منذ بدايات حياته على كوكب الأرض، انشغل الإنسان بالفضاء الخارجي الذي يلفه، كانت النجوم البعيدة ملهمة لشعرائه وكتابه، وأدرك أن وراءها أسراراً، ولم يكن يحلم بالصعود إلى الفضاء، لكنه صعد، ودار حول الأرض، وتالياً قدر له أن يصعد إلى القمر، وبقي حلم الهبوط على كوكب المريخ يغازله ويشاغله بنوع خاص.
ماذا عن هذا الكوكب الأحمر المثير، ولماذا تتركز كثير من الجهود العلمية حول العالم على فكرة الصعود إليه؟ وماذا عن الحلم الإماراتي القادم تجاه المريخ، والكثير من الأسئلة التي نحاول الإجابة عليها في هذه القراءة.
أحد الأسئلة المهمة والمثيرة للتأمل بعناية في هذه القراءة: هل هناك شبه ما بين أرض المريخ وصحراء الإمارات العربية المتحدة؟

يخبرنا عالم الفلك المصري فاروق الباز أن من أهم صفات المريخ أنه يشبه إلى حد كبير صحراء الأرض، وقد اتضح ذلك في رحلات استكشاف الكوكب بوساطة سفن فضاء مختلفة، أثبتت أن الكوكب مرت عليه في قديم الزمن عصور مطيرة كونت ودياناً تشبه وديان الصحراء العربية. وبعد زمن جف المناخ واختفت الأمطار ولم يتبق غير الرياح، كعامل أساسي في بدء العواصف الترابية.
في هذا السياق وفي أوائل شهر يناير الماضي، كان عالم فضاء أميركي يكشف النقاب عن أن العديد من مركبات الفضاء الروبوتية المرسلة إلى المريخ التقطت صوراً واضحة لمختلف مكونات التربة على الكوكب الأحمر. والمثير أن العالم الدكتور كريستوفر إدواردز، العضو في فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، قد صرح بالقول: توصلنا منذ فترة إلى دراسة أنواع من الصخور تشبه في خصائصها بدرجة كبيرة بعض الصخور التي توجد في صحراء الإمارات، الأمر الذي ساعدنا للتعرف إلى كيفية تكوينها وما تحمله من تاريخ.
في محاضرة له بكلية العلوم الطبيعية والصحية بجامعة زايد بعنوان «روبوتيات على سطح المريخ»، جرت وقائعها بالتعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء ومكتب العلوم المتقدمة، كان البروفيسور إدواردز يؤكد على أن الإنسان أرسل خلال السنوات الأخيرة أسطولاً من مركبات الفضاء الروبوتية إلى المريخ، وتمكنت هذه المركبات من تحقيق اكتشافات علمية لا حصر لها، خلاصتها أن المريخ هيئة كوكبية معقدة تشبه إلى حد كبير أرضنا، وموضحاً كيف تصل المركبة الفضائية إلى مدار المريخ، متجاوزة 54.6 مليون كيلومتر، وكيف تلامس سطحه.

كيف الوصول إليه؟
أفضل جواب وجدناه أثناء البحث جاء في كتاب «الطريق إلى المريخ» لصاحبه اللواء المتقاعد في القوات الجوية المصرية، والمهندس الوزير سعد شعبان، صاحب الـ(35) مؤلفاً منها (15) حول الفضاء، والباقي حول علوم الطيران وتبسيط العلوم، والصادر عن سلسلة «عالم المعرفة».
من غير الإغراق في التفاصيل التي لا تهم القارئ غير المتخصص، يمكن القول إنه في يوليو 1992 انعقد في الولايات المتحدة الأميركية «المؤتمر الثامن لدراسة الكواكب»، وقد برزت من مناقشاته عدة حقائق، رسمت طريقاً جديداً إلى المريخ. وتجمعت كل أماني الماضي، التي كانت تنطلق هنا وهناك دون إطار أو خطة عامة. وكان أهم ما توصل إليه العلماء، هو الاستقرار على أن السفر إلى المريخ، برحلات مأهولة لا يمكن أن يتم بالانطلاق من الأرض مباشرة إليه، بل يجب أن يتم من قاعدة فضائية تقام فوق القمر لتحقيق هذا الغرض. ذلك أن الرحلة المباشرة إليه تحتاج إلى صواريخ دفع قوية، فضلاً عن سفن تحتوي أجهزة شديدة التعقيد، وأن ما توصل إليه العلماء من حسابات، يشير إلى أن السفر إلى المريخ، على مرحلتين، يمكن أن يكون أقل تكلفة وأكثر أماناً.
كانت فكرة التعاون الدولي، لتوزيع الأدوار على الدول التي ستقوم بجمع هذه المعلومات، قد رسخت قدميها، وأصبحت أمراً متفقاً عليه.
بل لقد تشعبت أطراف هذا التعاون، وأصبح مؤكداً أن روسيا ليست هي الطرف الوحيد الذي سيتعاون مع أميركا في هذا المضمار، إذ أصبحت هناك أدوار لأعضاء جدد في النادي المريخي، حيث أبدت الرغبة في المشاركة كل من اليابان وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وعدد من دول الكومنولث التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.
والثابت أنه منذ ذلك التاريخ الذي يقارب ثلاثة عقود جرت مياه كثيرة في بحر حلم الصعود إلى المريخ جلها من جانب القوى الكبرى التقليدية لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، والبعض الآخر من دول مسكونة بالأمل المصحوب بالعمل الخلاق يوماً تلو الآخر مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.

