محمد حامد (الشارقة)

«ومن الحب ما قتل».. كلمات تقال في الحياة لمن يعشق أحداً أو كياناً إلى حد الشعور بامتلاكه، ومن ثم يجد لنفسه مبرراً لتوجيه الانتقادات له، والتي تبلغ في بعض الأحيان حد الإهانات، كل هذا وأكثر يحدث باسم الحب، وهو ما ينطبق على علاقة الجمهور الغاضب، باللاعبين، فالجمهور يرفع شعار «عشق الكيان»، ومن ثم يصبح اللاعب الذي يبدو مقصراً في بعض الأحيان، أو أهدر فرصة هدف، أو فشل في منع المنافس من التسجيل في مرمى النيران.
جرانيت تشاكا قائد فريق أرسنال الإنجليزي، أعاد العلاقة الشائكة بين الجمهور ونجوم الفريق الذين يشجعونه إلى دائرة الضوء من جديد، وسط حالة من الجدل لم تحدث من قبل، فقد كانت ردود الأفعال السابقة في المواقف المشابهة تنتصر للجمهور في جميع الحالات، مما جعل البعض يراه ديكتاتوراً عاشقاً، يرتكب جميع التجاوزات في حق اللاعبين والأجهزة الفنية وإدارة النادي باسم الحب والخوف على الكيان، فقد أكد سيرجيو راموس في أكثر من مناسبة، أن جمهور الريال يحق له التعبير عن غضبه بالطريقة التي يراها، وعلى اللاعبين الاستماع لصوت الغضب الجماهيري والانصياع له.
هناك مؤشرات تؤكد أن جرانيت تشاكا سوف يكون بمثابة نقطة التحول الأهم في تعديل مسار العلاقة بين اللاعبين والجمهور الغاضب، فقد أصبح شعار «الجمهور دائماً على حق» في مهب الريح، فالأمر يتعلق بما هو أكثر عمقاً من مجرد منح الجماهير الحق في مهاجمة اللاعبين، حيث أكد بيب جوارديولا المدير الفني لمان سيتي أنه يتفهم جيداً غضب تشاكا، وأضاف: «القاعدة تقول إننا يجب أن نحترم جماهيرنا، ولكن الأمر لا يبدو سهلاً على اللاعبين في بعض الأحيان، وأنا أتفهم ما فعله تشاكا، وما يمر به حتى لو لم أكن أعلم تفاصيل ما يحدث في داخل أرسنال». وتابع المدير الفني لمان سيتي، الذي وجد نفسه في مواجهة تساؤلات عن علاقة الجمهور الغاضب باللاعبين: «ربما لست أفضل شخص في العالم يتحدث في هذا الملف الشائك، لأنني في بعض الأحيان أفقد مشاعري، ولا أستطيع التحكم في نفسي، إنها في النهاية مجرد لعبة، لذلك يجب على الجميع الاستمتاع بها وبذل أقصى جهد ممكن، أثق في أن تشاكا يقدم كل ما في وسعه من أجل فريقه، إنه في نهاية الأمر قائد أرسنال ويفعل كل ما يستطيع لمساعدة فريقه على الفوز».
كان السويسري تشاكا قد لوح بذراعيه، وأمسك بأذنيه في مواجهة غضب جماهير أرسنال، بعد أن هتفوا ضده في لحظات استبداله، وقام بخلع قميصه، ورفض مصافحة إيمري المدير الفني للفريق، وظل الوسط الكروي الإنجليزي، بل والعالمي، يترقب ماذا سيفعل المدير الفني وإدارة النادي مع اللاعب السويسري، مما دفع تشاكا إلى إصدار بيان وصفه الجميع بالمتوازن والموضوعي، خاصة أنه لم يعتذر بصورة مباشرة، بل أكد أنه يعتذر لعشاق النادي الإيجابيين، وهو تعبير نال إعجاب الجميع. وقال تشاكا في بيانه: «بعد أن أمضيت بعض الوقت في التفكير فيما حدث، أريد أن أقدم لكم تفسيراً بدلاً من رد الفعل السريع، لقد دفعتني الفترة الماضية للتفكير بعمق، فأنا أحب هذا النادي، وأبذل ما لدي بنسبة 100% داخل وخارج الملعب، لم أعد أفهم المشجعين والتعليقات المسيئة المتكررة في المباريات وفي وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع والأشهر الماضية، لقد ألحقت بي ضرراً كبيراً، فقد هاجمني البعض، وقالوا سوف نكسر ساقك، سوف نقتل زوجتك، نتمنى أن تصاب ابنتك بالسرطان». وأضاف تشاكا: «لقد وصلت إلى نقطة الغليان عندما شعرت بأن الجمهور يرفض وجودي في الملعب، في هذه الحالة، سمحت لنفسي بالرد، والرد بطريقة تحترم المجموعة التي تشجعنا وتقف معنا وتدعم نادينا وفريقنا، ولم تكن نيتي أية إساءة إذا كان هذا هو ما يعتقده الناس، أتمنى أن نعود إلى موقع الاحترام المتبادل، ونتذكر لماذا وقعنا في حب هذه اللعبة في المقام الأول، دعونا نتقدم معاً بشكل إيجابي».

