عبدالسلام النابلسي يزداد تألقاً بعد 43 عاماً على رحيله
“يا أيتها السماء صبي غضبك على الأغبياء، إيد دي ولا خف جمل، افرجها يا كريم، ابسطها يا باسط، أنا كدة، خلقتي كدة، مولود كدة “هذه بعض لزمات وإفيهات شهيرة للفنان الراحل عبدالسلام النابلسي، أعاد احياءها محبوه على العديد من الروابط التي دشنوها على مواقعهم الإلكترونية على الفيس بوك وتويتر في ذكري رحيله الـ 43.
(القاهرة) من خلال عشرات الأفلام التي تعرض يومياً على الفضائيات السينمائية، نجد الكثير من الأفلام التي يشارك فيها النابلسي، ويثبت من خلال أدواره فيها رغم رحيله منذ 43 عاماً أنه لا يزال يعيش في قلوب الملايين من المشاهدين، بفنه الكوميدي الراقي، خصوصاً وأنه كان صاحب أداء متميز عن غيره من فناني الكوميديا اخترق به كل الحواجز من دون استئذان. كانت ملامح النابلسي خليطاً متفرداً ومتميزاً يندر تكراره، فهي لم تكن أرستقراطية كاملة ولا غارقة في الشعبية، كما كانت له طريقة خاصة جداً في الأداء وإخراج الكلمات ونطق الحروف مصحوبة بعينين زائغتين.
وأوعز حضوره القوي على شاشة السينما لكتاب السيناريو بإضافة شخصية صديق البطل الذي يتمتع بخفة ظل فائقة، خصوصاً إذا كان بطل العمل مطرباً أو شخصية جادة، لتخفيف حدة المشاهد أو الميلودراما ضمن أحداث العمل، وطوال الفترة من منتصف الاربعينيات من القرن الماضي وحتى مطلع الستينيات أدى النابلسي تلك الأدوار ببراعة شديدة، لدرجة أن نجوم الصف الأول كانوا يطلبونه ويحرصون على تواجده معهم، ويضطرون الى انتظاره لحين تفرغه للعمل معهم. ورغم إجادته للغات الإنجليزية والفرنسية والعربية الفصحى، فإنه امتلك كل مفردات العامية المصرية الدارجة، وكانت لديه مصطلحات ومفردات خاصة به غير مقلدة أو متداولة على شاشة السينما.
نشأته
ولد عبدالسلام النابلسي وهو من أصول فلسطينية سورية في احدى قرى منطقة عكار بالقرب من مدينة طرابلس في شمال لبنان في 23 أغسطس 1899، وكان جده قاضي نابلس الأول وكذلك والده، ونشأ في وسط عائلة متدينة، وحين بلغ العشرين من عمره أرسله والده الى القاهرة ليلتحق بالأزهر الشريف، فحفظ القرآن الكريم وفي هذه الأثناء اندلعت ثورة 1919 في مصر، وكان لهذه الثورة الأثر الكبير في تغيير مسار حياته، حيث تابع عن كثب الدور الذي لعبه الفنانون يوسف وهبي وإسماعيل ياسين وحسين رياض ونجيب الريحاني وحسن فايق، من خلال الاسكتشات والمنولوجات الوطنية والسياسية التي قدموها عن الثورة، وبدأت ميوله واهتماماته تتجه نحو الفن وجذبته أضواء المسرح، ومارس العمل بالصحافة الفنية والأدبية في أكثر من مجلة منها “مصر الجديدة” و”اللطائف المصورة “ و”الصباح”.
وجاءت فرصته السينمائية الأولى على يد المنتجة آسيا في فيلم “غادة الصحراء” من اخراج وداد عرفي عام 1929، وفتح له فيلم “الضمير” عام 1931 للمخرج ابراهيم لاما أبواب السينما.
عمل في بدايته كمساعد مخرج في العديد من الأفلام وفي مقدمتها أفلام يوسف وهبي ، قبل أن يتفرغ للتمثيل ويقدم في البداية أدوار الشاب المستهتر ابن الذوات الذي لا يجيد فن الاضحاك وهو ما ظهر في أفلام “العزيمة” و”ليلي بنت الريف” و”الطريق المستقيم” و”القناع الأحمر”. كان بمثابة الماء والهواء لكل المخرجين الذين أشركوه في غالبية أفلامهم، ومنهم ابراهيم لاما وكمال سليم وأحمد جلال ويوسف وهبي وحسين فوزي وأحمد كامل مرسي وأحمد بدرخان وحلمي رفلة وتوجو مزراحي وهنري بركات ويوسف معلوف وعزالدين ذوالفقار وغيرهم.
ولا ينسى جمهوره أدواره التي تميز فيها، رغم وجوده بجانب عشرات الممثلين الذين كان يفترض أن يكونوا أشهر منه، ومن هذه الأفلام “فتى أحلامي” و”يوم من عمري” و”شارع الحب” و”حكاية حب” و”ليالي الحب” أمام عبدالحليم حافظ، والشئ نفسه في 11 فيلماً مع فريد الأطرش منها “ ما أقدرش” و”عفريتة هانم” و”آخر كدبة” و”تعالى سلم” و”ما تقولش لحد” و”عايز اتجوز” و”لحن حبي” و”رسالة غرام” و”عهد الهوى” و”ازاي أنساك” عام 1956، كما تقاسم بطولة العديد من الأفلام مع إسماعيل ياسين ومنها “اسماعيل ياسين بوليس سري” و”في السجن الحربي” و”في الجيش” و”اسماعيل ياسين طرزان” و”حسن وماريكا”.
منتج أفلام
وفي نهاية الخمسينيات أنتج بعض الأفلام ليقوم فيها بالبطولة المطلقة ومنها “حبيب حياتي” و”حلاق السيدات” ولكنه اضطر للسفر الى بيروت بعد أن طالبته الضرائب بمستحقاتها عن سنوات عمله بالفن، والتي بلغت 13 ألف جنيه في حينها ولم تفلح محاولاته لتخفيضها، وهو ما دفعه للسفر سراً الى بيروت رغم ارتباطه بفيلم “ معبودة الجماهير” الذي كان مقرراً أن يقدمه مع حليم في 1962، واستبدله المخرج بفؤاد المهندس.
واستطاع في فترة زمنية قصيرة أن يقف على قدميه مرة ثانية في بيروت حيث أصبح عام 1963 مديراً للشركة المتحدة للأفلام، وأسهم في زيادة عدد الأفلام المنتجة كل عام في لبنان، ومثّل أيضاً فيها ومنها “فاتنة الجماهير” و”باريس والحب” و”أفراح الشباب” و”بدوية في باريس” و”أهلاً بالحب”، وفي بيروت حقق رغبته القديمة في الاستقرار الأسري بعد أن ظل متمتعاً بلقب أشهر عازب في الوسط الفني حتى وصل الى الستين من عمره، حيث تزوج احدى معجباته وتدعى “جورجيت سبات” وقام بإتمام إجراءات الزواج بفيلا صديقه فيلمون وهبي من دون علم أسرة الفتاة والتي دخلت معه في صراع مرير أرغمته خلاله على تطليقها.
ورغم نجاحه الجديد في بيروت فإنه كان يسعى للعودة باستمرار الى مصر، ولكن ظلت عودته اليها مرهونة بتسوية مع الضرائب، وجاءته الضربة القاضية حين أشهر أحد البنوك الذي كان يودع به كل ما يملك إفلاسه، ودخل بعدها في معاناة مع المرض الذي لم يخبر به أحدا الى أن توفى في 5 يوليو 1968.