محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

هذا «الحجاب» كثيراً ما يتجاوز مكانته المادية «القماش» ليصل إلى الروح، العلاقات الاجتماعية، تحديد دور المرأة ومكانتها من خلال اختزال المرأة في الشكل، بحيث تتحول هذه المادة مع مرور الزمن إلى معطى ثقافي جاهز ومن ثم هناك ما يمكن تسميته بـ «شخصنة الحجاب»، أي اعتباره موضوعاً شخصياً.
في هذا السياق، تدور رواية الكاتبة والإعلامية اللبنانية مايا الحاج «بوركيني» التي يركز متنها السردي على ثقافة الحجاب وإشكالياته في بعض المجتمعات العربية.
أما بطلة الرواية التي صدرت طبعتها الثانية مؤخراً عن منشورات ضفاف الاختلاف الجزائرية، فهي رسامة شابة ترسم الأجساد الأنثوية، بينما ترتدي الحجاب في مجتمع عربي متوزع بين التزام بتقاليد الماضي وانفتاح غير محسوب على حداثة لا يُشاركون في صناعتها.
هذه البطلة المتوزعة بين حجابها الاختياري وندمها عليه، لا تُقدّم نفسها كضحية على غرار الصورة التي اعتدناها في روايات عربية أخرى، إنما تمشي بثقة على خيط الاختيار، مؤكّدة حريتها وفرديتها، هي التي عاشت في ظلّ أسرة مثقفة وميسورة الحال، وهنا تشدنا غرائبية عنوان الرواية «بوركيني» الذي يبدو أن الكاتبة نحتته أو اشتقته من كلمتي «البرقع» و«البكيني» وتناقضهما معنى ودلالة يعكس تبايناً ظاهراً يعكس حياة بطلة الرواية التي تعيش مسارين مختلفين، في تقاطعات وتناقضات، تعبّر عن تردد جيل كامل، بين هويته العربية، وثقافة غربية استهلاكية، تجعله يعيش هوّة قاسية من البحث عن النموذج البطولي الحقيقي.
وما بين الواقع الصعب، تقتحم مايا الحاج السرد الجميل من ممرّ الجسد، الذي شغل حيزاً واسعاً في الأدب، لكنها وبمهارة وحرفية عالية تقدّمه في صورة قلما عرفناها، متخذة منه بؤرة سردية تنطلق منها وتعود إليها بدائرية متقنة، وفق الأسلوب الدائري الذي ابتدعه الكاتب الروسي أنطوان تشيكوف– 1860 – 1904 في مناقشة نوعية يتسيدها فن المونولوج لمسألة الهوية، وجدلية الأنا والآخر، وهذه ثيمات مهمة تثيرها الكاتبة وإن كان ذلك بنبرة خافتة.
الطبعة الأولى من الرواية صدرت عام 2014، وحتى طبعتها الثانية ما زالت الرواية تلقى المزيد من الاهتمام النقدي والبحثي، كما تمت ترجمتها إلى عدة لغات أجنبية، فمضمونها الرفيع يلامس الواقع بجدية، وتشكل بطلته نموذجاً لكل شخص يتأرجح بين خطين يرسمان هذا العالم المضطرب، وإيمانها على سبيل المثال لم يمنع شكّها، وإبداعها لم يلغ خوفها، وحجابها الذي زادها جمالاً وتوهجاً لم يحجب رغبتها في تحقيق أحلامها وطموحاتها والإصرار عليها، فهي الكائن اللامنتمي إلى هوية واحدة مفروض عليها اختيارها، فهويتها هي حريتها المنضبطة.
نظراً للضجة التي أثارتها رواية بوركيني تمت ترجمتها مؤخراً إلى الفرنسية، عن منشورات «إريك بونييه» وأنجزها أنطوان جوكي، بدعم من المعهد الثقافي بالسفارة الفرنسية في لبنان.