هناء الحمادي (أبوظبي)

تظل لغة الإشارة أهم وسائل التواصل والتخاطب للصم والبكم، وتكون الإشارات تبعاً لكل حرف من الحروف الأبجدية، ومن خلالها يمكن تكوين جمل وعبارات. ولغة الإشارة ليست قاصرة فقط على حركة اليدين، فهي تشمل تعابير الوجه، وحركة الشفاه والجسم. وبهذه المناسبة يحتفل العالم في 23 سبتمبر من كل عام بـ«اليوم العالمي للغة الإشارة»، باعتبارها اللغة الرسمية للصم والبكم.
تسارعت الخطوات، في توصيل رسالة الصُم والبكم لدى الكثير من فئات المجتمع، من أجل نشر السعادة بينهم من خلال مبادرات اجتماعية مهمة، مع تسليط الضوء على مشاكلهم.. من هنا سخرت فاطمة المناعي وقتها على تعلم لغة الإشارة لتصبح مترجمة قانونية في محاكم دبي، كما استطاع الممثل المسرحي الإماراتي المصاب بالصُم منذ الولادة عبد السلام زغرب أن يصل بهذه اللغة إلى كل أفراد المجتمع من خلال مشاركاته في الأعمال التطوعية والمسرحية، أما الطفلة الصغيرة لطيفة حمدان المزروعي، فقد أبهرت الجميع بإتقانها لغة الإشارة والتواصل مع الصُم، وأكدت مدى تفوقها في إيصال رسالتهم للجميع. في هذا اليوم، تسلط «الاتحاد» الضوء على كل من ساهم في دعم فئة الصُم والبكم بمبادرات حققت السعادة والإيجابية لهم.

رسالة للصم
البداية كانت مع لطيفة حمدان المزروعي الطالبة في الصف السادس الابتدائي في أكاديمية الشيخ زايد الخاصة للبنات، وعضو بـ«الهلال الأحمر» الطلابي، والتي أثبتت حضورها ومساهماتها الخيرية للصم والبكم، حيث أتقنت لغتهم وقدمت دروساً لزميلاتها، واستطاعت أن تفوز بالمركز الأول في مسابقة «الطالب المبتكر» عبر ابتكار «بيت مجسم من الفلين»، بالإضافة إلى تخصيص يوم للتبرع كان هدفه جمع أموال لبناء بيت لإحدى الأسر. وتقول لطيفة «تم اختياري لتعلم لغة الإشارة ضمن مبادرة في المدرسة لمساعدة أصحاب الهمم، واخترت «فئة الصُم والبكم» لأصل برسالتهم إلى الآخرين، وقررت تعلمها خلال شهرين على يد معلمتي عائشة أنور، حتى لا تكون هذه الفئة معزولة عن العالم، فلابد أن نساعدهم ونشعر بهم، وبعد موافقة إدارة المدرسة كنت أحصل على ساعة كل أسبوع لكي أقوم بتدريب زميلاتي على تعلم لغة الإشارة، لمن تريد أن تتعلم.

«صوت الصُم»
فاطمة المناعي خبيرة لغة إشارة معتمدة من الاتحاد العربي لرعاية الصُم، ومدربة دولية حاصلة على البورد الأميركي في التدريب، ومستشارة في مهارات لغة الإشارة، تقول إنها أتقنت لغة الإشارة باعتبارها «صوت الصُم والبكم»، وحرصت على الاهتمام بها في كل مبادراتها الخيرية والإنسانية بمجال عملها، وسعت إلى ترجمة إشاراتهم وخلق حلقة وصل بينهم وبين مجتمعهم، فهي أحبتهم وتقربت اليهم فأحبوها، وعايشت عالمهم وهمومهم حتى أتقنت أداء المهارات الحركية التي تتطلبها تلك اللغة، وكذلك سرعة البديهة والدقة في توصيل المعلومة، كما طورت مهاراتها لتصبح قادرة على الإلمام بها باللغتين العربية والإنجليزية، لتكون همزة الوصل بين ذوي هذه الفئة والمجتمع.
وتضيف المناعي: «ساهمت في دعم الكثير من أصحاب الهمم في مجال عملي ومن خلال المبادرات الخيرية، أصبح لي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بـ(انستغرام والسناب شات)، وسخرت جهودي ووقتي لخدمة أصحاب الهمم من الصُم والبكم، وتوفير أفضل الفرص لتمكنهم من الاندماج في المجتمع، مما زادني رغبة صادقة في إسعادهم». وتشير إلى أنها تقدم بشكل يومي لمتابعيها في «السناب شات» كل ما يتعلق بلغة الإشارة، لمساعدة الجميع في تعلمها، مؤكدة أنها تعلمت من أصحاب الهمم أن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر والنفس، وليست إعاقة البدن.
وفي اليوم العالمي للغة الإشارة، تشير المناعي إلى تقديم مبادرة «قافلة زايد الخير» لتعلم لغة الإشارة، حيث تتجول هذه القافلة بالإمارات السبع بهدف نشر وتوعية الناس بأهمية لغة الإشارة، بالإضافة إلى إنشاء أول ناد للصم في الإمارات، ومعهد تدريبي للغة الإشارة بإدارة الصُم أنفسهم.

