دينا محمود، شادي صلاح الدين (لندن)

«الإصلاحات القطرية المزعومة لحماية حقوق العمال الأجانب لم تنطل على أحد»، هذا ما أكده موقع «ميدل إيست مونيتور» الإخباري خلال تقريرٍ مطولٍ فضح فيه زيف ما أعلنه «نظام الحمدين» مؤخراً من إدخال تعديلاتٍ على المنظومة القانونية التي تحكم التعامل مع العمالة الوافدة في البلاد، مُشدداً على أن تلك التعديلات لم تبدد مخاوف العمال الوافدين أو مشكلاتهم على الإطلاق.
وأشار الموقع، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى أن كثيراً من العمال الأجانب في الدويلة المعزولة - والبالغ عددهم نحو مليونين - «لا يصدقون» أن التغييرات الأخيرة تكفي لتوفير الحماية لهم، ويشعرون بأنها لا تزال تسمح لأرباب عملهم بالتحايل عليها ومواصلة استغلالهم وإهدار حقوقهم، كما كان عليه الحال طيلة العقود الماضية.
وشدد «ميدل إيست مونيتور» على أن التعديلات التي أدخلها النظام القطري على قوانين العمل لم تأتِ إلا بعدما «لُدِغَ بالاتهامات المتعلقة بإساءة معاملة العمال المهاجرين»، وكذلك إثر تزايد التدقيق في سجل الدوحة في هذا الشأن «في غمار تحضيراتها لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة عام 2022» والتي حصل «نظام الحمدين» على حق تنظيمها في ملابساتٍ مشبوهةٍ.
ونقل الموقع في تقريره عن نشطاء حقوقيين بارزين قولهم إن ما أعلنته السلطات القطرية مثلاً من إلغاءٍ لإلزام العمال الأجانب بطلب الحصول على تصريح مغادرةٍ للبلاد من أرباب عملهم «ليس كافياً، لأن هؤلاء العمال سيظلون بحاجةٍ إلى الحصول على موافقة أصحاب العمل حتى يتسنى لهم تغيير وظائفهم».
ويفاقم من هذه المشكلة العدد الكبير للغاية من العمال الأجانب في قطر، الذي يفوق حجم العمالة المحلية بنسبة تقارب 20 إلى واحد. ويأتي الجانب الأكبر من هؤلاء العمال من دولٍ مثل الفلبين وبلدان بجنوب آسيا وأفريقيا.
ولفضح الطابع الشكلي للتغييرات القطرية الأخيرة في قوانين العمل، استعان التقرير بإفادات عدد من العمال الأجانب الذين رفضوا الكشف عن اسمائهم بالكامل، خشية تعرضهم للعقاب من جانب السلطات القطرية، في مؤشرٍ واضحٍ على مُناخ الخوف والإرهاب السائد في الدوحة، في ظل محاولات النظام الحاكم هناك للتعتيم على الانتهاكات الصارخة لحقوق العمالة الوافدة.
ومن بين العمال الذين تحدثوا في التقرير، الشاب البنجلاديشي شريف (22 عاماً) الذي أكد أنه لا يشعر بأن الإصلاحات القطرية المزعومة توفر له أو لأقرانه الحماية من الاستغلال، وأشار إلى أنه ليس بوسعه حتى أن يجأر بالشكوى «لأن بمقدور الشركة التي أعمل لحسابها فصلي، ومن ثم سيتم ترحيلي إلى بلادي.. وإذا ما رُحِلّتُ إلى وطني، لن أجد من يساعدني في الإنفاق على أسرتي».
وأضاف أنه على الرغم من أن القوانين تُلزم أصحاب عمله بدفع راتبه له عن طريق تحويل المبلغ إلى حسابه المصرفي مباشرةً، إلا أن «مديريه يجعلونه في أحيانٍ كثيرةٍ يعمل»لأوقاتٍ إضافية من دون مقابل، وهو ما لا يستطيع الشكوى منه لخشيته من أن يؤدي ذلك إلى فقدانه لعمله الذي يعتمد عليه في إرسال أموالٍ لأسرته في بنجلاديش.
