عاد محرم فؤاد إلى الواجهة في ذكرى وفاته التاسعة، حيث تفوقت أغنيته “بحبك يا شبرا” التي تدعو للوحدة الوطنية وغناها خلال السبعينيات من القرن الماضي، ويقول مطلعها “بحبك يا شبرا بحبك صحيح، يا موال وأوبرا وعربي وفصيح، يا جامعة محمد وعبدالمسيح، على بسطة واحدة بحبك صحيح”. وتقدمت عشرات الأغنيات التي عرضت مؤخراً في محاولة لوأد الفتنة الطائفية بمصر، ولم ترق أي من هذه الأغنيات سواء على صعيد الكلمات أو اللحن أو الأداء إلى مستوى أغنية محرم، الذي احتفل محبوه وعشاقه بذكرى وفاته التي تحل هذا الشهر وتحديداً في 27 يونيو بتدشين عشرات الأغنيات له على عدد من المواقع الإلكترونية، مصحوبة بعرض كلماتها والمناسبات والحفلات التي غناها فيها، ودعوات لمن يملك اغنيات أخرى له لضمها إلى هذه المجموعات، ومع هذا لم يتم تقديره بالشكل المناسب بعد وفاته، وهو ما حدث معه في حياته. الغناء الشعبي ينتمي محرم فؤاد الذي يعد من القلائل الذين امتلكوا صوتاً قوياً صافياً ومعبراً إلى مدرسة الغناء الشعبي، الممزوجة بروح الأصالة، والدليل ما حققه من خلال أغنياته ذات الملامح الخاصة الفريدة. وكان يؤكد أن المطرب ينجح أولا بصوته المميز وقبوله عند الناس وبثقافته وتمكنه من أدواته، وكان ينادي بألا يقلد المطرب أحداً حتى لا يقارن به، خصوصاً أن النتيجة دائما ما تكون في صالح الصوت الأصلي. ولم يشعر محرم بالتنافس مع أحد من زملائه بمن فيهم عبد الحليم حافظ الذي كان يعتبره أعز أصدقائه، لأن كل مطرب في وقته كان له وجدان وحواس ومشاعر، وهو ما ساعد في نجاحهم جميعاً بعدما صمم كل واحد منهم إطاراً خاصاً به، فكان محمد قنديل وكارم محمود ومحمد رشدي وعبد العزيز محمود ومحمد عبد المطلب ونجاة وشادية وفايزة ووردة وشهر زاد وسعاد محمد، أصحاب مدارس مختلفة عنه وعن عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش. ولد محرم حسين أحمد على في 24 يونيو 1934 في حي بولاق بالقاهرة لأسرة صعيدية من محافظة سوهاج، حيث كان الابن الأصغر لتسعة أشقاء، وكان والده يعمل مهندساً في السكة الحديد، واكتشف حلاوة صوته وهو في الرابعة من عمره، وتعلم العزف على البيانو أثناء دراسته في مدرسة السبتية الابتدائية، وفي هذه السن المبكرة غنى نشيد المدرسة أمام الملك، كما غنى في زفاف أحد أقاربه واستمعت إليه كبيرة فنانات شارع محمد علي ودعته لزيارتها، وتعلم بعد ذلك العزف على آلة العود في معهد فؤاد الأول للموسيقى، واحترف الغناء وهو لم يكمل عامه السادس عشر في الملاهي الليلية، خصوصاً أن والده كان قد توفي وهو في الثانية عشرة من عمره، ثم التحق بركن الهواة في الإذاعة، وغنى من ألحان عبد العظيم محمد أغنية “أسمر حليوة وزين” والتي اعتمد بعدها مطرباً في الإذاعة المصرية، وانضم إلى فرقة “ساعة لقلبك” وغنى ومثل كل سكتشات فرقة بديعة مصابني لمدة أربع سنوات. في السينما وقدم 13 فيلماً سينمائياً بدأها عام 1959 من خلال فيلم “حسن ونعيمة” أمام سعاد حسني وتأليف عبدالرحمن الخميسي وإاخراج هنري بركات، والطريف أن الفيلم الذي أنتجه الموسيقار محمد عبدالوهاب كان مرشحاً لبطولته عبدالحليم حافظ وفاتن حمامة ولكن حدثت بعض المشاكل، واستقرت الأمور في النهاية على الاستعانة بوجهين جديدين فكانا محرم الذي اكتشفه بركات، وسعاد التي اكتشفها الخميسي، وتم تغيير اسمه بعد هذا الفيلم من محرم حسين إلى محرم فؤاد بناء على رغبة أحد المنتجين، وفي العام التالي قدم فيلمي “لحن السعادة” و”وداعاً يا حب” و”نصف عذراء” عام 1961. كما شارك في مسرحيتين غنائيتين هما “دنيا البيانولا” و”القشاط” إلى جانب مسلسلين إذاعيين هما “حب ونغم”، و”حياة كامل الخلعي”، ووضع الموسيقى التصويرية لأكثر من فيلم أخرجه سيد طنطاوي الذي ربطته به صداقة قوية. وكانت أغنية “رمش عينه” جواز مروره إلى قلوب الملايين الذين عشقوه من خلال تقديمه لنحو 900 أغنية منها 500 عاطفية وشعبية، من أبرزها “زي نور الشمس” و”انت عني بعيد” و”يا غزال اسكندراني” و”الحلوة داير شباكها” و”يا واحشني رد عليّ”، و”الحب عذاب” و”تعب القلوب” و”داري جمالك”، كما قدم نحو 400 أغنية دينية ووطنية لمصر والعالم العربي، من بينها 20 لفلسطين لدرجة أن البعض كان يظن أنه فلسطيني. وفي الوقت الذي غنى فيه من كلمات عمالقة الكلمة أمثال مرسي جميل عزيز وحسين السيد وعبدالرحمن الأبنودي، ومن ألحان عمالقة الملحنين أمثال رياض السنباطي وفريد الأطرش ومحمد الموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي، لحن لنفسه الكثير من الأغاني كما لحن لغيره مثل سوزان عطية. تزوج تحية كاريوكا لعدة شهور، ثم اللبنانية ماجدة بيضون وأنجب منها ابنه طارق الذي احترف الغناء، وبعد انفصاله عنها تزوج عايدة رياض وأخيرا المذيعة التليفزيونية منى هلال التي تعرف عليها اثناء رحلاته العلاجية في لندن وكانت تجري معه حديثا لإذاعة “بي بي سي” وتزوجها هناك. حصل على العديد من الجوائز والتكريمات أهمها وسام الاستقلال من الأردن عام 1965، وشهادة تقدير من المغرب عام 1969 ورحل عن عمر يناهز 71 عاما في 27 يونيو 2002، بعد صراع طويل مع المرض.