أحمد السعداوي (أبوظبي)
12 ساعة شهدت المراحل النهائية لعمل أكبر سرّود في العالم في ياس مول بأبوظبي، أمس الأول، لتدخل الإمارات موسوعة «جينيس» عبر جهود 4 من الحرفيات استمرت على مدى 9 أشهر لإنجاز هذا العمل الفريد بإشراف وتنظيم لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، كأحد أهم أهدافها في تسليط الضوء على إرث الآباء والأجداد وجعله قبلة لأنظار العالم.
شهد الفعالية كل من عيسى سيف المزروعي نائب رئيس اللجنة، وعبدالله بطي القبيسي مدير إدارة الفعاليات والاتصال باللجنة، وعبيد خلفان المزروعي مدير إدارة التخطيط والمشاريع في اللجنة، ومندوبة موسوعة جينيس، وحافظات التراث اللواتي شاركن في تنفيذ العمل.
عرض حي
من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساء أمس الأول، شهدت الساحة الوسطى في ياس مول بأبوظبي عرضاً حياً لكيفية عمل السرّود الإماراتي بهذا الحجم المدهش الذي يبلغ قطره 12.18 متر وسط إقبال جماهيري كبير من كافة الجنسيات والأعمار تحلّقوا بموقع الحدث مستشرفين جماليات الأعمال اليدوية التي توارثها أهل الإمارات، وكيف أنهم طوعوا مفردات البيئة المحيطة بهم لإيجاد أدوات تساعدهم على الحياة، ومن أهم تلك المفردات النخلة ومكوناتها التي أخرج منها القدامى عشرات الاستخدامات في حياتهم اليومية، ومنها عمل «السرود» بأحجام مختلفة، لوضع أطباق الطعام عليه.
وفي العصر الحديث، ازدادت استخدامات السرود ليدخل في أغراض الزينة وديكور المنازل العصرية ليمنحها لمسة أصالة تراثية، تعزز قيمة الموروث في نفوس الأجيال الجديدة.
صون التراث
وفي هذا الإطار، صرح عيسى سيف المزروعي، نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، بأن جهود حافظات التراث واللجنة أثمرت هذا المنجز، ليدخل هذا السرود ضمن موسوعة جينيس العالمية كأكبر مفرش مدوّر محاك يدوياً في العالم والمعروف محلياً باسم «سرود»، ليشكل أحد الروافد الأساسية للتعريف بالموروث الثقافي لإمارتنا الحبيبة. وأشار المزروعي إلى أن الإمارات تحرص على حفظ التراث ودعم وترسيخ ثقافة الفعاليات والمهرجانات التراثية، والتي تعد وسيلة مهمة لتعليم الأجيال وصون التراث والمحافظة على العادات والتقاليد الأصيلة والتي تعتبر رصيداً حضارياً وإنسانياً أمام العالم، كون التراث هو الكنز الوطني الذي نعتز به والذي أوصانا به المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وأشاد المزروعي بحرص القيادة الرشيدة على إحياء التراث الذي يعكس التزامنا بهويتنا ويجسد مشاعر الولاء والانتماء للوطن ويرسخ المسيرة التنموية التي تحرص على تكريس قيم الأصالة ومفردات تراثنا الغني والمتنوع، مثلما تحرص على استشراف المستقبل والتحول نحو اقتصاد المعرفة. كما أن هذه المبادرة تعتبر بمثابة فرصة لمشاهدة العروض الحية للحرفيات مع أدواتهم التقليدية، لتشجيع هذه الحرف والصناعات التراثية، والترويج لها وتسويقها محلياً وخارجياً.
حضور عالمي
يقول عبدالله بطي القبيسي، مدير إدارة الفعاليات والاتصال في لجنة إدارة المهرجانات، إنه في إطار تسليط الضوء على التراث الإماراتي والوصول به إلى العالمية، قامت 4 حرفيات إماراتيات، بالعمل على فكرة أكبر سرود في العالم منذ 9 أشهر خلال مهرجان الظفرة البحري في مدينة المرفأ، حيث عرضت مراحل إنجاز السرّود في فعاليات تراثية لاحقة، منها مهرجان ليوا للرطب ومهرجان عجمان للرطب، واليوم في ياس مول جاء الموعد لعرض هذه الإنجاز على مرأى ومسمع من الجميع ليعيشوا مع أبناء الإمارات فرحة الانتهاء من عمل أكبر سرود في العالم، وتسجيله في موسوعة جينيس للأرقام القياسية بحضور ممثلين عن الموسوعة.
