الآن ينقسم الناس إلى قسمين. ناس يستخدمون البلاك بيري وناس لا يستخدمونه، وبناء على هذا التقسيم تختلف ملامح شخصية كل قسم. فناس البلاك بيري سيكونون معك ولكن لن تستطيع أن تتحدث معهم حول أي شيء عميق أو يستلزم شرحاً طويلاً، فهم مشغولون، بـالبلاك بيري. وهم أصناف مختلفة. فمنهم الموظفون وأصحاب الأعمال. هؤلاء يستخدمون البلاك بيري ليظلوا على اتصال دائم بالبريد الإلكتروني. وكذلك ستكون لديهم قائمة في البلاك بيري مسنجر والتي غالباً ستكون من زملاء أو شركاء العمل، أغلبها ستكون مراسلات عملية لكن لا ضير من تبادل نكته جيدة أو معلومة مفيدة مع المجموعة من وقت لآخر، ومن فوائد هذه المراسلات أن تكسر جمود العلاقة العملية البحتة وتأخذها لآفاق أكثر عفوية، وهكذا فإن ناس البلاك بيري الجادين سيدخلون في منطقة إنسانية أكثر مع من يتعاملون معهم عبر البلاك بيري، ولكن في المقابل ستتقلص مساحتهم الإنسانية مع من يتعاملون معهم على أرض الواقع. وإن كنت صديقا لأحدهم فعليك أن تدرك هذه الحقيقة وترضى بما تستطيع الحصول عليه من وقتهم المستقطع بين الاستقبال والإرسال عبر البلاك بيري. فوجودهم الأساسي هو خلال البلاك بيري والحياة الواقعية تأتي فقط في الفترة الزمنية الفاصلة لاستقبال رسالة أو إرسال رسالة. هناك صنف آخر من ناس البلاك بيري، هؤلاء ليسوا موظفين مهمين ولا أصحاب أعمال ولا هم يحزنون. كل ما هنالك أنهم أشخاص يشعرون بالفراغ وهم ممتنون لهذا الجهاز لأنه ملأ وقتهم؛ ولم يعودوا مضطرين لاحتمال أحاديث الأهل المملة والأوقات الطويلة الفارغة. سيجلسون كما يُطلب منهم لكن لن يشاركوا بحديث ولن يستمعوا لحديث، فلديهم أخيرا عالم خاص بهم، لديهم قائمة البلاك بيري العظيمة. سيرسلون ويستقبلون، والمحتوى آخر همهم. وصنف آخر هم الأبرياء المتحمسون لفعل الخير. فهذا وسيلة جديدة لنشر نداءات الاستغاثة والصلوات والدعوات، سيقتطعون من وقت دراستهم أو أعمالهم أو واجباتهم العائلية ليتابعوا آخر البرودكاستات المبشّرة بالجنة المنذرة من النار، وبتلك الداعية لمساعدة عائلة فقيرة أو الوقوف مع شعب منكوب بزلزال أو فيضان فيرسلون ويستقبلون ويواصلون الرجاء عليك بأن تنشر. يبقى القسم الثاني من الناس. وهم من لا علاقة لهم بالبلاك بيري، وهؤلاء غالبا يتحدثون بصفاء وتمعن وهدوء وبشكل مطول عن أشياء لم تعد مطروقة مثل روعة خط الشفق الأحمر عند الفجر، وصفاء قطرة ندا على ورقة شجر، وشعاع الغروب المنعكس على سطح بحر، ويوم الله الجميل على الأرض، لكن سيكونون في أغلبهم ممن يعانون الوحدة. ومع تقلص عددهم سيبدون كأشخاص خارجين من كتب التاريخ أو من أفلام الأبيض والأسود. وبما أن التواصل والتنفيس حاجة إنسانية فانشغال العالم عنهم حتما سيدفعهم يوما إلى ركن الخطابة في الهايدبارك الإلكترونية، أقصد البلاك بيري، وسيختفي للأبد من قائمة السلوك الإنساني ذلك المشهد الحميم الدافئ الأليف المُطَمْئِن لأشخاص يتشاركون الحديث حول فنجان قهوة. Mariam_alsaedi@hotmail.com