أسعار الأسماك تسبح ضد التيار والصياد يقع في «شباك» المشاكل
لا تزال هناك ملامح واضحة تلوح يومياً في الأفق لشبح شح المخزون السمكي، برغم كل الجهود التي تبذل من أجل الحفاظ على الثروة السمكية، سواء بمنع الصيد أثناء طرح البيوض، أو طرح أصبعيات الأسماك التي تم إكثارها في المحاضن، وربما تكون هناك أسباب متعددة للتناقص في المخزون السمكي، ومن أهمها محليا وإقليميا النشاطات البشرية في المياه الإقليمية التي توجد بها مستعمرات الأسماك، حيث أدت تلك النشاطات لهروب أنواع كثيرة من الأسماك لأماكن أكثر أمناً، بعيداً عن المياه التي ترتفع درجات حرارتها في الصيف، لتشكل بيئة طاردة لتلك الأنواع.
كما أن هناك أسباباً أخرى شكلت تحديات كبيرة للصياد المواطن ذي الدخل المحدود، كما أدت أسباب أخرى ومنها التشريعات التي لا تطبق، سبباً لارتفاع حاد في أسعار كثير من الأسماك، مما أدى إلى تذمر الكثير من المستهلكين خاصة أولئك الذين لا يستطيعون تحمل أعباء الحياة، فأصبح تناول وجبة من السمك رفاهية بالنسبة اليهم، ورغم أن غالب الشعب الإماراتي لا يتناول السمك بشكل يومي، إلا أن ذلك لم يؤد إلى خفض أسعار الأسماك.
تحدثنا إلى رؤساء جمعيات اتحاد الصيادين في أبوظبي ودبي وأم القيوين للتعرف على المزيد من الأسباب، وإن كانت هناك أي خطط تساهم في الحد من ارتفاع أسعار بيع السمك، وما يحيط بالثروة السمكية من أسرار هم على علم بها كرجال خبراء بالبيئة البحرية، وقد تحدث عبدالكريم محمد رئيس جمعية اتحاد الصيادين في أم القيوين قائلا إن قلة المعروض في السوق تعود لارتفاع الحرارة. كما أن الأسماك لا تتوفر في أماكن الصيد نظرا لهجرتها لأماكن أكثر ظلا وقليلة الحرارة، كما عزى عبدالكريم ذلك الارتفاع إلى بعض التشريعات الحالية، ومنها توقف الصيد بالشباك في مواسم محددة من اجل الحفاظ على الثروة السمكية من الانقراض، كي لا يتم صيد صغار الأسماك أو صيد الأمهات المحملات بالبيوض قبل موسم الإباضة.
الدعم مطلوب
بسبب ارتفاع درجات الحرارة تغادر الأسماك إلى أعماق بعيدة لا يستطيع الصياد الذهاب اليها، كي لا يتعرض لمخاطر من جهات تجوب مياه الخليج وتعرض حياة الصيادين للخطر، لأن الأسماك دائمة البحث عن الظل في عمق المياه هربا من حرارة الماء، وحين يخرج الصياد للصيد في الأماكن الآمنة، ربما لا يخرج من رحلة الصيد بالكمية التي تغطي تكلفة الرحلة، ومنها 500 درهم يوميا فقط للبترول إلى جانب نفقات القارب والراتب اليومي للعامل المرافق وفي الغالب هناك أكثر من عامل على القارب الواحد.
ما يحدث في الإمارات من ارتفاع لا يقارن بدول خليجية أخرى، ولذلك ومن أجل زيادة المخزون السمكي لا بد من وضع مشاريع وخطط لإكثار المخزون السمكي، وأيضا المزيد من الدعم للصيادين، خاصة من قبل وزارة الاقتصاد، التي تستطيع الضغط على التجار الذين يتاجرون بكل ما يتعلق بمهنة صيد السمك، من أجل خفض أسعار المعدات وتقديم الدعم للصياد كي يحصل على تلك المعدات.