فضلاً عن ذلك، لا يتجاوز الراتب الذي يحصل عليه هذا الشاب - كما غيره من مئات الآلاف من العمال الأجانب في قطر -الحد الأدنى المنصوص عليه في القانون، وهو ما يقل عن مبلغ الـ 900 ريال قطري (ما يوازي 247.2 دولاراً أميركياً) الذي كان قد وُعِدَ بها من جانب مكتب التوظيف، الذي جلبه للعمل في الدويلة المعزولة وتقاضى منه 700 دولار في المقابل.
وفي هذا الشأن، شدد تقرير «ميدل إيست مونيتور» على عدم قانونية مثل هذه الممارسات، التي يعاني منها جانبٌ لا يُستهان به من العمالة الوافدة في قطر، وسبق أن انتقدتها المنظمات المعنية بحقوق العمال الأجانب كثيراً في تقاريرها المتعلقة بالوضع المزري الذي يقاسي منه هؤلاء على يد أرباب عملهم القطريين.
وفي هذا السياق، استشهد التقرير بما كشفت عنه دراسةٌ أُجريت مؤخراً في قطر، وأفادت بأن مئات العمال الآسيويين دفعوا رسوم توظيفٍ تصل إلى 3800 دولار، مقابل حصولهم على فرصٍ عمل في مشروعات تشييد المرافق المخصصة لاستضافة المونديال الكروي المقبل. ونقل الموقع الإخباري عن عاملٍ آخر من غانا إشارته إلى «الانتهاكات الخفية» التي يتعرض لها العمال الأجانب في قطر عقاباً لهم على تمسكهم بحقوقهم، قائلاً: «لو رفضت العمل وقتاً إضافياً، ستُنقل إلى مكانٍ آخر أكثر حرارة في الطقس كعقابٍ». ونُسِبَ إلى العامل، الذي يُدعى سليمان ويبدو أنه رفض بدوره الكشف عن اسمه الكامل، تأكيده على أن الشركة التي يعمل لحسابها صادرت جواز سفره، وهو ما يعني منعه من مغادرة قطر بطبيعة الحال، واحتجازه هناك فعلياً.
وذَكّرَ «ميدل إيست مونيتور» بالمطالب التي وجهتها منظماتٌ حقوقيةٌ دوليةٌ لقطر خلال العام الماضي، من أجل توفير قدرٍ أكبر من الحماية للعمالة الأجنبية في قطاع البناء والتشييد، والتي يعمل الكثير من المنضوين تحت لوائها في العراء وفي ظل درجات حرارةٍ قد تصل إلى معدلاتٍ تشكل خطراً على حياة الإنسان.
وأشار الموقع في هذا الشأن إلى مئات العمال المهاجرين الذين لقوا حتفهم جراء عدم احترام معايير السلامة والأمان من جانب القائمين على المشروعات الإنشائية الجاري العمل فيها في قطر، ولم يتم تفسير ملابسات مقتلهم بعد. وللدلالة على جسامة هذه المشكلة، أبرز التقرير حقيقة أن عدد العمال الأجانب في قطاع البناء والتشييد في الدويلة المعزولة يبلغ قرابة 800 ألف عامل.
وفي الإطار نفسه أكدت منظمات دولية أن ما تم الإعلان عنه من إصلاحات قطرية غير كافية بل وقاصرة في أمور عدة، مشيرة إلى أن قانون الإقامة الدائمة لأنه لا يسمح للمتزوجات من أجانب وأطفال القطريات بالحصول على الجنسية القطرية، وبالتالي الوصول لجواز السفر القطري، على عكس ما يحدث بالنسبة لزوجات وأطفال الرجال القطريين المتزوجين من أجنبيات، وهو ما يعتبر تمييزا ضد المرأة القطرية.
وأشارت إلى أن الأزمة الخليجية التي بدأت في يونيو عام 2017 بسبب رعاية الدوحة للإرهاب، كشفت عن ذلك التمييز ضد القطريات، حيث إنهن أجبرن على العودة إلى دوحة الإرهاب، بينما لم يستطع أزواجهن وأبناؤهن الانضمام لهن بسبب القوانين القطرية التي منعت انضمامهم لزوجاتهم.