نوري الجراح شاعر يحلق بأجنحة غير مسبوقة الصنع·· أجنحة ذات مفردات شعرية عصرية وببلاغة خاصة أو شخصية جدا·· تؤرخ قصائده لحس وجودي ومشاعر متناقضة بسبب هجراته بين مدن عربية وأجنبية، كما تحيل القارئ إلى فيض من قلق ومعارف وفلسفات وأساطير· نوري الجراح تحدث عن رأيه في تظاهرات العواصم الثقافية العربية السنوية وأثر الغربة على المثقف وعلاقتها بالإبداع: نرى اليوم حراكاً ثقافياً مع اختيار كل عام عاصمة ثقافية عربية ليحتفى بأدبها وثقافتها: هل هذا كفيل بإعطاء الأدب دفعة إلى الأمام؟ ؟؟ إنها فكرة جيدة لو أعطيت الثقافة الفعلية في هذا البلد حقها من الحضور· وإذا تمكنت هذه الإحتفالية من تسليط الضوء على الثقافة الحقيقية المنجزة في البلد المحتفى به شعرا وأدبا وفنا وفكرا· ولكن عندما لا تتمكن هذه التظاهرة المفترضة من ذلك كما حدث في بعض البلاد العربية لأنها اتخذت طابعا رسميا، وقدمت المثقفين والأدباء أصحاب الحظوة لدى الأنظمة فتفشل هذه التظاهرة· ؟ في العام الماضي تم اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية: أليست فرصة لتسليط الضوء على الأدب السوري الذي لم يأخذ حقه إعلامياً؟ ؟؟ بالتأكيد خصوصا أن ما يصلنا من الأدب السوري أقل بكثير مما هو موجود· في حين أن ما يصدر من مؤلفات سورية في لبنان يحتفى بها· وللأسف فإن الحركة الأدبية في سوريا ضعيفة رغم أنها أنتجت روائيين وشعراء كبار عرف كثيرين منهم من بيروت وأنا من هؤلاء· فلقد تركت دمشق في سن صغير· وقدمتني بيروت إلى المحافل الثقافية من خلال نصي الذي طبعته لي، وحتى تجربتي المبكرة بالمعنى الجمالي والإنساني والعاطفي بدأت في بيروت· ؟ تعيش اليوم في بريطانيا: فهل اغتراب المثقف العربي مكاني أم داخلي؟ ؟؟ أعتقد أن اغتراب المثقف مكاني ووجودي في الوقت نفسه· وهو جزء من سيرورته الحياتية حتى أن أبو حيان التوحيدي قال: ''أغرب الغرائب هو الغريب في وطنه وليس عن وطنه''· وهنا يقصد الغربة الوجودية داخل الوطن أو خارجه، أما الغربة المكانية فلها القدرة على التأثير فينا وتبديل آرائنا وأفكارنا· فمثلا لا تشبه قصيدتي التي كتبتها في لندن في التسعينات تلك التي كتبتها في بيروت في السبعينات، لأن الهواء اختلف والشمس التي تشرق في لندن كالحبيبة المنتظرة لتدفئنا لا تشبه الشمس الحارة التي نتذمر منها في بلادنا، حتى الألوان الخفيفة في بلاد المتوسط لا تشبه الألوان البريطانية القاتمة· ؟ هل الاغتراب يساوي الإبداع بمعنى أن الغربة هي أحد أسباب الإبداع؟ ؟؟ إن أي خلل في حياة كائن ما يضعه على أبواب حالة فنية أو الجنون أو الموت أو الانتحار· فالمنفى يجعل من الكائن شخصية مستعدة لاستقبال الوجود بطريقة مختلفة· ولكن تتنازع في نفسه عادات المكان الأول وطقوس وبيئة المكان الجديد الشيء الذي يولد أفكاراً مختلفة· ويتحول الوجود بالنسبة إليه طاقة إيجابية وسلبية معا· وبالنسبة لي لا أستطيع أن أهجو المنفى لأنه أعطاني الكثير، حيث مكنني من ذاتي بطريقة لم تكن متاحة من قبل· وغيّر نظرتي إلى العالم وأعطاني أمل آخر في وجودي الشخصي لأكوّن نفسي بطريقة أخرى· ؟ مازال الجدال محتدما في الوسط الشعري حول تصنيفات الشعر بين قصيدتي التفعيلة والنثر· أين أنت من هذا النقاش؟ ؟؟ يجب أن نفرق بين الشعر وجمهوره وتلقيه وتظاهراته ومصيره· فمن حق كل أشكال الشعر أن توجد وتتعايش معا وتتنافس بجمال وحرية· إلا أن هذا الجدال يرجع إلى عدم قدرة بعض الشعراء على تقبل بعضهم البعض، بعد أن تلاشت مساحات التلاقي فيما بينهم· وهنا تموت العملية الجمالية عند غياب التواصل· ؟ ما هي وظيفة الشاعر اليوم؟ ؟؟ وظيفته الأساسية طرح الأسئلة سواء كانت موفقة أم لا· والموضوعات العربية الثقافية تحتاج إلى إثارة الأسئلة، لأن هناك أشياء مهملة ومسكوت عنها· وبالتالي عنايتنا في طرح السؤال يجب أن تكون أكبر من رغبتنا في الإجابة· وللأسف بعض الشعراء يعطون أحيانا للشعر مكانة وحجما وحضورا أكبر مما تحتمله لحظتنا العربية على أهمية الشعر وهيبته·