شادي صلاح الدين (لندن)

خرجت بريطانيا أمس الجمعة، رسمياً من الاتحاد الأوروبي منهية عضوية استمرت 47 عاماً، لتصبح بذلك أول دولة تغادر الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه.
ووصف رئيس الوزراء، بوريس جونسون، الحدث بـ«فجر حقبة جديدة»، قائلاً إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «ليس نهاية بل بداية»، واصفاً فك الارتباط مع أوروبا بأنه «لحظة تجديد وتغيير وطني حقيقي».
ورغم مغادرة المملكة المتحدة أوروبا، إلا أنه لن يتغير الكثير على الفور، إذ تبدأ المملكة المتحدة «فترة انتقالية»، حيث تظل معظم قوانين الاتحاد الأوروبي سارية -بما في ذلك حرية تنقل الأشخاص- حتى نهاية ديسمبر، وهو الوقت الذي تهدف فيه المملكة المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق دائم للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
وكان من المقرر أصلاً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 مارس من العام الماضي، ولكن تم تأجيل الخروج أكثر من مرة عندما رفض النواب اتفاقية الانسحاب السابقة التي توصل إليها الاتحاد الأوروبي ورئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي. وتمكن جونسون من إبرام صفقته الخاصة وتمريرها من خلال البرلمان بعد فوزه في الانتخابات العامة في ديسمبر بأغلبية 78 عضواً.
وأدى ذلك إلى إنهاء أكثر من ثلاث سنوات من المشاحنات السياسية، في أعقاب استفتاء عام 2016، حيث أيد 52% من الناخبين مغادرة الاتحاد الأوروبي. وعقد رئيس الوزراء اجتماعاً للحكومة في مدينة ساندرلاند، وهي المدينة التي كانت أول من دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عندما تم إعلان النتائج بعد استفتاء عام 2016.
وفي خطابه الذي تم تصويره في مقر الحكومة بداونينج ستريت، قال جونسون «هذا فجر حقبة جديدة لم تعد تقبل فيها أن فرص حياتك -فرص حياة عائلتك- يجب أن تعتمد على أي جزء خارج البلد الذي نشأت فيه». وأضاف «هذه هي اللحظة التي نبدأ فيها بالاتحاد والارتقاء».
ومن جانبه، قال زعيم حزب العمال المعارض، جريمي كوربين، إن بريطانيا «الآن في مفترق طرق» لأنها تقرر الاتجاه الذي ستتخذه بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وتعليقاً على المسار المستقبلي للبلاد، دعا كوربين إلى «بريطانيا دولية حقيقية ومتنوعة وتطلعية إلى الخارج» وحماية الوظائف والحقوق والمعايير.
وقال زعيم المعارضة «ترك الاتحاد الأوروبي ينفذ قرار الاستفتاء لعام 2016. ولكن العديد من الخيارات الأكثر أهمية حول علاقة بريطانيا المستقبلية مع أوروبا والعالم الأوسع لم يتم بعد». وأوضح «بريطانيا الآن في مفترق طرق. بينما نغادر الاتحاد الأوروبي، لدينا فرصة لتشكيل دورنا المستقبلي داخل المجتمع الدولي لعقود قادمة. سوف يتغير مكان بريطانيا في العالم. والسؤال هو ما الاتجاه الذي نتخذه الآن؟».
واستمر كوربين في التحذير من صفقة تجارية «مرتبة على عجل» و«من جانب واحد» مع الولايات المتحدة من شأنها أن تسهل «السباق نحو الهاوية». ووعد بأن يحمّل حزب العمال الحكومة مسؤولية كل خطوة على الطريق لضمان حماية الوظائف ومستويات المعيشة والحقوق في العمل ومعايير المستهلك والبيئة كجزء من كل ما يتم التفاوض عليه مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى.
كما تعهد زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي بالوكالة، السير إد ديفي، بأن حزبه المؤيد للاتحاد الأوروبي «لن يتوقف أبداً عن القتال» لتمتلك البلاد «أقرب علاقة ممكنة» مع أوروبا. وقال إنه سيكون في «تمرين للحد من الأضرار، لوقف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن إيذاء الشعب البريطاني».
ورغم وعد بوريس جونسون بمعالجة الانقسامات التي تسبب بها البريكسيت، إلا أن إشارات هذه الوحدة تبدو بعيد بالنسبة لأيرلندا الشمالية. واعترفت الوزيرة الأولى في أيرلندا الشمالية، من الحزب الديمقراطي الوحدوي، أرلين فوستر، بأن خطاب «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» من كل جانب من جوانب النقاش كان مثيراً للخلاف، ولكنها قالت إن النقاش قد انتهى الآن، وبوجود حكومة جديدة لتقاسم السلطة، يجب أن تكون الرفاهية الاقتصادية للبلاد إحدى تلك القضايا التي يمكن أن يتحد بشأنها الجميع. ودعت أولئك الذين دعموا التجارة العابرة للحدود غير الاحتكارية الآن إلى «تكثيف واستخدام أصواتهم لدعم ضمان حصول أيرلندا الشمالية على ما تحتاجه داخل السوق الموحدة للمملكة المتحدة».
وكشف السير جيفري دونالدسون، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاتحادي، أن الأحزاب الخمسة الرئيسية في ستورمونت (مقر البرلمان الأيرلندي) وقادة الأعمال في البلاد طوروا مقترحات مشتركة حول التدابير التي يجب على الحكومة اتخاذها بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقال إنه «إنجاز رائع» بالنظر إلى «الانقسامات العميقة» في السنوات الأخيرة.

المفوضية الأوروبية: خروج بريطانيا بداية جديدة للاتحاد
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، أمس الجمعة، إن الاتحاد الأوروبي سيبدأ فصلاً جديداً بعد مغادرة بريطانيا وسيعمل بنفس الوتيرة كقوة موحدة في القضايا العالمية بدءاً من تغير المناخ إلى التحول التكنولوجي. وأوضحت فون دير لين في مؤتمر صحفي: «علمتنا التجارب أن القوة لا تكمن في عزلة رائعة ولكن في اتحادنا الفريد».
وأضافت «لا يوجد مكان آخر في العالم يمكنك أن تجد فيه 440 مليون شخص من 27 دولة يتحدثون 24 لغة مختلفة ويعتمدون على بعضهم بعضاً ويعملون سوياً ويعيشون جنباً إلى جنب. ما من شك في أن التحديات التي تواجهها أوروبا والفرص التي يمكنها اقتناصها لم تتغير بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
وأضافت أن خروج بريطانيا منح الدول السبع والعشرين المتبقية في الاتحاد «فرصة نادرة» لضمان أن تأخذ أوروبا بزمام المبادرة في التصدي لتغير المناخ والثورة الرقمية وإدارة الهجرة وبناء شراكات قوية مع جميع أنحاء العالم.
وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي في منتصف الليل أو في الساعة 2300 بتوقيت المملكة المتحدة أمس بعد قرابة نصف قرن من التعاون الوثيق مع التكتل الأوروبي، فيما يمثل نصراً للمتشائمين تجاه الوحدة الأوروبية، وضربة قوية للتكامل الأوروبي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية.

ميركل: ضربة قوية للجميع
اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) «ضربة قوية لنا جميعاً». جاء ذلك في بيان لميركل، في تعقيب من جانبها على خروج بريطانيا من التكتل. وقالت ميركل أيضاً إن المحادثات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا سوف تكون هي القضية المهيمنة خلال العام الجاري.