في أبي الفنون، الذي يجمع أكثر من فن في عمل واحد، يبرز الديكور كأحد أهم عناصر العمل المسرحي، ذلك لما يحتويه ويجسده من تفاصيل محورية ومفصلية تشمل ثيمة العمل المسرحي واحتواءه للجسد وحركته. وفي نظر المسرحيين يظل للديكور “دوره البارز في استحضار بيئة المسرحية وأجوائها والإيماء إلى دلالاتها المهمة، ولكن الديكور الباذخ، الذي يتخطى بفخامته الحدود الضرورية، قد ينقلب إلى عامل سلبي، فيستأثر باهتمام المشاهد ويصرفه، ولو لفترة وجيزة، عن متابعة ما يجري أمامه. والواقع أن المسرح المعاصر يميل عموماً إلى التقشف في الديكور والاقتصار على الحد الأدنى منه”، وذلك منذ التجارب العربية والعالمية التي احتفت بالمسرح الفقير الذي يعد الممثل أهم عنصر فيه، وكان هناك مسرح بدون موسيقى وأزياء باذخة وديكورات فنية ومؤثرات صوتية، وحتى بدون خشبة عرض. وحين نتحدث عن تصميم الديكور وتنفيذه فمن باب كونه من أبرز العناصر في العمل المسرحي، وهما أمران يتطلبان معرفة المبادئ الأساسية في المجال، ثم الخبرة والتجربة، ومن دون ذلك تظل الأمور تدور في إطار العشوائي والارتجال، وهذه واحدة من المشكلات التي يتورط فيها المسرح العربي عموماً، والخليجي والإماراتي على وجه الخصوص، مشكلة يتناولها الكتاب في المسرح والمخرجون أيضاً، حيث يختلفون في طبيعة العلاقة بين النص وكاتبه من جهة، ومصمم الديكور ومخرج العمل من جهة مقابلة. لكنهم يتفقون على وظيفية الديكور الجمالية والدرامية في آن، وتفاصيل أخرى في طبيعة العمل. تشويش وخلط الفنان التشكيلي والمسرحي الدكتور محمد يوسف تحدث عن قسمين أساسين في بناء ديكور العمل المسرحي، القسم الأول الذي يتبنى وجهة نظر كلاسيكية واقعية مباشرة، والقسم الثاني يعتمد التجريب. ويفصل يوسف “في الحالين يجب أن يراعي مهندس الديكور وظيفة ودور كل “قشة” يضعها على الخشبة، لأن أي قطعة فائضة ستكون عبئاً على العمل المسرحي، وللأسف فإن هناك قدراً من التشويش والخلط فيما يقدم من تجارب، فالبعض يميل إلى تقليد تجارب عروض غربية بسبب انبهاره بها، وهي غريبة عن بيئتنا وعالمنا، وعن عالم نصوصنا. أنا أميل لمنح المخرج فرصة التأمل والاقتراح والمناقشة، لاستخدام الخامة المناسبة، ففي إحدى تجاربي استخدمت مادة “الخيش” لبناء بيت بما تمنحه هذه المادة من دلالات وإيحاءات، بينما كان يمكن لشخص آخر أن يستخدم الجدران الفخمة وغير ذلك. فالمسألة تعتمد على قراءة المخرج للنص وتصوره لما ستكون عليه عناصر العمل المسرحي، والتوازنات القائمة بين هذه العناصر، وحتى لا “يأكل الديكور الممثل” كما يحدث في بعض الأعمال الفاقدة للتوازن. ولو عدنا إلى بدايات المسرح في الإمارات لنقارن ما وصلت إليه اليوم لوجدنا مسافة بعيدة، فالتجارب التي قدمت على مدى عقود منحت خبرة وتجربة للفنانين، لكن غياب المعاهد المسرحية يجعل هذه التجارب تعتمد الارتجال والاجتهاد”. ضرورة الاختلاف الكاتب والمخرج