ولفت القبيسي إلى أن الإعلان عن تسجيل الرقم كان في الثامنة مساء، ليبقى السرّود بعدها حوالي ساعتين في صالة الفعاليات الرئيسة في ياس مول، ليتعرف عليه الجمهور وسط أجواء احتفالية مميزة، في خطوة على طريق دفع التراث الإماراتي لمزيد من الحضور والألق العالمي.
وبيّن القبيسي، أن مثل هذه الفعاليات تسلط الضوء على ثقافة دولة الإمارات بشكل واسع، وهو ما لاحظناه عبر الأعداد الكبيرة من الزائرين الذين أحاطوا بهذا العمل ليسألوا عن تفاصيله وكيفية إنجازه ويلتقطوا الصور التذكارية بجواره، ما يعزز قيمة الحرف التراثية الإماراتية ومكانتها في الموروث المحلي، ويحفظ لآلئ التراث عبر هذه الأعمال اليدوية.
ومن جانبها، قالت ليلى القبيسي، منسقة برامج تراثية في اللجنة، إن مرحلة تنفيذ السرود بدأت بالتواصل مع السيدة حمدة راشد المزروعي بمدينة المرفأ لمعرفتها بالحرفيات في المنطقة، حيث تم الاتفاق على بدء «سف السرود»، لتقوم أربع سيدات بالمشاركة في هذا الإنجاز منذ فبراير 2019، وهن مريم حسن المرزوقي وفاطمة على المرزوقي وعلياء عبدالرحيم ولولوة عبدالله الحمادي، حيث أثمرت جهودهن في صنع السرودة من السفة المصنوعة من خوص النخيل، لنعلن للعالم أن التراث الإماراتي حي وباق ومتجذر في النفوس رغم التطور الحضاري والنهضة الشاملة التي تشهدها الدولة. وأشارت القبيسي إلى أن عرض السرود في المهرجان لقى صدى واسعاً من القنوات الإعلامية المختلفة، كما شكل عامل جذب كبير لرواد المهرجان.
واجب وطني
الوالدة مريم المرزوقي، من سكان منطقة الظفرة، إحدى الحرفيات التي شاركت في صنع أكبر سرّود في العالم، عبرت عن سعادتها بالمساهمة في هذا الإنجاز مع زميلاتها، معتبرة ذلك واجباً وطنياً للتعريف بحرف وتراث الأقدمين، وهو ما تقوم به منذ سنوات بعيدة شاركت خلالها في مهرجانات تراثية متنوعة بصناعات السرّود، غير أن هذه الخطوة هي الأهم في حياتها كونها أحدثت صدى كبيراً، منوهة إلى حلمها بنقل تفاصيل الحرف التراثية الإماراتية مثل صناعة الخوص وأصول السنع والحرف الإماراتية المختلفة، إلى تلاميذ المدارس لتعرفهم على جزء من ماضيهم بما يساعد على حفظ هويتنا وترسيخ قيمنا الأصيلة في نفوسهم.
فزعة الشيبة
وأكدت المرزوقي أن ما قامت به من جهد في صنع هذا الإنجاز، جعلها تشعر وزميلاتها بالفرح، حيث كن يقسمن العمل فيما بينهن، على مدار 9 أشهر داخل المنزل، وكان «الشيبة» أي الوالد، «يفازعنا» أي يساعدنا في العمل، بقطع الخوص وتحريك السرّود شرقاً وغرباً أو تدويره.
وبينت المرزوقي، أن أصعب مرحلة في صناعة السرود كانت إيجاد مساحة كبيرة لنتمكن من خياطته بدقة، حيث كنا نقوم بتحريكه كلما دعت الحاجة لذلك، لنتمكن من خياطة كافة مساحته بالشكل المطلوب.
ما هو السرّود؟
السرّود.. قطعة دائرية أو مستطيلة الشكل من الخوص «سعف النخيل»، تتفنن النساء في زخرفته بأشكال بديعة وألوان زاهية ويستخدم كمفارش للطعام، ويُصنع السرّود من السعف بعد نقعه في الماء لتليينه، ثم تصنع منه الجديلة «السفّة»، بعدها تخاط الجديلة باستخدام الإبرة الكبيرة والسير «الخيطان»، بشكل حلزوني أو دائري.