روما، إيطاليا (الاتحاد)

قرر مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية «إيكروم» في الدورة الحادية والثلاثين للجمعية العامة للمنظمة المنعقدة في مدينة روما اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة عضواً دائماً بصفة مراقب في مجلس إيكروم، وذلك تقديراً لدولة الإمارات ومساهمتها المتميزة خلال مسيرة عمل المنظمة الدولية بما فيها استضافة مركز إيكروم الإقليمي الوحيد في إمارة الشارقة.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتخذ فيها مجلس إيكروم هذا القرار لتصبح الإمارات ثاني دولة في العالم تحصل على هذه المكانة بعد إيطاليا باعتبارها دولة مقر المنظمة الدولية، وستتيح هذه الخطوة لدولة الإمارات المشاركة الكاملة في مجموعات العمل المختلفة المشكلة من قبل مجلس إيكروم.
وعبرت نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة عن شكرها للدول الأعضاء في مجلس «إيكروم» على اختيار دولة الإمارات عضواً دائماً في مجلس المنظمة، والذي جاء تقديراً لجهود الإمارات وإنجازاتها المتواصلة في مجال صون التراث الثقافي، مشيرة إلى أن الدولة ستعمل بالتعاون مع جميع الدول الأعضاء على وضع البرامج والسياسات للمحافظة على التراث الثقافي، وتحسين قدرات المؤسسات الثقافية لإدارة المواقع التراثية حول العالم بما يضمن استدامتها.
وقالت نورة الكعبي: «لقد حققت دولة الإمارات قفزات نوعية ورسخت مكانتها وسمعتها المرموقة خلال السنوات الأخيرة في صون التراث الثقافي وحماية المواقع المهددة بالدمار وترميمها وفق أفضل الممارسات العالمية المعتمدة بالتعاون مع شركائها من الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات الدولية ذات العلاقة، لاسيما مشاريع دولة الإمارات في مدينة الموصل العراقية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» ومشروع «نزل السلام» في مدينة المحرق المدرجة على لائحة التراث العالمي الذي يقام بالشراكة ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، والذي تم افتتاحه قبل بضعة أيام».
وأكدت نورة الكعبي أن الإمارات لديها علاقات متميزة مع منظمة إيكروم، حيث تستضيف الدولة المركز الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي «إيكروم - الشارقة»، ويعمل على خدمة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تعزيز قدرات العاملين في مؤسسات التراث الرسمية في الدول الأعضاء على إدارة مواقع التراث الثقافي والمعالم التاريخية والمجموعات المتحفية وفق أسس مستدامة، وتقديم الاستشارات الفنية للدول العربية استجابة لطلبها في مجالات الترميم والحفاظ، وذلك تطبيقاً لرؤيته وأهدافه المبنية على المعرفة الواسعة التي اكتسبها والخبرة العميقة التي طوّرها في مجال التراث الثقافي في الوطن العربي.
بدوره قال الدكتور زكي أصلان مدير المركز الإقليمي لحفظ التراث الثقافي «إيكروم - الشارقة»: «إن دعم الإمارات السخي والمستمر «لإيكروم الشارقة» ينبع من إيمانها بمهمة إيكروم الفريدة والنبيلة منذ إنشائها من قبل اليونسكو عام 1959 والرامية إلى حماية التراث الثقافي للإنسانية والأجيال القادمة من خلال تعزيز الحوار الثقافي، والاستثمار في الإنسان عبر توفير التعليم والتدريب، وضمان أن الثقافة في صلب أهداف التنمية المستدامة. وتحمل الإمارات وإيكروم نفس القيم في حماية الثقافة وتعزيز التنوع باعتبارهما مسؤولية عالمية مشتركة، ولذلك لم يكن مستغرباً اليوم منح دولة الإمارات العربية المتحدة مقعداً دائماً في مجلس إيكروم. وتعرب المنظمة الدولية عن امتنانها لدولة الإمارات العربية المتحدة لأنها تستضيف مكتبها الثاني والوحيد خارج المقر الرئيس في روما منذ عام 2014 لخدمة المنطقة العربية من منظور عالمي وإقليمي».

