قيامة مهرجان جرش
بعد 4 سنوات من الانقطاع يعود مهرجان جرش للثقافة والفنون الأردني بحلة جديدة، لكي يعيد أيضا الألق للمدينة الاثرية العريقة جرش (تبعد نحو 48 كيلومترا عن العاصمة عمان) التي إحتضنته مطلع الثمانينات، وجعلت منه الحدث الأبرز والأهم على مستوى المهرجانات الثقافية العربية. يعود المهرجان في دورته السابعة والعشرين بقوة ورصانة وجودة من خلال 215 فعالية ثقافية وفنية وشعبية والمزيد من التجارب الإبداعية الإنسانية التي تقام على عشرة مسارح دفعة واحدة، حرصا منه على تعزيز فكرة الانجاز الانساني وحوار التجارب.
أما إنطلاقة الحدث فحددتها اللجنة العليا المنظمة في الرابع من يوليو المقبل، ولمدة عشرة أيام حافلة بتنويعات فنية على المستويين العربي والعالمي، فيما حصلت النشاطات المحلية على نصيب الأسد من خارطة الحدث بنحو 70 فعالية ما بين الشعر والمسرح والتراث والفلكلور، الى جانب أن حفل إفتتاح المهرجان سيحظى بأجواء كرنفالية تتوج بمسيرة إيقاد الشعلة بمشاركة العديد من فرق الفنون المحلية وأهالي المدينة الأثرية الذين اعتادوا على استقبال آلاف السياح والمهتمين الذين يجدون ضالتهم في آثار المدينة الرومانية وساحاتها ومسارحها، وبخاصة المسرح الجنوبي الذي يحتضن فعاليات ليلة الافتتاح والفعاليات الرئيسية، لا سيما الحفلات الغنائية التي يحييها عدد من نجوم الفن العربي والمحلي.
ويشهد المهرجان في دورته الجديدة نقلة نوعية على أكثر من صعيد، خاصة برنامجه الفني، وكذلك البرامج الثقافية سواء ما يتعلق بالشعر أو الندوات الفكرية والنقدية أو الجلسات الحوارية بأمل تقديم منتج ثقافي متطور عن الاردن.
برنامج ثقافي
البرنامج الثقافي للمهرجان هذا العام يقام بالتعاون مع رابطة الكتاب الأردنيين، ويتضمن عقد جملة من الندوات الفكرية حول “النقد الابداعي” وحول قضية (التنوير) وقضايا الشعر، وتستضيف جملة الندوات نخبة من الشعراء المحليين والعرب من بينهم: خالد أبو حمدية، فاروق شوشة، سيد حجاب، أحمد أبو سويلم، موسى حوامدة، راشد العيسى، مها العتوم، رفعة يونس، عبد الرزاق عبد الواحد وآخرون.
في مجال الغناء يستعيد المسرح الجنوبي ألقه باستضافة نخبة من النجوم العرب في أمسيات تستقطب الآلاف من المتفرجين، ويتصدر هؤلاء النجوم المصرية شيرين عبد الوهاب، واللبنانيان ملحم زين ووائل جسار، وعدد من الفنانين المحليين والفرق الفولكلورية التي تسعى لتقديم الألوان التراثية وابرازها أمام السياح والمصطافين والجمهور، حيث يستضيف هذا المسرح والمسارح الأخرى مثل آرتيمس والصوت والضوء والمسرح الشمالي عروضا لفرقة الايقاع الأميركي، وفرقة تانغو من الارجنتين، وفلامنجو من إسبانيا، والفرقة الصينية للفنون الشعبية، فيما تحيي فرقة ثلاثي جبران من فلسطين أمسية موسيقية خاصة، ومشاركة فرقة نايا الموسيقية النسائية، كما يتابع الجمهور مجموعة من المسرحيات بالتعاون والتنسيق مع نقابة الفنانين الأردنيين. وتحظى فرق الفنون الشعبية المحلية برعاية واهتمام خاص في دورة هذا العام من المهرجان، حيث تقدم العديد من اللوحات والرقصات التراثية المعبرة عن روح التراث المحلي ومن هذه الفرق: معان، والمدار للمكفوفين، وشباب الرمثا والسلط والعقبة البحرية والساحل للفنون الشعبية وبني معروف والبادية الشمالية للفنون والاميرة سلمى للطفولة ونهر اليرموك وفرقة كفرنجة وعالية للفلكلور وشمال الاردن للفنون والطفيلة للفنون الشعبية وصوت الاردن والمهابيش والحسا وشباب الحجايا وفرقة النادي الاهلي الشركسي.
فرق عربية وعالمية
مسرح الحمامات الشرقية يستضيف جملة من الفعاليات والعروض الشعبية لفرق محلية وعربية وعالمية، من بينها عروض فلكلورية لفرق من أرمينيا وأذربيجان وكوسوفو، وفرقة التنورة المصرية، وفرقة معان الأردنية للفنون الشعبية. فيما خصص مسرح جراسيا لاستقطاب الفعاليات والابداعات الشبابية، وتبقى الساحة الرئيسية بأعمدتها الرومانية الضخمة ملتقى للعائلات والأسر حيث بالامكان متابعة عروض الفرق الفنية والتراثية وسط أجواء احتفالية. هذا بالاضافة الى ما تتمتع به هذه الساحة بأرضيتها الحجرية من جانب آثاري تاريخي حيث تقام فيه الأسواق الحرفية وعروض الشارع الفنية، بحيث أصبحت هذه الساحة على مدار سنوات قلب المهرجان وروحه.
