العلماء: عدم إتقان العمل يؤدي إلى تخلف الأمة
حذر علماء الدين من تغييب وتجاهل قيمة إتقان العمل التي ورد ذكرها في القرآن الكريم بألفاظ وصيغ مختلفة وجاءت مقترنة بالإيمان والجهاد في سبيل الله في نحو 360 موضعاً، بينما تراجعت قيم العمل والإنتاج في المجتمع الإسلامي بسبب شيوع الجهل والتكاسل وقصر الدين على العبادات فقط. الأمر الذي أدى إلى تراجع وتخلف الأمة عن ركب التقدم في العالم.
(القاهرة) - يقول الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ـ شيخ الأزهر: نحن جميعا في حاجة إلى أن يتوجه الشباب بكل طاقاته إلى إتقان العمل، والبناء، وإلى الدفع بالأمة الإسلامية إلى أن تكون قوية، يهتم الشباب بقضاياها الكبرى لكي تقف على قدميها وتحترمها الأمم الأخرى التي تستغل ضعفها وتملي عليها سياساتها وتوجهاتها وترسم لها سقف القوة وسقف النهضة.
ويضيف الطيب، إن الأمة الإسلامية ليست أمة هينة، وفيها شباب يستطيع أن يغير ويقفز بها إلى الأمام، لكننا نجد كل معارك شبابنا ومعارك بيوتنا على امتداد الدول العربية حول شكليات لا تنفع ولا تضر وينشغل بها الطلاب والطالبات ويتركون وقت المذاكرة، ولا يجدون بأسا ولا إثما ولا حرجا دينيا في ضمائرهم من أنهم لم يؤدوا واجباتهم وهذا خلل في التفكير والسلوك.
العمل روح الدين
ويؤكد الطيب، أن تلك الأهداف لن تتحقق إلا بإتقان العمل وإعلاء قيمته التي عني بها الإسلام عناية كبيرة وجعلها من الواجبات، ووردت كلمة العمل ومشتقاتها في نحو 360 موضعا في القرآن الكريم، وحث عليها في قوله تعالى: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون».. كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم العامل بأنه حبيب الله، كما مارس هذه السنة الإلهية كل الأنبياء والرسل وكان النبي يحض المسلمين على العمل ويقول لهم «ملعون ملعون من ألقى كلّه على الناس» وفي الحديث أن من الذين لا يستجاب دعاؤهم «رجل يقعد في بيته ويقول يا رب أرزقني»، وفي الحديث «كان رسول الله إذا نظر الى شاب أعجبه يسأل: هل له عمل؟ فإذا قيل: لا، كان يقول: سقط عن عيني» وقوله صلى الله عليه وسلم «خيركم من يأكل من كسب يده، وان نبي الله داود كان يأكل من كسب يده» وقد قرن رسولنا الكريم هذا القول بالفعل فقد عمل راعياً للغنم في مكة ليحصل على قوته من عمل يده، وشارك أصحابه في العمل يوم حفر الخندق فكان تارة يحفر بالفأس وتارة يحمل التراب وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «لان يحمل أحدكم فأساً فيحتطب ويحصل على قوته خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» فالعمل روح الدين ومن دونه تتعطل نواميس الحياة، وقد جعل الله الجنة ثمرة العمل لقوله تعالى «لمثل هذا فليعمل العاملون».
ظاهرة حضارية
أما الدكتور أحمد عمر هاشم ـ رئيس جامعة الأزهر السابق ـ فيؤكد أن الإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفا سلوكيا فحسب بل هو ظاهرة حضارية تؤدي الى رقي الجنس البشري وعليه تقوم الحضارات ويعمر الكون، وهو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله، وصفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده «صنع الله الذي أتقن كل شيء» وعلينا الشعور أثناء العمل بأن الله يرانا أو كأننا نراه وهذا هو تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم للإحسان وتندرج كل عبادة شرعية أو سلوكية أو عائلية تحت إتقان العمل، فالشخصية المسلمة تتميز بالإحسان الذي يرتبط بالتقوى وعبر عنه كمرحلة سامية من مراحل الإيمان المصاحب للعمل. يقول تعالى: «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين» والرسول صلى الله عليه وسلم يربط بين الإتقان والإحسان بل إن الإحسان مرادف لكلمة الإتقان وعلينا التعود على الإتقان حتى تنتقل هذه العادة من الصلاة الى سائر أعمال المسلم اليومية دنيوية أو أخروية يقول تعالى «ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون».
ويضيف الدكتور أحمد عمر هاشم أن المسلم يفترض فيه أن تكون شخصيته إيجابية مقبلة على الحياة متفاعلة معها لأنه مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها عبادة لله وإعمارا للأرض واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات لا يصل إليها إلا بالعمل الجاد، لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتقن المسلم عمله «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» فالإتقان سمة أساسية في الشخصية التي يريدها الإسلام لأنها تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه والمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي لأن كل عمل يقوم به المسلم بنية العبادة مقبول عند الله يجازي عليه سواء كان عملا دنيويا أم أخرويا، قال تعالى «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين».
عدالة الأجور
وينبه الشيخ محمود عاشور - عضو مجمع البحوث الإسلامية - إلى ضرورة تحقيق مبدأ عدالة الأجور، حتى يتقن كل عامل صنعته، ويضيف: يحرم الإسلام استغلال الإنسان وسلب جهده وطاقته كما أكد الإسلام حق العامل في ملكية أجره وحمايته والوفاء له والتعجيل بإعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، بل جعل الإسلام كل عمل يقوم به المسلم طاعة لله إذا قصد مصلحة البشر وأتقنه وأخلص فيه وجعل العمل عبادة وقربى من أعظم الدوافع لبذل الجهد وكثرة الإنتاج وفي المقابل حرم الإسلام البطالة وعابها فجعل اليد العليا خيرا من اليد السفلى وحض على العمل.
ويطالب عاشور بالإسراع في دفع أجر العامل وعدم تأجيله مهما كانت الأسباب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». ولابد أن يكون أجر العامل عادلا، ومن المهم ايضا عدم تكليف العامل ما لا يطيق وعدم إرهاقه بالأعمال الشاقة التي لا يقدر على إنفاذها فإن فعلنا شيئا من ذلك أعناه بأنفسنا أو بغيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم» كما حث المسلم على طلب الأجر من الله، مدللا على ذلك بقوله عز وجل:»إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا»، مشيرا إلى أن الأجر العظيم جزاء من يتقن عمله لقوله تعالى: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا».