اتباع قول الصحابة واجب شرعي وإن اختلفوا
لا خلاف بين العلماء على أن قول الصحابي لا يعتبر حجة على صحابي آخر لاستوائهما في الصحبة والمنزلة، وقد كان الصحابة يختلفون في العديد من المسائل ولم ير أحدهم أن قوله حجة على غيره مثل ما روي عن أن الصحابة اختلفوا في قول الرجل لامرأته: «أنت عليّ حرام» فكان أبو بكر وعمر وعبدالله بن عباس - رضي الله عنهم - يرون أنه يمين وقال ابن مسعود: هو طلقة واحدة وقال علي وزيد بن ثابت: هو طلاق ثلاث ولم ينكر أحد منهم على الآخر كما لم ير واحد منهم أن قوله حجة على غيره.
ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة - أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر: قول الصحابي مصطلح أصولي والصحابي هو من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به وصحبه ويؤخذ برأيهم فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد وحكمه حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيأخذ بحكم قول الصحابي مثل حكم السنة في الحجية والاستدلال كما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام، كما أن قول الصحابي الذي اشتهر وذاع ولم ينكره أحد يدخل في الإجماع السكوتي فيأخذ حكم الإجماع، كما ثبت من اتفاق الصحابة على توريث الجدات السدس وقول الصحابي لا يكون حجة بالاتفاق إذا ظهر رجوعه عنه أو خالفه فيه غيره وهناك اتفاق على أن قول الصحابة حجة على العوام مطلقا سواء في عصر الصحابة أو في غيره من العصور.
الحجة
ودلت النصوص المختلفة المنقولة عن الأئمة المجتهدين أنهم يعتبرون قول الصحابي حجة وأنهم كانوا يرجعون إليه عند عدم وجود نص من القرآن الكريم والسنة ويقدمونه على القياس حتى أولئك الأئمة الذين كانوا يتوسعون في الرأي والقياس أمثال أبي حنيفة كانوا يعتبرون بقول الصحابي بعد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضح ذلك ما نقل عن أبي حنيفة أنه قال: إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت.
والراجح في جمهور العلماء أن قول الصحابة حجة واستدلوا بذلك بعدة آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ...)، «سورة التوبة: الآية 100»، ووجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى مدح الصحابة والتابعين لهم بإحسان من حيث الرجوع إلى رأيهم وليس من حيث الرجوع إلى الكتاب والسنة إذ لو كان الأمر كذلك لكان استحقاق المدح لهم باتباعهم الكتاب والسنة لا باتباع الصحابة فكل من تمسك بالكتاب والسنة يمدح سواء كان صحابياً أم تابعياً وهذا المدح للتابعين إنما كان لأجل اتباعهم لآراء الصحابة وإذا كان الأمر كذلك في اتباع التابعين فإن اتباع قول الصحابة واجب وقوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم).
الأبر قلوباً
واستدل العلماء أيضا على حجية قول الصحابة من السنة النبوية المشرفة من خلال أحاديث كثيرة منها ما روي عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» ووجه الدلالة من الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف الصحابة بأنهم خير الناس ويجب اتباعهم والاقتداء بهم دون العامة من الناس وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوا آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وعن سعيد بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعيد بن مالك في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»، وسكت عن العاشر قالوا: ومن هو العاشر؟ فقال: «سعيد بن زيد» يعني نفسه. (القاهرة - الاتحاد)
الأدلة العقلية
واستدل العلماء على الأخذ بأقوال الصحابة بأدلة عقلية تثبت حجية قول الصحابة منها أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا أقرب إلى فهم روح الشريعة ومراميها وإدراكهم لأحكام الشريعة أكثر من إدراك غيرهم ولذلك كان كلامهم أحق بالاتباع ومع ذلك فقد كان الصحابة يهابون الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويعظمونها مع أنهم لو رووا كل ما سمعوه وشاهدوه لزادوا على رواية أبي هريرة أضعافا مضاعفة وكانوا يقللون من الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفاً من الزيادة والنقصان ويحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي.