نرجس نور الدين واحدة من بضع خطاطين وخطاطات في الإمارات ممن وضعوا بصمة في مسيرة فن الخط العربي، فقد طرحت لوحتها الخطية بقوة موهبتها ووعيها الخاصين لهذا الفن، واستطاعت خلال سنوات قليلة أن تقدم تجربة متميزة بملامحها ومعالم حروفها وطبيعة عباراتها. وفي لقاء لـ “الاتحاد” مع الفنانة التي بدأت هاوية لفن الخط العربي، ثم قامت بمجموعة من الدراسات محليا وفي الخارج، تقول عما جعلها تهوى هذا الفن، وما الذي أضافته لها الدراسات الأكاديمية أنه “من المعروف أن رحلة الخطاط تبدأ بالهواية، ولا بد أن تمر بالدراسة وتكرس بالمثابرة. الهوى أحيانا لا يمكن تعليله، خصوصا إذا بدأ في مراحل عمرية متقدمة. فمنذ طفولتي كنت أهوى الرسم والفنون الجميلة، وكنت أهتم بخطي وكتاباتي وأنمق دفاتري كباقي البنات، وكان لوالدي دور في توجيه هذه الموهبة ورعايتها، فوحدي من بين إخوتي كان يطلب مني كتابة مقتطفاته الشعرية، وهو أول من اعتبرني خطاطة. أما القفزة النوعية فكانت بفضل الرعاية المميزة لفن الخط من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي أسس حالة فريدة من الرعاية لهذا الفن أصبحت محط أنظار جميع المهتمين في العالم. فمعهد الخط في الشارقة، ومتحف الخط، وبيوت الخطاطين، والمعارض الدورية، والحالة الثقافية المحيطة والزوار الدوليون، والرعاية والحضور الدائم لسموه في الفعاليات والمناسبات لهذا الفن شكلت خير رافد ومحفز لإغناء الساحة وجذب الأنظار والاهتمام، فكنت في طليعة المهتمين والحاضرين في هذا الجو الثقافي، فانتسبت لمعهد الخط وبيوت الخطاطين وشاركت في المعارض والمسابقات والتقيت كبار الخطاطين. ثم إن توجيه سموه المواهب الوطنية للدراسة والتخصص في إسطنبول شكل أيضا خطوة متقدمة لتطوير هذه المواهب، وأنا منها. ومع ملاحظة الاستخدام الأساسي لخط الديواني الجلي باعتباره خطها المفضل، مع أن كل الخطوط جميلة كما تقول، فالسؤال هو حول أين تظهر بصمة الفنان في هذا الخط أو ذاك؟ فتجيب نرجس إن الخط الجلي الديواني هو المفضل لديها، وأنه يوائم يدها وبصرها وشخصيتها. وتوضح “تظهر بصمة الفنان وتعرف لوحته في الاتجاه الكلاسيكي من متانة سبكها وتركيبها، من قوة حروفها وأناقتها ودقتها، من جرأته ومعرفته في التصرفات الجائزة وغير المشهورة في تركيب الحروف وحتى من تصرفاته المبتكرة. هناك الكثير من التفاصيل والجوازات والكيفيات التي تدل على خبرة الخطاط وتعكس ثقافته واطلاعه، وهناك أيضا الأخطاء الشائعة التي تعكس عدم الاطلاع. فاللوحة إما أن تنطق بإبداع كاتبها وتفننه وإتقانه، أو بمستوى عادي من الإتقان مع عدم تقديم جديد، أو أن تكون دون ذلك، ولكل مستوى أهله”. وبخصوص الاتجاهات الحديثة في فن الخط، فهي ترى أن هناك من الخطاطين من اعتمد أسلوبا خاصا عرف به، وهناك من ابتكر خطا جديدا وقدمه في كثير من الأعمال واللوحات، وهناك من أحيا خطا منسيا، فأدبه وقعّده وأخرجه في حلة عصرية جديدة. وفي كل حال، بصمة الخطاط تكون واضحة لأهل هذا الفن. وعن طبيعة العلاقة بين القواعد المعروفة للخط وبين رغبة الخطاط في التطوير، وبين الخط الكلاسيكي والخط الحديث، وكيفية النظر إلى هذه المعادلة، ترى نرجس أن هناك بعض الخطوط التي وصلت قواعدها المعروفة إلى مستويات يصعب التحدث عن تطويرها، وهناك خطوط منسية لم تنل نصيبها من الاهتمام والرعاية في العصور السابقة. وتضيف “طبعا هناك رغبة لدى كل خطاط بتقديم ما هو جديد في هذا الفن، ولكن ليس كل خطاط مجددا. أنا الآن أقدم معظم أعمالي بخط الجلي الديواني، وهو كان أصلا خط الفرمانات السلطانية في الدولة العثمانية. هناك الكثير مما يمكن تقديمه في هذا الخط، وقد تزايد اهتمام الخطاطين به مؤخرا. لوحاتي في هذا الخط منها بشكل السطر التقليدي ومنها بتركيب حديث ومنها في عالم التشكيل والألوان. ولا يمكننا القول إن الاتجاه الكلاسيكي صار قديما، وإن الأولين قد قدموا كل ما يمكن تقديمه. كذلك لا يمكننا إغفال الاتجاهات العصرية والمدارس الفنية الحديثة والبقاء في القرون الماضية، بل لكل مقام مقال”. وفي ما يخص المواد التي تستخدمها، وما إذا كانت ترى أن ثمة خصوصية معينة لها، تقول “نحن في زمن يسهل فيه التواصل والحصول على أفضل المواد من أي مكان في العالم، فلم يعد الخطاط مضطرا لصناعة وتقهير الورق مع وجود المختصين المحترفين الذين يصنعون له ما يريد بجودة فائقة. يبقى لكل خطاط أن يهتم أحيانا ببعض الإضافات الخاصة للحبر، وبعض المعالجات الخاصة للأدوات أو الورق والقماش بما يتناسب مع أسلوبه الخاص وطبيعة اللوحة”. وحول أي جديد ننتظر منها في المرحلة المقبلة، وما إذا كان سيتمثل في استعمال أنواع جديدة من الخط، أم تطوير أدائها في نوع محدد، تقول “أتطلع لمزيد من المعارض الشخصية والمشاركات الدولية، كما أتطلع لمتابعة الدراسة في اسطنبول بعد غياب قسري منذ 2008 بسبب الأطفال، كما في طهران أيضا حيث أساتذتي عباس أخوين في خط النستعليق (الفارسي) ويد الله كابلي في خط الشكستة. كذلك لن أبخل بالمزيد من الأعمال بخط الجلي الديواني بالأساليب الثلاثة: السطر التقليدي، التركيب الحديث أو الاتجاه الحر.