أحمد عثمان (باريس)

هو فيلسوف وحيد وفريد. بسيط ومتشدد، صارم ومتسكع... نيقولا غريمالدي، المولود في عام 1933، مؤلف ما يقارب الثلاثين كتاباً. ديكارت يجاور فان جوخ وسقراط وبروست. في تجواله بين علم الجمال، الأدب والفلسفة لم يتحرر من عقيدة منهجية، وإنما بذل جهداً كي يفهم ما يعيشه كل فرد... طريق صبور لكي يحلل أحجية وجودنا، من التلاقي إلى التافه، من السمو إلى المروع. لهذا يهتم، بروفيسور السوربون المتقاعد، على وجه التحديد ومنذ سنوات عدة، بخيبة الأمل، الوحدة، الجنون العادي أو أيضاً اللا إنسانية.
في آخر الأمر، تثير اهتمامه كافة الصور التي تعمل المخيلة على إدراجها مع الواقع. وكان الحب إحدى حالاتها المثلى. «نبدع متخيلين بلا انقطاع» المحبوب، الذي «نبتكره عن أن نختاره». على مدى كتابة كلاسيكية، يقترح الفيلسوف، عن الحب وتحولاته التي تحيطه، قراءة ملحة ومناقضة للتيار. وعن كتابه «تغيرات الحب»، كان الحوار التالي مترجماً عن «روجيه- بول دروا».
* في معظم الأحيان، نعتقد أننا عرفنا لماذا نحب شخصاً ما. بينت في الواقع أننا نحكي حكايات. حينما يحب المرء، أليس هذا من دون سبب؟
- من بين كافة الأعمال الصبيانية التي حققها الفلاسفة بشأن موضوع الحب، كان أكبرها يتأسس على محاولة إيجاد أسباب عقلانية له. يبين الجمال وكمال المحبوبة الجاذبية غير القابلة للمقاومة التي تجذب الرجل إليها. ومع ذلك، نحب أحداً ما من دون أن نمتلك حجة لكي نحبه. من غير المفيد ذكر ضربة الصاعقة، إذ لا توجد تجربة أكثر تفاهة: نحب شخصاً ما قبل أن نعرفه وليس لأننا نعرفه!
* وهل يعني ما سبق أن «نحب» ليست مرادفاً «لنفضل»؟
- العكس بالضبط! الحب ليس نتيجة لما نتحصل عليه من ملاحظاتنا. وليس لأننا نعجب برؤية كثير من صور الكمال متجمعة لدى شخص نكافئه بتذكار حبنا. إذا كان كذلك، لن تنتهي المسابقة أبداً، يمنح المرء حبه لعدم وجود الأفضل، كسبيل وحيد باقٍ، في انتظار نتيجة أفضل... وهو نقيض الحب.
* تصور الحب كحالة جنونية عادية تستدعي الصوفية. بطريقته، هل سيكون الحب تجربة المطلق؟
- الانتظار مكون من مكونات الوعي. ومع ذلك يحمل الحب في داخله معنى عدم ترك أي شيء للانتظار: اللا نهاية، الخلود، الكمال، التمام... في هذا المعنى، حقيقة، يجعلنا الحب نحيا تجربة المطلق. بيد أننا نحققه في أجسادنا، في قلب العالم، وهذا المطلق، تبعاً لذلك، يقع دوماً في منزلة متوسطة من خلال الاختلاط بالنسبي.
* من بين استعاراتك العديدة للمفردات الدينية تحدثت على وجه التحديد عن الحب «ككشف». بأي معنى؟
- بأكثر من معنى. الكشف الأول للحب، أن الوحدة ليست منيعة. ولذا نحن في عزلة طبيعية، أصلية نوعاً ما، نكتشف على حين غرة أن الآخر، مثلنا، ينتظر الآخر لكي يضع حداً لعزلته. الكشف الثاني، أن الآخر ليس حتماً لغزاً. ليس بالضرورة غير مفهوم. على العكس، من الممكن أن يكون بالنسبة لي حميمياً، وأن أكون في عينيه حميمياً، يتبدى لي أنني أعرفه وأنه يعرفني أفضل مما أعرف نفسي. الكشف الثالث «الاستثنائي» للحب، أن أحداً يوجد بحيث إنني لست في حاجة لكي أرتاب منه. تتبدى حالة البراءة حاضرة. بيننا، لا شيء يتأتى من الظلال، من الأفكار المسبقة، ولا يجد الخوف مكاناً. لا شيء غير الحياء. تحبني كما أنا، أحبها كما هي.
يضيف نيقولا غريمالدي: يجد الحب أصله في الكرم الحي العفوي، وليس في النرسيسية الأصلية. وهذا يوافق تمييزاً يتبدى لي مهما بين نظام التمثل ونظام الحياة. نظام التمثل هو النظام الذي يبين مدى همنا قبل أي شيء بصورتنا لدى الآخرين، حيث يسود الإعجاب، أن نكون محل إعجاب وضيوفاً. الآخر هو الحياة، التي لا تكف عن الانتشار مثل الضوء أو السيل. نحيا أكثر مما نحول طاقتنا إلى طاقة أخرى. يوجد بيننا توتر بين نظام التمثل ونظام الحياة. وهما يدعواننا إلى تجارب عشقية مختلفة للغاية. أو بالأحرى ستكون المحبوبة ميزة لكي تثير إعجابي، أو بالأحرى أنا معجب بالتأكيد بوجودها إلى حد أن أريد المساهمة في إتمامه.
* كونيا، اليوم، يتبدى أن التمثل يجلبه إلى الحياة. وهكذا، كيف تصبح التجربة العشقية ثابتة، أو على وشك التغير؟
- نظام التمثل ليس نظام السعادة، وإنما نظام المنافسة، الثابتة ودوماً التعيسة. وفي تعاسة الانفصال، لا مداواة إلا بالحب. هو فقط، الحب، القادر على تسبيب هذه المشاعر بحيث تلغى أي مسافة، أي انفصال، أي عتامة وأننا نحيا في براءة جديدة. ولهذا، بالنسبة لي، هناك أيام جميلة أمامه.