جدوى الاستكشاف
في هذا السياق يبقى السؤال: هل من فائدة بعينها لاستكشاف المريخ، عطفاً على بقية كواكب المجموعة الشمسية؟ والسؤال المتمم: هل يستحق الأمر كل هذه المبالغ المنفقة من أجل الهبوط على سطح الكوكب الأحمر من قبل المركبات أولاً، قبل أن يكون الحلم بوصول الإنسان إلى هناك، لاسيما أنه حين حطت مركبة الفضاء الأميركية (كريوستى) والتي تعنى (المتطفلة)، في 6 أغسطس 2012 على سطح المريخ، كانت رحلتها قد كلفت نحو 2.5 مليار دولار، الأمر الذي استهجنه الكثيرون شرقاً وغرباً، لاسيما في ظل الأزمات المالية المحدقة بالعالم.
غير أن مَن يؤمنون بأهمية ارتياد الفضاء يرون أن ازدهار العصر الماضي كان مرتبطاً بالفضاء وعلومه، فقد تغيرت حياتنا على الأرض كما لم يحدث من قبل، فمن خلال الأقمار الاصطناعية تطورت الاتصالات التي تخدم الإعلام المرئي، وتحول العالم بالفعل إلى قرية صغيرة، نرى من خلالها ما يحدث في أنحاء كوكبنا خلال ثوان.. وليس هذا فقط، بل إن الإنترنت الذي يطالعنا بالمستجدات الدولية لحظة بلحظة يعتمد في بنيته كذلك على الأقمار الاصطناعية.
وفي هذا السياق يمكن القول إن فائدة اكتشاف الفضاء تتجلى في الأشياء التي في أيدينا، ونستخدمها كل يوم بدءاً من الهاتف الذكي وأجهزة الملاحة في السيارات، والطائرات والسفن وصولاً إلى شاشات البلازما والأجهزة الذكية الأخرى.
على أن الجواب عند هذا الحد غير كامل، فهناك حاجة ماسة اليوم لارتياد الفضاء، وحتى لا يهلك الجنس البشري إذا تعرض إلى كارثة بيئية أو بفعل الإنسان، كما أن احتياجات البشر قد توجد في القرون القادمة في كواكب مجاورة بأكثر منها على الأرض.