جمال مطر صاحب التجربة المختلفة يرى أن على الكاتب أن ينجز نصه بكل تفاصيله وعناصره، ويسلمه للمخرج الذي يثق بقدرته على قراءته بعمق، ويقول مطر “ليس بالضرورة أن يتفق المخرج ومساعدوه مع المؤلف في تنفيذ العمل، بل هناك ضرورة للاختلاف بحيث يقدم المخرج رؤيته الخاصة للنص، ومن دون هذه الرؤية الخاصة يغيب دور المخرج في قراءة النص، ولذلك لا بد من منح المخرج الحرية ليجترح ما يراه ملائماً، ولو التزم بحرفية النص فهو يخونه. وأنا مع الاقتصاد قدر الإمكان في حجم الديكور المستخدم في أي عمل”. «المخرج التشكيلي» الحديث مع المهندس المصمم الفنان العراقي عبدالكريم عوض المقيم في الإمارات، والمنخرط في المشهد المسرحي الإماراتي منذ أواخر السبعينيات، ركز على قلة المتخصصين في هذا المجال، قائلا باختصار “ليس كل نجار يصنع لي طاولة يمكن أن يكون مهندس ديكور، الأمر يحتاج إلى الدراسة الأكاديمية أولا”، ويتحدث عن تجربتة مع عدد من كبار المخرجين العرب، مؤكداً التوصل إلى ما يسميه “المخرج التشكيلي” الذي يمتلك خلفية فنية وثقافية ويستطيع أن يصنع سينوغرافيا الخشبة ضمن توازنات ومعادلات محددة”. ويعود عوض فيوضح “مسألة الديكور وما ينبغي أن يكون عليه، هي مسألة تختلف من مخرج إلى آخر، ويجب أن تراعى فيها الموازنة بين البعدين الجمالي والدرامي، فللديكور ولكل قطعة ديكورية وظيفتان، جمالية ودرامية، وعلى المخرج مراعاة ذلك، وأنا مع استخدام الديكور بتوازن ومن دون استعراض أو مبالغة، وهذا يتطلب رؤية فنية عميقة من المخرج والمشاركين معه. البهرجة والإبهار أما بخصوص مفهوم المسرح الفقير الذي يرتبط بالتقشف والاقتصاد في استخدام الأدوات، فقد تحدث الفنان المخرج عبد الله بن لندن، وعاد إلى بدايات المسرح الإماراتي والتجارب الأولى في التصميم والإخراج، واستخدام مواد البيئة في صناعة الديكورات، وقال “كان المسرح بسيطا لكنه يمتلك رسالة واضحة، أما اليوم فمع التطور التكنولوجي الذي يستخدم كيفما اتفق، ويستخدمه من هب ودب، بوعي أحيانا، وبلا وعي في كثير من الأحيان. إننا أمام مسرح يستخدم البهرجة والإبهار في ظل غياب الرسالة والمضمون، وفي ظل هذا الاستخدام المفرط للديكورات والسينوغرافيا عموماً تضيع عناصر العمل الأهم وهي النص والممثلون. لذلك أجد أن إرهاق المشاهد بمثل هذه المناظر التي كثيراً ما تكون من دون وظيفة تفقده القدرة على استيعاب العمل. ومن هنا أقترح دائما التخفيف قدر الإمكان من قطع الديكور، وهو أمر يساعد الفرق المسرحية على سهولة التنقل بالعمل المسرحي بين الإمارات، أو انتقالها لخارج الدولة أي المشاركة في الفعاليات المسرحية العربية. على أن الشرط الأساسي بالطبع يعود لقدرة المخرج والمصمم على توظيف أي قطعة ديكور أو إضاءة في مكانها الصحيح، وإذا كنت أحتاج إلى كرسي واحد أن لا أضع كرسيين، وإذا أمكن استخدام ما يشير إلى التلفزيون فلماذا أستخدم التلفزيون؟ وهكذا”.