تراث الأجداد تحفظه
يشكّل التراث مرآة تعكس صفات وسلوكيات الشعوب، فهو حصيلة لتطورها، ورصد لصور إنسانية تبرز روائع السلوكيات الاجتماعية والصفات والمعطيات الثقافية، والحياة اليومية للإنسان في بيئته. وكما في دول العالم - عامة - وربما أكثر؛ نجد أنه في الإمارات يتألق التراث بكل بيئاته، سواء كان تراثاً بحرياً أو برياً أو زراعياً. لذا تقوم أندية وجمعيات التراث والاتحادات النسائية على تشجيع مواطنات الدولة ليعملن في مجال التراث. وهذا ما ترصده مادة هذا التحقيق الذي التقى بمجموعة من خيرة العاملات في مجاله الخصب.
حصدت بعض الدول التي تأثرت بحضارات وسلوكيات الدول الأخرى دون أن تعبأ بموروثها التراثي وتحميه، خليطاً مركباً لا علاقة تربطه ببعضه.
وفي بعض تلك الدول حين اختلط الحابل بالنابل، بدأت العادات والتقاليد الخارجة عن السلوك القويم تؤثر على الإنسان الأصلي هناك. لذا قامت بالدعوة للعودة إلى العادات والتقاليد الأصلية وتفعيل دور التراث المحلي.
العهد والوعد
عندما دخلت الإمارات عهداً جديداً حرص باني الدولة - المغفور له - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله على تأكيد أهمية أن تحافظ الدولة ضمن كل استراتيجية على التراث المحلي وتعمل على إحيائه ونشره وتعليمه للأطفال والطلاب والطالبات، من أجل أن يكون ركيزة يتكئون عليها خلال عطائهم وبنائهم لأنفسهم ولدولتهم، ومفتاحاً للنجاح محلياً وعربياً وعالمياً.
نجد في الدولة إدارات مختصة بالحفاظ على التراث والموروث الشعبي، سواء المادي أو غير المادي والسلوكي الخاص بالعادات والتقاليد اليومية التي يتعامل بها كل شخص مع الآخرين، وقد أخذت ابنة الإمارات على نفسها وعداً وعهداً بالمحافظة على التراث، ولذلك عملت من خلال بيئتها ومجتمعها ومن خلال الأسرة والمدرسة لتحقيق ذلك العهد.
الشعر والموروث الشعبي
من بين الإماراتيات اللاتي يعملن في قطاع التراث ابنة العين شيخة الجابري - الشاعرة المعروفة والباحثة في التراث، حيث أمضت سنوات طوال في البحث وجمع الموروث الشعبي، وهي منذ سنوات تعمل على وضع خطط والمشاركة في الاستراتيجيات الخاصة أو من أجل التراث غير المادي، فهي بشكل شخصي وبعيد عن الوظيفة مدفوعة بشغفها تجاه الشعر النبطي والموروث الشعبي، ولها كتب في التراث مهمة، مثل «معجم ألفاظ أهل الإمارات» كما عملت على جمع وتحرير ديوان الشاعرة موزة بنت جمعة العميمي - رحمها الله - وديوان الشاعر عيد المريخي - رحمه الله - إضافة إلى كتب ومؤلفات عدة والعديد من أوراق العمل والأبحاث التي تعنى بالتراث وأهميته شاركت بها داخل وخارج الدولة، سواء عربياً أو عالمياً.
الأسرة محور التراث
قبل سنوات أطلقت من أبوظبي مريم الظاهري شعار «اللي ما يوصلنا نوصل له» من أجل أن تنفذ مع أي جهة محلية المشاريع والبرامج التي تحقق للجانب التراثي في تلك الجهات الأهداف المنشودة. وهي تقول: «إن حب الإمارات والعمل على حفظ تراثها في حياة أبنائها لا يحتاجان بالضرورة إلى وظيفة في هيئة أو جهة، لأن الإنسان المحب يستطيع أن ينفذ ما يريد للوطن في أي وقت وأي مكان».
وتعدّ الظاهري واحدة من السيدات اللاتي أخذن على عاتقهن أن تكون الأسرة هي المحور الأول الذي توجه له علومها ومعلوماتها وأفعالها المتعلقة بالتراث، ولذلك تفخر أن أبناءها يسيرون على نهجها في حب التراث، وقد عملت منذ 15 عاماً متطوعة في الجمعيات والقطاع التعليمي دون أن تنتظر مقابلاً.
