سعيد ياسين (القاهرة)
قبل أن تكمل عامها السابع، استعان بها والدها الذي كان موظفاً كبيراً بوزارة التربية والتعليم في مدينة المنصورة «شمال القاهرة»، في حفل تكريم أحد المديرين الجدد، حيث أعد زجلاً للترحيب به، وقام بتحفيظه لها، وخلال الحفل ألقت فاتن حمامة الزجل بطريقة تمثيلية رائعة نالت إعجاب الحاضرين.
بعدها ذاع صيت الطفلة، وأصبحت خطيبة كل حفل يقام في المنصورة، ثم شاركت في مسابقة للأطفال خاصة بالأزياء، وهي ترتدي زي ممرضة، وطلب منها المنظمون أن تتخيل شخصاً مريضاً، وحين سمعت كلمة مريض انهمرت الدموع من عينيها، والتقطت لها صورة وهي تبكي في هذه اللحظة. كانت الصورة سبباً في التحاقها بعالم التمثيل، بعدما شاهدها المخرج محمد كريم، فاختارها لتجسد مشهداً واحداً في الفيلم الغنائي الاستعراضي «يوم سعيد» أمام محمد عبدالوهاب، وكان ثالث أفلامه بعد «الوردة البيضا»، و«دموع الحب».
كتب الفنان عبدالوارث عسر، سيناريو الفيلم بتكليف من محمد كريم، ومن بين الأدوار الرئيسة فيه دور لطفلة عمرها 6 سنوات، وليأسه من العثور على من تتمكن من تجسيده، قرر اختصار الدور وأبقى على مشهد واحد. ذهبت فاتن إلى الأستوديو وجسدت المشهد، وفوجئ الجميع بتلقائيتها وموهبتها الكبيرة، وصفقوا لها طويلاً، واتفق المخرج مع عسر على إضافة عدد من المشاهد لدور «أنيسة»، وكاد اسمها في الفيلم يسبب لها أزمة، حيث كانت زميلاتها بعد عرضه في 1940 ينادينها في المدرسة بهذا الاسم.
قال عبدالوارث عسر، في مذكراته، إنه فوجئ بعبقرية تشع من عينيها، وأنه أكد للحضور أنها ستكون نجمة المستقبل، وتوسع في كتابة دورها لاطمئنانه أن الدور في أيد أمينة. وتحدثت فاتن كثيراً عن تفاصيل اشتراكها في الفيلم، وقالت إنها بعد اختيارها كانت تتردد على مكتب عبدالوهاب كل يوم، ليقوم المخرج بتدريبها على التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، وأنه كان يستقبلها - رغم ما اشتهر به من عصبية - بابتسامة مشرقة. كانت تجد على مكتبه دائماً الهدايا وقطع الشيكولاتة، وكلما أتقنت مشهداً حصلت على إحداها، وقرر عبدالوهاب الاستعانة بها في فيلمه التالي «رصاصة في القلب» الذي قدمه العام 1944، وأعجب بها الفنان يوسف وهبي، بعد مشاهدتها في الفيلم، وأشركها في فيلمي «ملاك الرحمة» و«القناع الأحمر».
تزايد نشاط فاتن الفني، مما جعل أسرتها تقرر الانتقال إلى القاهرة، واستقرت بها، والتحقت بمعهد التمثيل في دفعته الأولى، بعدما أسسه الفنان زكي طليمات، وتحولت عفوية الأداء التي اشتهرت بها إلى مدرسة فنية، من دون أن تخضع للمعايير التقليدية للبطلة آنذاك. اشتهرت حمامة، بالالتزام وحب العمل والإحساس العالي بزملائها، لإيمانها بأن العمل الفني عمل جماعي، ولا يمكن لأي ممثل مهما بلغت براعته أن ينجح بمفرده. قدمت فاتن خلال مسيرتها نحو 108 أفلام، منها: «الأستاذة فاطمة»، و«دعاء الكروان»، و«نهر الحب»، وحصلت على لقب سيدة الشاشة العربية، والعديد من الجوائز وشهادات التكريم.