حسونة الطيب (أبوظبي)

الغاز الطبيعي، هو الوقود الذي يهيمن على الساحة في الوقت الحالي، حيث ارتفع الطلب عليه عالمياً بنسبة وصلت إلى 28% على مدار العقد الماضي، وبنحو 5,3% في العام الماضي وحده، تدعمه في ذلك، زيادة قدرها 18% في استهلاك الغاز بالصين، بحسب «فاينانشيال تايمز».
ويتميز الغاز الطبيعي، بالمرونة فيما يتعلق بتوليد الكهرباء، عند المقارنة بالطاقة النووية شائعة الاستخدام، وهو أنظف من الفحم في الانبعاثات وجاهز في وفرته، وذلك بفضل ثورة النفط الصخري في أميركا ولتطور التجارة العالمية في الغاز الطبيعي المُسال الذي يتم نقله حول العالم بناقلات ضخمة.
تدور العديد من الأسئلة الآن حول إمكانية استمرار هذا العصر الذهبي، خاصة أن الغاز لا يعاني أي نقص في إمداداته. وفي أميركا، صاحبة إنتاج النفط الصخري، كميات ضخمة من الغاز.

تشبع الطلب
وبوصول الطلب حد التشبع في الولايات المتحدة الأميركية، وجد الغاز طريقه بسهولة نحو الأسواق العالمية. وتملك روسيا، كميات كبيرة من الغاز، وهي تحتاج للعائدات التي يمكن جنيها من الصادرات لأوروبا والصين. كما توجد العديد من الدول الأخرى المصدرة، من ترينداد إلى مصر، ومن النرويج إلى تركمانستان.
وتكمن المشكلة الوحيدة، في أن السوق الرئيسة لاستهلاك الغاز، أصبحت أكثر منافسة. واعتمد نمو طلب الغاز على مدار العقدين الماضيين، على استخدامه كمصدر لتوليد الكهرباء. رغم ذلك، واجهت السوق تحدياً تمثل في نمو إمدادات الطاقة المتجددة، خاصة لتوليد الكهرباء من طاقتي الرياح والشمسية.

انخفاض تكاليف الإنتاج
وحدث انخفاض كبير في تكاليف الإنتاج خلال العقد الماضي، بنحو 69% لطاقة الرياح، وبنحو 88% للشمسية، ما جعل الطاقة المتجددة قادرة على منافسة أي مصدر آخر من مصادر الطاقة. وفي آخر مزاد لسعة الكهرباء في المملكة المتحدة، قدم الفائزون سعراً بنحو 39,65 جنيه استرليني للميجاواط في الساعة للكهرباء المولدة من طاقة الرياح البحرية، مقارنة مع 92,50 جنيه استرليني لتلك المولدة عبر المحطات العاملة بالطاقة النووية مثل، هنكلي بوينت، بيد أنها منافسة للغاز الطبيعي المُسال المستورد.
وأشارت تقديرات وزارة الطاقة الأميركية في 2013، لجلوس الصين على أكبر احتياطي من الغاز الصخري في العالم، الذي ربما يقارب ضعف الاحتياطي الأميركي الذي يكفي لسد حاجة البلاد لأكثر من 100 عام.
ويواجه الغاز منافسة من الطاقة المتجددة في مناطق عديدة حول العالم، تتمثل في محطات الطاقة النووية القائمة وتلك العاملة بالفحم منذ أمد غير قصير، خاصة في دول ناشئة مثل الهند. ولبقائه في حلبة المنافسة، ينبغي أن يتم إنتاج الغاز الطبيعي بطرق أكثر كفاءة واستخداماً للتقنيات الحديثة.
ويكمن التحدي الأول في تكلفة الإنتاج. وقبل 5 سنوات وعندما بدأت أسعار الطاقة في التراجع، شكك البعض، في عدم مقدرة القطاع الصخري الأميركي الذي ما زال في مهده آنذاك، على الاستمرار، خاصة إذا ظل سعر النفط والغاز على انخفاضه.
وبعد مضي 5 سنوات، لم يكتف القطاع بقابليته للتطبيق فحسب، بل تمكن من تحقيق النمو بصرف النظر عن انخفاض الأسعار. ويعود الفضل في ذلك، للتقدم الذي أحرزه وعلى صعيد التقنيات التي أسهمت بشدة في تقليل وقت إنجاز الآبار وزيادة المسافة التي يمكن من خلالها اختراق الحفارات للصخور، ما أدى لانتعاش القطاع.

التأثير البيئي
وبينما تشكل تكلفة الإنتاج، واحدة من المشاكل، يعتبر التأثير البيئي، مشكلة أخرى. وفي الدول المتقدمة، خاصة أوروبا، يترتب على الغاز إثبات مكانته كأحد مصادر الطاقة الأكثر نظافة لتوليد الكهرباء، بالمقارنة مع الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري. ويعني ذلك، خفض تسرب غاز الميثان، وهو من الغازات الدفيئة الأكثر قوة من ثاني أكسيد الكربون. وإذا زاد حجم تسرب الغاز الطبيعي في شكل غاز الميثان، بنسبة 3%، يتعرض وقتها لفقدان ميزته البيئية مقابل الفحم.
وتعمل شركات الإنتاج، للتصدي على هذه المشكلة، من خلال تبني تقنيات جديدة مثل، مراقبة الأنابيب ومرافق التكرير باستخدام الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية. وتعتبر هذه الطريقة التي تتضمن استخدام تحليل بيانات ضخمة، أقل تكلفة وأكثر سرعة من أي برنامج آخر من برامج المراقبة والفحص.
وتتمثل الخطوة التالية في التكلفة والتعقيدات التي تكتنف إمدادات الغاز التي تتطلب تخصيص مرافق لتسييل الغاز وناقلات. ويمكن للناقلات الصغيرة، بلوغ الأسواق الجديدة، بما في ذلك، الشركات الصناعية الخاصة التي يتطلب نشاطها طاقة كثيفة تتوافر في الغاز. واستبدال الفحم بالغاز في قطاع الصناعة في الدول النامية، ربما يشكل مصدراً من مصادر الطلب الإضافية الكبيرة.

الطاقة الحرارية
في الوقت نفسه، بدأت التقنية في توفير إمكانية استخدام الطاقة الحرارية الباردة التي يتم إنتاجها عند إعادة تسييل الغاز الطبيعي المُسال، بهدف توليد الكهرباء للاستخدام المحلي، علماً بأن هذه الطاقة مهدرة في الوقت الحالي. وتوجد أمثلة عديدة تؤكد استخدام القطاع للتقنية لتحسين الإنتاجية. وتبني نشاط الغاز، تقنية جديدة، لدرجة ربما تثير دهشة كل شخص يعتقد أن عمليات الحفر لا تتم إلا عن طريق القوة الشديدة.
لكن تظل منافسة الطاقة المتجددة، قريبة لحد كبير. ويشكل الغاز الطبيعي في الوقت الراهن، معبراً لاقتصاد يتسم بنسبة قليلة من الكربون، بيد أن هذه ظاهرة مؤقتة. وفي ظل إحراز التطور التقني على صعيد قطاع الطاقة، خاصة فيما يتعلق بتخزين الكهرباء، لا يمكن ضمان أي شيء. ويمكن القول، إن الغاز هو وقود الساعة، إلا أن هذه الساعة ربما لا تستمر طويلاً.