هجرة الأسماك
علي المنصوري مدير جمعية اتحاد الصيادين في أبوظبي بالإنابة، قال إن الأسماك تقل في الصيف بسبب هجرتها هربا من الحرارة، كما أن السفن الخاصة بالصيد لم تعد تصل لأماكن تكثر فيها الأسماك، في ظل زيادة عدد سكان الدولة عاما بعد عام، ولذلك أصبحت الكميات التي يتم صيدها لا تغطي حجم الطلب عليها، إلى جانب أن هناك كميات هائلة تستورد من الخارج، ورغم ذلك يجد علي المنصوري أن جمعية اتحاد الصيادين في أبوظبي، الوحيدة التي استطاعت المحافظة على سعر السمك، بل يؤكد أن سعر بعض الأسماك قد انخفض، وأنها الجمعية الوحيدة التي تمارس البيع والشراء. لكن المنصوري يؤكد أن أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار الأسماك يعود إلى قلة الأسماك، وبسبب المحروقات التي ارتفعت أسعارها عدة مرات خلال هذا العام، ولذلك امتنعت السفن الصغيرة عن الخروج للصيد لأن الكميات التي يخرج بها الصيادون لا تغطي تكلفة الرحلة، حيث أصبح القارب الصغير يكلف من 800 أو 1000 درهم حسب حجمه، ولذلك تنتظر جمعيات اتحاد الصيادين الدعم من شركات البترول، وأن تقدم الحكومة مكرمة تغطي جميع الجمعيات في الدولة وجميع الصيادين وليس بعضهم، خاصة أن هناك صيادين يعتمدون بشكل أساسي على المهنة كمصدر للرزق إلى جانب المساعدة المخصصة من وزارة الشؤون الاجتماعية.
تكاليف الرحلة
يوضح المنصوري أن تلك السفن الكبيرة المخصصة للصيد قد تأثرت أيضا بسبب تكاليف رحلة الصيد، حيث تخرج تلك السفن لتبقى في البحر لمدة ثلاثة أيام وتأتي بكميات كبيرة، ولكن تكون النتيجة أن تكاليف الرحلة قد بلغت أربعة آلاف فيما الدخل الناتج عن الرحلة لا يتجاوز الثلاثة آلاف درهم، ولذلك يناشد الجهات التي تعني بشأن الثروة السمكية مخاطبة الدولة بتقديم الدعم اللازم لمهنة الصيد، حتى لا يصبح توطين المهنة حبرا على ورق، ومن أكثر البراهين على تعرض الصياد المواطن والمهنة للخطر.
ويضيف المنصوري: على المسؤولين عدم فرض أعباء من شانها أن تكون طاردة للصياد المواطن، وأن يتم إيجاد وسائل كي تستمر المهنة في يد أبناء الدولة، شأن غالب دول العالم، وكي لا تضطر الدولة للاستيراد من أجل الاستهلاك، والصيادون بحاجة لرعاية اكبر من الجهات الحكومية، وأن تعمل جمعية اتحاد الصيادين في أبوظبي على التحضير لمشروع مزارع الأسماك التي أصبحت الدراسات الخاصة به جاهزة، وذلك كوسيلة حديثة لتوفير ما يغطي حاجة السوق من أسماك، ويؤدي بالتالي على خفض أسعار السمك، وحكومة أبوظبي مهتمة بالمشروع.
نقص المخزون السمكي
أما عمر المزروعي رئيس مجلس إدارة جمعية اتحاد الصيادين في دبي فيقول إن أحد أهم أسباب الارتفاع في أسعار السمك هو نقص المخزون السمكي، وأن تكاليف رحلة الصياد تطغى على العائد من رحلة الصيد، ومن أهم أسباب قلة المخزون السمكي هو الصيد الجائر الذي بقيت آثاره تعاني منها الدولة إلى اليوم، وأيضا ارتفاع أسعار المعدات الخاصة بالصيد، وكلفة العامل الذي يخرج مع الصياد إلى البحر وعادة ما يكون هناك مالا يقل عن ثلاثة عمال، وهم بحاجة لوجبات غذائية أيضا، إلى جانب نفقات البترول، وتعد كل تلك الأسباب وراء عزوف الصياد المواطن عن المهنة، إلى جانب أن القوارب التي يعمل عليها نواخذة من جنسية أخرى تقوم بسرقة ما في أقفاص الصيد الخاصة بالآخرين. وأكمل المزروعي قائلا إن مهنة الصيد يجب أن تقتصر على المواطن المحترف أو أبنائه، وأن لا يشاركه في الرزق الدخلاء على المهنة، وبالنسبة لجمعية اتحاد الصيادين في دبي، فإنها تعمل حاليا للإعداد على إنجاز أكاديمية لتعليم حرفة الصيد بعد استلام مقر الجمعية الجديد، وسوف تعمل على منح الشباب الخبرة والمهارات الخاصة لتخريج نواخذة وصيادين، ولكن حاليا ومنذ الثمانينات ونحن نكافح لزيادة المخزون السمكي ولم نتجاوز ذلك حتى اليوم، وعندما سيكون هناك فائض نستطيع القول إننا استطعنا الحفاظ على المخزون السمكي.
المصدر: دبي