قانون الآثار
اتخذت دولة الإمارات مجموعة من السياسات والتشريعات التي تحمي الآثار بكافة أشكالها، حيث أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 2017 في شأن الآثار، ويهدف هذا القانون إلى الحفاظ على الآثار الثابتة وغير الثابتة بالدولة بغرض تعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي، والكشف عن الآثار والتنقيب عنها بغرض إحياء وإثراء التراث الوطني للدولة.

مسؤولون ومتخصصون: تتويج لريادة الإمارات في صون التراث والحفاظ عليه
هزاع أبو الريش (أبوظبي)

ثمن مثقفون إماراتيون حصول الإمارات على العضوية الدائمة في مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات «إيكروم»، وأشادوا في تصريحات لـ«الاتحاد» بالجهود الوطنية التي تبذلها الجهات والمؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة في سبيل تعزيز دور الدولة في حفظ وصون التراث والممتلكات التراثية، واعتبروا أن حصول الإمارات على مقعد دائم في هذه المنظمة العالمية المهمة يعد إنجازاً جديداً يضاف إلى سجل الإنجازات الإماراتية على هذا الصعيد.
لماذا الحصول على عضوية مقعد في مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات «إيكروم» مهم؟ ربما يبدو للبعض أن مقعداً هنا يشبه مقعداً هناك.. أو عضوية هنا تشبه عضوية هناك، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً.. فالاحتكام إلى نوعية «الفاعلية الدولية» على المستوى الثقافي يظهر أن الدول الفاعلة، النشطة، المؤثرة، تختلف عن غيرها.. ولهذا تكرم الدول التي تستحق.
ولأن «إيكروم» ليست منظمة عادية، باعتبارها «حارسة التراث الثقافي في العالم» والقائمة على شؤون رعايته وحمايته. ولأنها منظمة موجودة على الأرض، ومتحركة، وفاعلة على صعيد تعزيز عملية صون وإعادة التأهيل لكافة أنواع التراث الثقافي في كل منطقة من العالم، ولأن أهدافها تتماهى مع الأهداف التي تعمل من أجلها الإمارات، وهي احترام تنوع الثقافات، التسامح، الحوار والتعاون، في جو من الثقة والتفاهم المتبادلين، وهذه من أبرز السياسات التي تتبعها الإمارات في مجال حماية التراث، ولأن «إيكروم» حاضنة علمية، لكل العاملين في الخطوط الأمامية في عملية صون التراث (العلماء، المرممون، أمناء المتاحف، مديرو المواقع، المؤرشفون، الباحثون وعلماء الآثار... إلخ)، ولأن طبيعة العمل الإنساني والدولي المتسعة والمتشعبة، تجعل المنظمات بحاجة إلى رديف وعضد يساند ويدعم توجهاتها، ويعينها على تحقيق أهدافها، ولأنها وجدت في الإمارات مثل هذا الرديف الثقافي الفاعل، والحليف الدائم، جاءت هذه العضوية الدائمة.. التي تعتبر فرصة واسعة للإمارات لتعزز حضورها أكثر وأكثر على المستوى الدولي، ولترسخ فعاليتها وتضيف إلى خبراتها خبرات نوعية جديدة، وما من شيء أهم في الدبلوماسية الثقافية من التشبيك، وتوطيد العلاقات، وتكوين الشراكات، مع مثل هذه المنظمات.
كل هذه الامتيازات، والإمكانيات المعرفية والعملياتية وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره في هذه العجالة، ستكون في سلة الإمارات التي يمكنها استثمارها لصالح الحفاظ على التراث الثقافي للإنسانية، وهو دور تؤهلها قدراتها وإمكانياتها للقيام به.
والإمارات، بعضويتها الدائمة، ستكون على اطلاع مباشر على كل ما يجري في هذا العالم الثقافي الواسع، وشريكة في الحفاظ على ذاكرة البشرية.