«نتحدث بأيدينا»
أحبت عالم الصُم، فكرست وقتها بتعلم لغتهم، للتواصل معهم، ومشاركتهم أحلامهم وآمالهم، إنها مها المحيربي الحاصلة على بكالوريوس إذاعة وتلفزيون من جامعة أبوظبي، وموظفة في شركة بترول، والتي أطلقت مبادرة «نتحدث بأيدينا» وهي مبادرة تستهدف دمج الصُم في المجتمع، وعن ذلك تقول: عندما انطلقت مبادرة «أتحدث بيدي وأسمع بعيني» عام 2017، كان عدد المشاركين بها ما يقارب الـ(5)، بينما اليوم وصل إلى أكثر من (30) مشاركاً، وأصبح لدينا حساب على «انستغرام» بعنوان «handspeaKers.ae»، ونبرز من خلاله كل الفعاليات والورش التدريبية عن فئة الصُم، بهدف بناء مجتمع يفهم ويتحدث لغة الإشارة بإتقان، ما يساهم في تمكين الصُم وتفعيل دورهم المجتمعي.
وتشير المحيربي، قائلة «استطعت منذ انطلاق المبادرة تنظيم عدة ورش مثل «ورشة مجتمع الصُم ولغة الإشارة» التي تفاعل معها الكثير من المهتمين.

«مرشد متميز»
أما الفنان عبد السلام زغرب، فلا يخفي معاناته كواحد من فئة الصُم، إلا أنه استطاع النجاح في عالم التمثيل والتحدث باللغة التي يتقنها «لغة الإشارة»، وكل ما يطمح إليه أن يتم تدريس هذه اللغة بالمدارس.
ويؤكد زغرب أنه من خلال مشاركته في مبادرة «نتحدث بأيدينا»، نجح في تكوين فريق من المرشدين الصُم، يتولون استقبال الزائرين من ذوي الإعاقة السمعية، وتنظيم جولات لهم بمتاحف إمارة الشارقة، ليقدموا لهم شرحاً حول حضارة الإمارات وتاريخها الثري بلغة الإشارة. كما استطاع أن يكون مرشداً فعالاً في تلك المبادرة التي أطلق عليها «المرشد المتميز»، والتي نظمتها هيئة متاحف الشارقة.
ويضيف «رغم فترة التدريب التي استمرت لمدة شهر بمعدل يومين في الأسبوع، إلا أن الجولة الإرشادية كانت تستمر لمدة ساعة أو ساعة ونصف الساعة، ومن خلال هذه التجربة اكتسبنا الكثير من المهارات اللازمة لنكون مرشدين سياحيين متميزين في المتاحف، مع إجادة الأساليب اللازمة للتعامل مع المقتنيات، والحفاظ عليها، والإبداع في شرحها للزوار بطرق مبتكرة وفريدة». مبيناً أن البرنامج أتاح الفرصة للصم للتعرف إلى المتاحف ومقتنياتها وملامح الحياة في العصور القديمة، ويكفي أن هذه المبادرة تعد الأولى من نوعها على مستوى الخليج العربي.