، مشيراً إلى أن الحوثيين هم «جزء من المجتمع اليمني وسيكون لهم دور في مستقبله».
ودعا معالي الدكتور قرقاش إلى إقامة نظام إقليمي جديد، يرتكز على احترام السيادة الوطنية. كما أشار إلى المثال الناجح لعملية الانتقال للسلطة المدنية في السودان، وقال: «يجب أن نتحد بهدف حل النزاعات بين الدول، وعلينا تشجيع الدول على إيجاد حل لأي نزاعات داخلية من خلال الحوار السياسي».
وشدد معاليه على ضرورة أن تواصل دولة الإمارات تقدمها، في ظل التعامل مع مختلف الأزمات الإقليمية. ووصف النجاح الوطني لدولة الإمارات بأنه مصدر إلهام لدول أخرى، لكي تركز على الأولويات الاجتماعية والاقتصادية.. وقال إن التقدم هو أمر ضروري «ليس فقط من أجل مصلحتنا ولكن لإعطاء الآخرين الأمل في أن الحياة يمكن أن تتحسن في هذه المنطقة».
كما تناول معالي الدكتور قرقاش الطبيعة المتغيرة للنظام الدولي، وشدد على ضرورة وجود نظام عالمي قائم على قواعد راسخة تلعب دوراً هاماً في إدارة الأولويات والتحديات في أوقات التغيير.
غياب توازن القوى
ولفتت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات إلى أن إعادة التقييم الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط الذي قامت به الولايات المتحدة في مطلع الألفية الثالثة، أدى إلى حدوث فراغ وغياب توازن القوى في المنطقة. وبرزت 3 ديناميات لملء هذا الفراغ الناتج من الانكفاء الأميركي، الدينامية الأولى هي محاولة القوى المنافسة للولايات المتحدة التقدم في المنطقة، مثل روسيا والصين، والدينامية الثانية هي محاولة القوى الإقليمية غير العربية توسيع نفوذها لتحقيق طموحاتها بالهيمنة على الإقليم مثل تركيا وإسرائيل، أما الدينامية الثالثة فهي تصدر قوى خليجية لتعويض تراجع الدور الأميركي ومحاولة أخذ زمام المبادرة الإقليمية، وهي هنا تحديداً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، لكن لم ينتج عن تلك الديناميات الثلاث قيام حالة من الاستقرار والتوازن في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضحت أن التحالف السعودي الإماراتي، يحاول إعادة ترميم النظام الإقليمي العربي في مواجهة التحديات الجيوسياسية النابعة من القوى الإقليمية غير العربية، وبالذات إيران، وكذلك التحديات الداخلية المتمثلة بالإرهاب والفواعل ما دون الدولة والفقر والبطالة، فضلاً عن محاولة تبني نموذج جديد لبناء القوة، وعليه فإن من المهم فهم هيكل النظام الإقليمي الحالي في الشرق الأوسط، وطبيعة العلاقات والتنافس فيما بين قواه وفيما بين القوى الخارجية، وماهية أدوار الأطراف الفاعلة فيه.
وأكدت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات أنه منذ انتهاء الحرب الباردة يعاني هيكل العلاقات الدولية من الاضطراب وعدم الثبات، فبعد عقود طويلة من استقرار الثنائية القطبية انتقل النظام الدولي إلى الأحادية القطبية، لكن مع انحسار الدور الأميركي العالمي المشهود في السنوات الأخيرة وصعود قوى كبرى، مثل الصين وروسيا، يشير كثير من التحليلات الاستراتيجية إلى أن العالم يشهد مخاضاً لهيكل دولي قائم على التعددية القطبية في ظل استمرار الولايات المتحدة كأكبر قوة في العالم اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً.
وأضافت: أنتج هذا المخاض عصراً جديداً من التنافس بين القوى الكبرى، لكنه تنافس يحدث في بيئة دولية أكثر تعقيداً وأقل يقيناً، كما أنه تنافس لا يصل إلى عتبة اندلاع حرب كبرى بل ينحصر ضمن ما يوصف بـ«المنطقة الرمادية» التي تقع بين السلم والحرب، والتي يتم فيها توظيف القدرات العسكرية إضافة إلى القدرات الدبلوماسية والاقتصادية والتكنولوجية والسيبرانية، حيث إن ما نشهده مؤخراً من عودة سباق التسلح وتنامي استخدام العقوبات الاقتصادية دولياً وعودة التدابير الحمائية، وتقييد نقل التكنولوجيات المتقدمة أو معاقبة شركات تكنولوجية معينة، واستخدام التقنيات السيبرانية في التأثير في اتجاهات المجتمعات الأخرى، كلها مؤشرات على التنافس الدولي الجديد.
وأشارت إلى أن عودة التنافس بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي تترافق مع تحولات على الصعد المحلية، وهي التحولات المتمثلة بصعود «سياسات الهوية» ضمن تعبيراتها الشعبوية العنصرية المغلقة، التي لا تمثل رفضاً للنخب الحاكمة المحلية وسياساتها الاقتصادية فحسب، بل تمثل أيضاً رفضاً للعولمة التي سادت في نظام ما بعد الحرب الباردة، ما يعني أن مبدأ الترابط المتبادل سيواجه تحدياً كبيراً أيضاً في ظل عصر التنافس بين القوى الكبرى، لذلك فإن رسم خريطة التوزع العالمي للقدرات العسكرية والمالية والاقتصادية وقدرات الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، لهو أمر مهم لفهم التحولات والاتجاهات الاستراتيجية المستقبلية للنظام الدولي وهيكل العلاقات الدولية.