وتؤكد أن تخصصها يمكنها من العمل في أي مكان آخر، ولكنها محبة للتراث والآثار، ودائماً ما تجد نفسها منجذبة إلى كل ماهو تراثي وتاريخي وأثري، ولكل ما له علاقة بماضي الإمارات. لذلك تشعر أنها تعيش ما بين الماضي والحاضر. وهي تفكر في مشروع تستطيع من خلاله أن يكون للتراث الإماراتي شأن عالمي. ولذلك لا تأسف على أي لحظة تقضيها في سبيل التراث، وتأمل أن يبقى الأطفال في رياض الأطفال على صلة بماضي أجدادهم، ومثال على ذلك (حفظ أسماء شيوخ الإمارات الذين رحلوا وأسماء المناطق التراثية والأثرية) ذلك جزء من المهام التي تحاول مريم تأكيدها خلال إعدادها مشروع تنفذ من خلاله رسالتها كباحثة ومهتمة بالتراث».
عطاء يومي
تعد فاطمة المغني - مدير مركز التنمية الأسرية في خورفكان؛ رائدة من رائدات جمع التراث حتى ذلك اللفظي الخاص بالمصطلحات. وهي تقول: «لا أستطيع ترك يوم واحد يمر علي دون أن أحقق فيه عطاء يذكر في مجال إيصال الأمانة المتعلقة بالتراث ودوره المهم في حياة كل إنسان، فالتراث الذي يكون عادة مرتبطاً بالماضي لا بد أن يبقى للحاضر والمستقبل، وأن يفخر كل مواطن بمحافظته على تلك القيم التراثية وحتى فيما يخص الزي والأدوات وبقية تفاصيل التراث في الحياة اليومية».
والمغني باحثة لا تتوقف عن التواصل مع الغير من أجل تراث وطنها، وهي تنتهز فرصة أي مناسبة لتحقيق ذلك، ولذلك تتلقى دعوات طوال العام من مؤسسات تربوية أو اجتماعية داخل وخارج الدولة، وشاركت في الكثير من الدورات الخاصة بجمع التراث ومن أجل التراث تعلمت أصول الإلقاء والمحادثة وتأهلت من أجل أن تكون باحثة في مجاله. لإبقاء شعلته مضيئة، ودخلت ضمن مشاريع منها الأزياء الخاصة بالمدن والبادية، وأيضاً جمع الحكايات والمفردات اللفظية والأمثال. كما عملت على جمع التراث المادي ولها الكثير من المقتنيات.
وتعمل المغني على تلبية كل الدعوات التي توجه إليها، حتى لو كلفها ذلك السفر لساعات عدة من خورفكان إلى إمارات أخرى والعودة في ذات اليوم للمشاركة في ندوة أو مؤتمر أو نشاط يثري التراث ويكرس له.
حرص شديد
أما بدرية الحوسني الحاصلة على دبلوم تخصص مهني في التراث بامتياز، وتحمل بكالوريوس علوم تخصص جيولوجيا من جامعة الإمارات.. فهي عضو لجنة جرد التراث غير المادي في الدولة، وعضو جمعية التراث العمراني، وتفخر بدأبها للحصول على الكثير من الدورات التدريبية والشهادات لأنها لا ترغب في هدر الوقت بانتظار الحصول على وظيفة، فاستثمرت سبع سنوات من عمرها في التعلم وفي تطوير مهاراتها.
أصبح التراث بالنسبة للحوسني التي تقطن إمارة الفجيرة قضية عشق وشغف وخوف من أن يندثر قبل جمعه من صدور المصادر ومن ذاكرتهم ووثائقهم. تقول: «إن التراث علم الشعوب وإن تم التعمق في معنى التراث ضمن المعاجم في اللغة العربية سنجد أنه مشتق من الإرث والورث، ومن التراث الذي أعمل على جمعه الأدب الشعبي من شعر وأمثال وحكايات، وكذلك فنون العيالة والنهامة واليولة، وغير ذلك من رصد لعادات وتقاليد، منها ما يمثل قناعات تدور حول الحسد والعين وأثر البخور ورش الملح كمثال، أو تقاليد الزواج والختان وطريقة خطبة الرجل للعروس والضيافة وغيرها من العادات التي كانت سائدة قديماً».
إضاءات
- يوجد في الدولة نحو 30 باحثة إماراتية في تراث الإمارات يتوزعن على إمارات الدولة، فضلاً عن دارسات مهتمات من دول عربية وغربية.
- شهدت الإمارات منذ مطلع الثمانينيات اهتماماً نسوياً بالتراث المحلي.
- تستقطب أندية التراث الكفاءات النسائية إليها، وتفتح لها مراكز نسائية لمتابعة شؤون التراث وتعليمه للفئات العمرية الصغيرة.
- أهم ما يجب أن يتوافر فيمن تجمع التراث أن تكون لديها معلومات تستند إلى أسس صحيحة.
- من خلال كل المراحل التي تمر بها الباحثة خلال عملها تكتشف أن الرؤية الواضحة تُمكّن من وضع خطط ناجحة للمستقبل.
المصدر: دبي