في روسيا يدق المجتمع المدني ناقوس الخطر محذراً من مشروع قانون يراد تمريره على عجل في مجلس "الدوما" الموالي للكريملن والخاضع لأغلبية "حزب روسيا الموحدة". هذا القانون يطلب، حسب نشطاء المجتمع المدني، من المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلاً من الخارج بتسمية نفسها " عميل أجنبي" والإشارة إلى ذلك في كافة الأنشطة العامة التي تقوم بها، لكن المراقبين يعتقدون أن القانون الجاري تمريره في البرلمان إنما يأتي في سياق أوسع من التشريعات الأخرى الرامية إلى التضييق على الاحتجاجات، لا سيما القانون الذي صودق عليه بسرعة لافتة في البرلمان، رغم كل العراقيل التي وضعتها المعارضة في طريقة، ليوقع عليه بوتين في غضون أسبوع فقط وليتحول إلى قانون ناجز دخل حيز التنفيذ في الشهر الماضي. ويحذر المراقبون والنشطاء من أن مشروع القانون الجديد الذي يفرض على المجتمع المدني نعت نفسه بـ"العميل الأجنبي" يتلاعب بمفهوم وتعريف النشاط السياسي مدرجاً إياه في إطاره محاولة التأثير على الرأي العام بمعناه السلبي وليستهدف بالأساس المنظمات التي تفضح ممارسات النظام سواء في الانتخابات، أو غيرها. وبموجب مشروع القانون فأي منظمة ترفض تسجيل نفسها تحت بند "العميل الأجنبي" فإنها قد تعاقب بتعليق عملها لستة أشهر حتى بدون أمر قضائي، هذا القانون يعتبره العديد من نشطاء المعارضة الروسية محاولة مكشوفة لإخماد الاحتجاجات السياسية التي اندلعت في روسيا خلال الفترة الأخيرة والتشهير بمنظمات المجتمع المدني سواء كانت الجمعيات التي تراقب الانتخابات، أو التي تتابع الوضع الحقوقي في البلاد وضرب مصداقيتها أمام الرأي العام الروسي باعتبارها عميلة لجهات خارجية. لكن فـي المقابل يبرر مؤيدو مشـروع القانون دفاعهم عنه بأنـه شبيـه بقانون أميركي يسمى قانون تسجيل النشاط الخارجي الذي يرجع تاريخه إلى عام 1938. وكان الهدف من القانون الأميركي ضمان معرفة الرأي العام الأميركي مصادر تمويل المنظمات والجهات التي تبث معلومات وتباشر أنشطة فوق التراب الأميركي، لذا يقول "ألكسندر سيدياكين"، أحد واضعي مشروع القانون والنائب عن حزب "روسيا الموحدة" في البرلمان الروسي أن القانون المراد تمريره في مجلس "الدوما" ينسجم مع المعايير الدولية، قائلاً "لقد قسمنا المنظمات غير الحكومية إلى قسمين: تلك التي تهتم بالنشاط السياسي، وتلك المنخرطة في العمل الإنساني مثل حقوق الإنسان والحيوان وغيرها التي لا ينطبق عليها القانون. لكن فيما يتعلق بالأنشطة السياسية مثل مراقبة الانتخابات، أو تنظيم مظاهرات فإنه يتعين تسجيلها تحت المسمى الذي وضعه القانون لأن الشعب الروسي يحق له معرفة من يمول تلك الجهات". بيد أن قادة منظمات المجتمع المدني الذين عقدوا مؤتمراً صحفياً في موسكو يوم الخميس الماضي يصرون على أن مقارنة مشروع القانون الروسي بالقانون الأميركي مغلوطة، ذلك أن القانون الأميركي يستهدف بالأساس جماعات الضغط المحلية التي تسعى إلى التأثير على الرأي العام من خلال أموال اللوبيات. لكن في روسيا، تسعى السلطة إلى تكميم أفواه منظمات المجتمع المدني المعارضة التي تكشف ممارستها بدعوى أنها تتلقى تمويلاً خارجياً. وفي هذا الصدد تقول "سفيلتانا جانوسكينا" التي تعمل في إطار منظمتها مع مجموعات المهاجرين الكبيرة في روسيا "إن الهدف من القانون هو فقط إهانة المنظمات غير الحكومية وتصويرنا أمام الرأي العام الروسي وكأننا نتآمر على الشعب في الخفاء ونتواطأ عليه مع جهات خارجية مقابل المال". وفي نفس السياق أيضاً يؤكد "أندري بوزين"، الناشط مع منظمة "جولوس" التي تعتبر إحدى هيئات المجتمع المدني الأكثر استهدافاً من قبل السلطة، أنه رغم الطابع الحيادي لمنظمته وعدم انضمامها لأي حزب سياسي، فإن "جولوس" أثارت غضب السلطات في شهر ديسمبر الماضي عندما وثقت العديد من حالات التزوير التي شابت الانتخابات التشريعية وجاءت بـ"حزب روسيا الموحدة" إلى السلطة وإن بعدد مقاعد أقل. ويلخص "بـوزين" موقفه قائلاً: "أعتقد أن مشروع القانون الحالي ما هو إلا بداية لمطاردة الساحرات، فالكريملن يريد إغلاق مصادر المعلومات المستقلة لأن ذلك يزعزع قبضته على السلطة". فريد وير كاتب أميركي متخصص في الشؤون الروسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»