الجارديان: صافرات الجمهور ضد النجوم كارثة معنوية
تناولت صحيفة «الجارديان» البريطانية، واقعة تشاكا بطريقة ليست معهودة في مثل هذه المواقف، فالجمهور لم يعد على حق دائماً، حيث أشارت «الجارديان» إلى أنه لا يجب على الجمهور مهاجمة قائد الفريق أبداً تحت أي ظرف من الظروف، فاللاعب، وخاصة حينما يكون مثل تشاكا في موقع المسؤولية، لن يدخر جهداً لخدمة فريقه، ومن ثم يصبح الهجوم عليه من جانب جماهيره سبباً في فقدانه الثقة، وهو الأمر الذي سوف ينعكس على أداء الفريق بالكامل بصورة سلبية. وأضافت الصحيفة الإنجليزية: «تشاكا هو اللاعب الأفضل في أرسنال على مستوى التمرير، ويحتل المركز الثالث في قائمة النجوم الأكثر قدرة على استخلاص الكرة من المنافس، وهو قائد الفريق بتصويت جميع اللاعبين، ويملك شخصية قوية ومحبوبة من رفاقه في صفوف أرسنال، وهو دائماً يحاول أن يعطي أفضل ما لديه حتى لو كان يعاني من بعض القيود الفنية، ولكنه يملك الشخصية والدافعية لمساعدة فريقه طوال الوقت، ومن ثم لم يكن هناك أي مبرر للهجوم عليه داخل الملعب، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنه الشخص الذي يحتاجه أرسنال، ومن ثم كانت الصدمة كبيرة أن يصبح نفس الشخص هدفاً لهتافات جماهير فريقه». كما جاء في مقال الصحيفة اللندنية، الذي كتبته إيني ألوكو: «في الوقت الذي كان يتوقع تشاكا دعماً معنوياً من جماهير فريقه، فإذا بهم يهاجمونه، وهو الآن يشعر بأنه محطم وفاقد الثقة، فهل هناك أي احتمالات للقول بأن إهانات جمهورك لك تجعلك تبدع في الملعب؟ بالطبع لا، فالتأثير غالباً يكون عكسياً في مثل هذه الحالات، وما يثير الحزن والتعاطف مع اللاعب، في الوقت ذاته، أنه أصبح محروماً من مجرد التعبير عن غضبه من هجوم الجماهير عليه، وحينما فعل ذلك يطالبه الجميع بالاعتذار».

«الدون» وراموس و«زيزو» ضحايا «عشاق الملكي»
يشتهر عشاق الريال بأنهم الأكثر ارتباطاً بالكيان على حساب أي لاعب، فقد تعرض جميع أساطير «الملكي» للهتافات في قلب البرنابيو من عشاق الريال، وعلى رأسهم زين الدين زيدان حينما كان لاعباً، وكذلك رونالدو البرازيلي، الذي علق قبل سنوات على هتاف جمهور الريال ضده، فقال: «من يهتفون ضدي في المدرجات من جماهير ريال مدريد هم كالنساء، الجماهير تطالبنا بإثبات الوجود يومياً، أن نحقق الفوز في جميع المباريات، وأن نقدم مستويات رائعة، ولكن يجب أن يعرفوا أن هذا من المستحيل، ففي العالم أجمع لا يوجد فريق يستطيع تقديم ذلك كله طوال الوقت، ويجب أن تعرف تلك الجماهير بأن اللاعبين في حاجة لتشجيعهم ودعمهم، أما أنا فلا تهمني هتافات الجماهير عندما أخفق مرة أو مرتين لأنني سأحاول مرات أخرى حتى أدرك النجاح». وتعرض رونالدو وراموس لهتافات جماهير الريال في كثير من المباريات، على الرغم من أن الأول هو الهداف التاريخي للريال، والمتوج معه بـ 15 بطولة، صحيح أنه لم يكن قد حقق جميع هذه الإنجازات في لحظات غضب الجمهور، إلا أنه باعتراف الجميع اللاعب الأكثر تأثيراً في أداء «الملكي» طوال فترات وجوده في صفوفه، ولم يعترف البعض من عشاق الريال بمكانة الدون إلا عقب رحيله عن صفوف الفريق، وعلى الرغم من تعرض راموس لهتافات جماهيريه غاضبة في البرنابيو، فإنه يتمسك بعقلية القائد، حيث يؤكد أنه يحترم الجماهير دائماً وأبداً.

روني: يهتفون ضد منتخب الوطن باسم الوفاء !
في مونديال 2010، الذي أقيم في جنوب أفريقيا، هاجم وين روني جماهير منتخب بلاده، التي هتفت ضده وضد اللاعبين عقب التعادل 0-0 أمام المنتخب الجزائري، واللافت في الأمر أن ردة فعل روني جاءت عقب نهاية المباراة مباشرة، وهو يشعر بحالة من الغضب الشديد، مما جعله يتجه صوب الكاميرا، ويقول: «من الرائع جداً أن تستمع إلى هتافات جمهورك ضدك، هل هذه هي الطريقة الصحيحة لدعم وتشجيع اللاعبين».
وأشار روني، فيما بعد، إلى أن بعض الجماهير تهاجم اللاعبين، وتتسبب في توترهم داخل الملعب، ويقولون إن هذه الطريقة تعبر عن الحب والوفاء لمنتخب الوطن، وهذا الأمر يبدو من الصعب تقبله، فقد يكون الحماس الجماهيري مؤشراً لعشق المنتخب، ولكن الهجوم على اللاعبين يظل أمراً سلبياً. وبلغ الغضب الإنجليزي، في ليلة التعادل مع الجزائر في مونديال 2010، حداً غير مسبوق، فقد نجح مشجع إنجليزي في اقتحام كافة النقاط الأمنية، وتجاوز كافة البوابات وصولاً إلى غرفة ملابس المنتخب الإنجليزي، ودخل في مواجهات مع اللاعبين، مما جعل الاتحاد الإنجليزي يتقدم بشكوى رسمية للفيفا، خاصة أن الجوانب الأمنية من أكثر الأشياء أهمية في البطولات الكبرى، وعلى الرغم من توتر الموقف بين روني والجماهير إلا أنه عاد ليتقدم بالاعتذار، وطلب من الجماهير الوقوف دائماً خلف منتخب «الأسود الثلاثة».