عثمان بن عفان تستحي منه الملائكة
الخليفة الراشد عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، أحد الذين حملوا لواء الدعوة الإسلامية عند بزوغ فجرها، وكان ممن لهم الفضل الكبير في انتشار نور الإسلام في جنبات العالم، فقد كان رضى الله عنه صاحب العديد من المواقف التي وطدت أركان الدعوة الإسلامية، سواء بالمال أو المشاركة في المعارك والغزوات المختلفة.
وله كثير من المناقب، فهو صاحب لقب ذو النورين، الذي لٌقب به بزواجه من ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيّة ثم أم كلثوم ، فقد زوّجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته رقيّة ، فلّما ماتت زوّجه أختها أم كلثوم فلمّا ماتت تأسّف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مصاهرته فقال :( والذي نفسي بيده لو كان عندي ثالثة لزوّجنُكَها يا عثمان )، و هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأحد الستة الذي جعل عمر الأمر شورى بينهم ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق.
أسلم بعد البعثة
وعثمان بن عفان صاحب كثير من الأوليات منها، وهو أوّل من شيّد المسجد ، وأوّل من خطَّ المفصَّل ، وأوّل من ختم القرآن في ركعة.وكان رضي الله عنه غنياً شريفاً في الجاهلية ، وأسلم بعد البعثة بقليل ، فكان من السابقين إلى الإسلام ، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة الأولى والثانية وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوطٍ ) ( إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوطٍ ).
ومن أهم أعمال عثمان بن عفان رضي الله عنه فتح مرو وتركيا وتوسيع الدولة الإسلامية وفتحت في أيام خلافة عثمان الإسكندرية ثم أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وتمت في عهده توسعة المسجد النبوي عام 29ــ30 هـ، وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطىء الإسلامية من هجمات البيزنطيين. وكان من أهم إنجازاته جمع كتابة القرآن الكريم الذي كان قد بدء بجمعه في عهد الخليفة أبي بكر الصديق. وجمع القرآن الكريم في مصحف مكتوب برسمه إلى الوقت الحالي.
خصال متعددة
وقد اتصف رضي الله عنه بمزايا وخصال متعددة لكن أهم ميزتين كانتا تسيطران عليه وتحددان شخصيته هما السماحة والحياء، فقد كان رضي الله عنه يستحي من الله عز وجل الذي كان يرى آيات وجوده تلمع في وجدانه ، ويستحي من رسوله الذي كانت آيات صدقه تملأ الأنفس إيمانا ويقينا. وهاتان الصفتان لازمتاه منذ بداية إسلامه، إذ بمجرد ما أن همس أبو بكر الصديق في أذنه بنبأ الدعوة الجديدة حتى انفتح لها قلبه واستقبلها بإيمان وصدق.
ولعل خير دليل على تشبثه بهاتين الصفتين قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم. اللهم ارض عن عثمان، فإني عنه راض). وما روته عائشة رضي الله عنها : ( أن أبا بكر استأذن يوما على رسول الله وكان الرسول مضطجعا وقد انحسر جلبابه عن إحدى ساقيه، فأذن لأبي بكر فدخل، وأجرى مع الرسول حديثا ثم انصرف.. وبعد قليل جاء عمر فاستأذن فأذن له، ومكث مع الرسول بعض الوقت ثم مضى... وجاء بعدهما عثمان، فاستأذن وإذا الرسول يتهيأ لمقدمه فيجلس بعد أن كان مضطجعا ، ويسبل ساقه فوق ساقه المكشوفة، فيقضي عثمان معه بعض الوقت وينصرف. فتسال عائشة الرسول عليه الصلاة والسلام قائلة: يا رسول الله، لم أرك تهيأت لأبي بكر ولا لعمر كما تهيأت لعثمان؟ فيجيبها الرسول : إن عثمان رجل حيي ، ولو أذنت له وأنا مضطجع لاستحيا أن يدخل، ولرجع دون أن أقضي له الحاجة التي جاء من أجلها . يا عائشة: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ؟)
تزايد مسلمي المدينة
ومن المواقف المميزة أيضا لهذه الشخصية ما وقع حينما تزايد عدد المسلمين في المدينة وضاق المسجد بهم ، فتمنى الرسول عليه الصلاة والسلام لو يجد بين أصحابه من يشتري الرقعة المجاورة له كي تضم للمسجد، ويزداد بها اتساعا. فاشتراها عثمان رضي الله عنه.
وفي العام التاسع للهجرة قرر هرقل الزحف بجيشه إلى الأمة الإسلامية في ديارها فوصلت الأنباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونادى أصحابه بالتهيؤ للجهاد. وبسبب ما كانت تعانيه البلاد من جدب وعسرة وحر قاتل، حض الرسول أصحابه على التبرع لتجهيز الجيش الذي عرف آنذاك بجيش العسرة ورغم ما تبرعوا به إلا أن ذلك لم يكن كافيا، فنظر الرسول إلى الصفوف الطويلة وقال : ( من يجهز هؤلاء، ويغفر الله له ؟). وما كاد عثمان يسمع النداء حتى سارع إلى مغفرة من الله ورضوانه.
المصدر: أبوظبي