وقال سيف سعيد غباش، وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي لـ«الاتحاد»: «يأتي اختيار دولة الإمارات عضواً دائماً في مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات «إيكروم» تتويجاً لجهود الدولة في مجالات صون التراث الثقافي سواء على المستوى المحلي أو الدولي. إنه تكريم دولي مستحق لمنظومة العمل التي ابتكرتها دولة الإمارات وكرست من خلالها منهجاً طموحاً لتوثيق وحفظ التراث باعتباره أحد المكونات المهمة للهوية الوطنية، وأحد مميزات الثقافة الإماراتية».
وأضاف غباش: «إن جهود دولة الإمارات في هذا الصدد واضحة وممنهجة وتعد نموذجاً دولياً في هذا المجال، فهي من أكثر الدول حرصاً على تسجيل تراثها الوطني في لوائح اليونسكو للتراث العالمي، فقد نجحت في تسجيل ثمانية عناصر من التراث الإماراتي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، وقد نجحت في تقديم نموذج ناجح للشراكة الدولية في هذا المجال من خلال الملفات المشتركة لبعض العناصر، لاسيما الصقارة والذي اشتركت في تسجيله 17 دولة. وتواصل المؤسسات الحكومية والجمعيات والباحثون والأفراد العمل بشكل مشترك للحفاظ على هذه العناصر والمساهمة في ديمومتها ونقلها إلى الأجيال القادمة».
وتابع: «أما الإسهامات الدولية لدولة الإمارات في مجال الحفاظ على التراث الثقافي، فهي مشهودة من خلال مبادرات دولية مرموقة يأتي في مقدمتها تشكيل التحالف الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر (ألف)، والذي يعمل على ضمان سلامة التراث الثقافي وتوفير ملاذ آمن له في أوقات الصراع. إلى جانب ترميم مسرح الشيخ خليفة في قصر فونتينبلو الباريسي الشهير، وغيرها من شراكات دولية قادت إلى الحفاظ على إرث إنساني هام».
وختم سيف غباش تصريحه قائلاً: «أبارك لقيادة دولة الإمارات وشعبها على هذا التكريم، والذي يحمل في طياته مسؤوليات جديدة على المستوى العالمي».
ومن جانبه قال الدكتور عبدالله محمد الريس، مدير عام الأرشيف الوطني: ‏إن حصول دولة الإمارات العربية المتحدة على مقعد دائم في مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية «إيكروم»، ليس غريباً عليها وكعادتها دائماً تسعى للريادة حيث إن الإمارات لها مكانة كبيرة في المنظومة الثقافية العالمية، كونها من أكبر المساهمين والداعمين للعديد من المنظمات مثل اليونسكو، والمنظمات الأخرى ذات الصلة. مضيفاً: مئات الملايين التي أنفقتها دولة الإمارات ولا زالت تنفق في سبيل صون التراث الثقافي من مساجد وكنائس، والآثار التي هدمها الإرهاب في بقاع الأرض، فالإمارات لها السبق الواضح والبيّـن في الترميم للحفاظ على هذا التراث.
وتابع: بصراحة وجود الإمارات في أي منظمة من المنظمات يعتبر شرفاً وإضافة للمنظمة نفسها لأن العالم يدرك جيّداً دور الإمارات ومساهماتها البناءة التي تصب في خدمة الإنسانية.
وبدوره، أشار الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، عضو مجلس «إيكروم» السابق، أن اختيار الإمارات للحصول على مقعد في مجلس منظمة المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية، هو استحقاق كبير يحق للإمارات أن تفخر به، لأنه على مدى نصف قرن لم يكن هناك عضو دائم في المجلس، غير إيطاليا، وهي الدولة المضيفة للفرع الرئيس في روما، وبما أن إمارة الشارقة احتضنت الثاني وهو أول فرع خارج أوروبا وهو «إيكروم الشارقة»، الذي يعنى بالوطن العربي من شرقه وغربه وشماله. وأعرب عن سعادته وفخره واعتزازه بحصول الإمارات على هذا الإنجاز المبهر، وهذا المقعد الذي فعلاً تستحقه وهي أهلٌ له.