يشكل مهرجان جرش للثقافة والفنون حالة ثقافية خاصة تقدم تراث الأردن للعالم بصورة حضارية، كما يشكل بفعالياته واحتفالياته مقصدا سياحيا مهما يجعل من المدينة الرومانية العتيقة ملتقى لعدد كبير من السياح والمصطافين والمثقفين ورجال الفكر والفن والابداع من مختلف الحضارات، حيث يسعى القائمون على الحدث الى جعل الاردن مركز جذب وتطوير لمفهوم حوار الحضارات والتمازج الثقافي بين الشعوب، وأيضا يسعى الجميع من خلال هذه التظاهرة الضخمة الى إعادة الامجاد لهذا المهرجان الذي يعود بقوة من حيث التوسع في حجم الفعاليات ونوعيتها وتأثيرها في المجال المعرفي والثقافي باعتبارة تقليدا ثقافيا وحضاريا يرتقي بالذائقة الانسانية في اطار احتفالي.
أمسيات رمضانية
من المهم الاشارة هنا الى إهتمام دورة هذا العام من المهرجان بإحياء الأماسي الرمضانية على خشبة المسرح الثقافي الملكي في العاصمة الاردنية عمان في الفترة ما بين 23 الى 29 يوليو 2012، وتعتبر هذه الامسيات امتدادا لبرنامج المهرجان الذي ينوع اهتمامه بالفرق ذات الطابع الصوفي، حيث يتابع الجمهور عرضا لفرقة محمد خيري القدود الحلبية من سورية، وفرقة المقامات العراقية، وفرقة الجالغي البغدادية، كما تقام أمسية خاصة لأغنيات موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب بأداء الفنان السوري باسل خلف والمصرية عزة بلبع وفرقتها.
كما يشتمل برنامج الامسيات الرمضانية على تنويعات من الغناء الطربي الاصيل تقدمها كل من غادة رجب من مصر، وأيمن تيسير من الاردن، وفردوس من المغرب وكذلك أمسية خاصة للمغربية فاتن هلال بيك.
مشروع بشاير
وتم هذا العام تخصيص مسرح جراسيا الأثري للابداعات الشبابية ضمن برنامج جديد بإسم (بشاير) والذي يضم العديد من الفعاليات الادبية والشعرية والغنائية والمسرحية والقصصية، ويهدف البرنامج بالدرجة الاولى الى تقديم المواهب والأقلام والابداعات الشبابية ضمن اطار حواري ونقدي بإشراف نخبة من كبار المبدعين على المستويين المحلي والعربي.وقد إختار القائمون على البرنامج باشراف القاص والكاتب رمزي الغزوي عددا من الشعراء الشباب لتقديم قصائدهم ضمن أمسيات شعرية يعقبها ندوات نقدية ومن هؤلاء الشعراء والشاعرات: أسامة دغاوجي، بهاء الدين السيوف، مناهل العساف، وردة الكتوت، سونيا الزغول، ليث مقابلة. وفي حقل القصة القصيرة تم إختيار عدد من كتاب القصة الشباب مع التركيز على القاصات الواعدات ومنهم: عامر الشقيري، إسراء الغول، روان الغلاييني، سلسبيل البدري، سلمى عويضة، اقبال البوريني، أنوار جبور، حسن الحلبي، حليمة الدرباشي، ريمين السعودي، حنان باشا.
ويستقطب برنامج بشاير عددا من المهتمين بصناعة السينما من الشباب، حيث يشارك عدد منهم في عرض جملة من الافلام، ومن ذلك فيلم “ألحان في سوق الخضار” للمخرجة الشابة رنيم عابدين، وفيلم “الشرطية” للمخرجة ريم جمعة، وفيلم “أحلام” لمحمد عليوات، وفيلم “بائع الاحلام” للمخرجة هبة البوريني.
عروض المسرح في برنامج بشاير متنوعة على مستوى الفكر والمضمون والمعالجة والرؤيا باتجاه مشكلات العصر، من المسرحيات التي سيتابعها جمهور مهرجان جرش في دورته السابعة والعشرين مسرحية بعنوان “وزن الريشة” لمخرجها هاني قصولد، ومسرحية “كيف كذبت على زوجها” للمخرج أمين حجاوي، ومسرحية “لقاء” لمخرجها سليمان تادرس، ومسرحية “المطبخ” لمخرجتها ماري مدانات.
إذن يعود مهرجان جرش للثقافة والفنون من جديد وسط جدل واسع وفي ظل تحديات كثيرة منها اقتصادية وسياسية وظروف كثيرة في الشارع العربي لم يعتد عليها المهرجان من قبل، ولهذا كان على القائمين على الحدث التركيز في (النوعية) على مستوى استقطاب النجوم والشعراء والفرق الدولية دون نسيان أن تكون هناك مساحة من الفرح الى جانب الحفاظ على الهوية والتقاليد الاصيلة وتقديم الابداع الجاد بما يتلائم مع الواقع والحالة وبما يتناسب أيضا مع موقع وأهمية المدينة الأثرية التي تستقطب معظم فعاليات المهرجان.