الإمارات والحلم
لاشك أن مما يميز الإمارات العربية المتحدة بنوع خاص، أنها دولة قابضة على الحلم بكل قوتها، لا تعرف معنى لكلمة مستحيل، تؤمن بأن الفضاء مهم للبشرية، وأن ريادته سوف تساعد العقل البشري على تجاوز كثير من العقبات التي تشكل اليوم إشكاليات كبرى من دون حلول، وأن التقنيات المتطورة المستخدمة في استكشاف الفضاء، سوف تساعد في تطوير الحياة على كوكب الأرض.
ولا تتوقف الإمارات عن الحلم فحسب، بل تمضى في طريق تحقيقه، والذي يبدأ من عند إطلاق «مسبار الأمل»، في منتصف شهر يوليو 2020 ليصل مدار الكوكب الأحمر خلال الربع الأول من عام 2021، تزامناً مع اليوبيل الذهبي للدولة.
«مسبار الأمل»، هو ثمرة للتعاون بين وكالة الإمارات للفضاء، ومركز محمد بن راشد للفضاء، واختيار هذا التوقيت يأتي حيث يكون المريخ في أقرب نقطة من كوكب الأرض خلال دورانهما حول الشمس، وفي خط مستقيم معها، الأمر الذي يحدث مرة واحدة كل عامين، وسيتم إطلاق «مسبار الأمل» من مركز «تانيغاشيما» الفضائي بجزيرة جنوبية في اليابان.
ويحتاج المسبار الفضائي خلال رحلته إلى تغيير موضعه من وقت لآخر، وذلك من أجل توجيه ألواحه الشمسية باتجاه الشمس بهدف إعادة شحن بطاريته، ومن ثم إعادة توجيه لاقط الموجة الخاص به باتجاه كوكب الأرض، بهدف المحافظة على الاتصال مع مركز العمليات والمراقبة.
ولعل السؤال الذي يتعين طرحه: ما الذي يعنيه هذا المسبار بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي عامة، ولدولة الإمارات العربية المتحدة بنوع خاص؟ يمكن القطع أن «مسبار الأمل» يعني ضمن معان كثيرة، عودة العرب والمسلمين رواد الفلك قبل الأوروبيين إلى سابق عهدهم، حيث كان لعلوم الفضاء اهتمام ومكانة كبيران في صلب الحضارة العربية، واليوم ومن جديد وبأيدي أبناء الإمارات من علماء ومهندسين، تتحقق الفكرة التي أضحت أملاً، وجد طريقه إلى التحقق عبر العمل الشاق والمضني، ويؤكد نجاح عمليات التطوير التي يشهدها «مسبار الأمل»، حتى المراحل الأخيرة، وفق الجدول الزمني المعتمد، وتميز البنية التحتية الفضائية الوطنية، والقدرات الفنية والعلمية التي يتمتع بها كوادر من خيرة شباب الوطن، يسهرون على هذا المشروع الطموح.

الكوكب الأحمر.. الجار الخارجي للأرض
المريخ هو الكوكب الرابع من حيث البعد عن الشمس في النظام الشمسي، وهو الجار الخارجي للأرض ويصنف كوكباً صخرياً من مجموعة الكواكب الأرضية أو الشبيهة بالأرض. من أين اكتسب المريخ اسمه؟ أطلق عليه بالعربية «المريخ» كاسم مشتق من كلمة «أمرخ» أي ذو البقع الحمراء، فيقال ثور أمرخ أي به بقع حمراء، وهو في اللغة اللاتينية «مارس» الذي اتخذه الرومان إلهاً للحرب. ويلقب في الوقت الحالي بالكوكب الأحمر بسبب لونه المائل إلى الحمرة بفعل نسبة غبار أكسيد الحديد الثلاثي الفعالية على سطحه وفي جوه. وقد سماه علماء الفلك العرب باسم «القاهر» لنفس السبب، ويقال إن مدينة «القاهرة» سميت هكذا، لأن جوهر الصقلي سأل علماءه أن ينتظروا إشارة من السماء، لتسمية المدينة الجديدة التي أمر ببنائها بالقرب من الفسطاط التي كانت عاصمة مصر قبل عهده. ولما كان كوكب «القاهر» في صعود، اختير اسم «القاهرة» للعاصمة الجديدة.
بعد استخدام المنظار الفلكي اتضح أن للمريخ قمرين، وأن لون سطحه يتغير من وقت لآخر، وقد اعتقد كثيرون أن هذا الاختلاف في الألوان يعني أن هناك مخلوقات تزرع المحاصيل وتحصدها في مواسم مختلفة. وأثار ذلك احتمال وجود كائنات عاقلة على كوكب قريب من الأرض، وخصوصاً أن الفلكي الإيطالي «جيوفاني سكيابارللى» رسم خريطة للمريخ بها خطوط تشبه القنوات، وقد نتج عن ذلك كتابات عديدة أثار بعضها احتمال قيام الحرب بين ساكني الكواكب. غير أنه بعد إرسال سفن الفضاء إلى المريخ، أثبتت صورها أن التغيرات التي تطرأ على سطحه ليست بيولوجية، أي نتيجة لوجود نباتات تنمو وتجف، ولكنها مناخية، أي أنها تنتج عن حركة الرياح ونقل الأتربة والرمال من مكان إلى آخر.