أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن إمارة الشارقة تعمل على مدار عدة عقود في دعم التواصل المباشر بين الشعوب ومجتمعات العالم من خلال الحوار الثقافي بكل مكوناته.

جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها صاحب السمو حاكم الشارقة اليوم الثلاثاء، ضمن الحفل الذي أقامته جامعة ياجيلونسكي في كراكوف بجمهورية بولندا، بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس قسم الدراسات الشرقية بالجامعة، ومنح سموه ميدالية "العقل أولاً ثم القوة" الذهبية، تقديراً لجهود سموه في دعم التبادل الثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب.

وقال سموه "يسعدنا أن نقدم خالص الشكر لرئيس الجامعة وزملائه على دعوتنا لحضور الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة ياجيلونسكي العريقة، والمتزامن مع انعقاد المؤتمر الدولي للغات والحضارات بالجامعة هذا الأسبوع.. كما نقدم فائق الشكر والتقدير إلى لجنة التكريم ومنح الشهادات الفخرية بالجامعة على قرارهم بمنحنا الميدالية الذهبية للجامعة، وهذا شرف عظيم لنا سنعتز به مدى الحياة".

وأعرب سموه عن تقديره لاهتمام جامعة ياجيلونسكي بالدراسة المتعمقة للغات والحضارات في العالم عامة والمشرق خاصة، مثمناً حرص الجامعة على تعزيز ودعم هذه الدراسات، ومنها اللغة العربية والحضارة الإسلامية، منذ المدى البعيد والاحتفاء بها كمظهر من مظاهر التواصل الحضاري والحوار مع الآخر.

وأضاف سموه "قد يعلم البعض منكم مدى شغفنا بدراسة التاريخ والحضارات في مختلف العصور، ومن ثم نحن نؤمن بوحدة المكونات الإنسانية الأساسية أينما وجد الإنسان في هذا العالم، كما نؤمن بأهمية تكامل الحضارات، وتطورها، الناتج عن الحوار المبني على تَفَهُم وتقبُل عادات وتقاليد وثقافات المجتمعات في العالم، ودعم أوجه التشابه بينها والتقريب بين اختلافاتها.. وبالطبع نتمنى ونرجو من الله ألّا يكون مبدأ أو فكرة صراع الحضارات هي الدافع الأساسي لتطور الأحداث في العالم في الحاضر والمستقبل".

وأوضح سموه "إمارة الشارقة، وعلى مدى عدة عقود حتى الآن، نعمل بصفة مستمرة على دعم التواصل المباشر بين شعوب ومجتمعات العالم من خلال الحوار الثقافي بكل مكوناته. ولتحقيق هذا التوجه، كانت مساراتنا وقنواتنا متعددة، دعمنا إنشاء المعاهد والمراكز المتخصصة ببعض الجامعات المتميزة في العالم لنتيح للباحثين التعمق في دراسة المكونات الثقافية واستمرارية وتفاعل المجتمعات والشعوب في العالم عامة وفي منطقتنا خاصة"، مؤكداً سموه أن هذه المعاهد أصبحت الآن من المصادر الرئيسية الهامة للمعرفة المتعمقة في المجالات المتعلقة بمنطقتنا يلجأ إليها الباحثون ومتخذو القرار في العديد من الدول.

وقال سموه "كما أقمنا الفعاليات الثقافية والفنية في العديد من دول العالم لكي تتعرف مجتمعاتها على بعض أوجه عاداتنا وتقاليدنا وفنوننا، وأقمنا المؤتمرات والندوات داخل وخارج الشارقة، واستضفنا الباحثين والطلبة من مختلف بقاع العالم. وقد سعدنا باستقبال أساتذة وطلاب جامعة ياجيلونسكي بالشارقة في أبريل من العام الماضي، وحرصنا على إتاحة الفرصة لهم ليتعرفوا عن قرب على أهل ومجتمع الشارقة، كما زاروا جامعاتنا ومتاحفنا، ومراكزنا الثقافية، بما تحتويه من أنشطةٍ فنيةٍ وأدبيةٍ، شارك فيها طلاّب اللغة العربية من جامعتكم العريقة بالحوار مع زملائهم من أبناء الشارقة. وكان لحضور ومشاركة أساتذة وطلاب جامعة ياجيلونسكي لندوة: حوار الحضارات والتقارب بين الشعوب التي استضافتها الشارقة في ذلك الوقت، أثرًا مميزًا في إثراء الحوار الفكري للندوة الذي تعرض للحضارة العربية في أوروبا، وخاصة بولندا، ولدور تعلم اللغة العربية والتاريخ والأدب العربي في بولندا في دعم جسر التواصل مع الثقافة العربية. وإضافة إلى ذلك، حرصنا أيضاً على دعوة الأدباء البولنديين المستعربين في الملتقيات والمهرجانات الأدبية التي تنظمها الشارقة في البلاد العربية، حتى تكتمل عرى التواصل بين الكتّاب البولنديين وزملائهم العرب، وليطّلعوا عن قرب على مكونات الثقافة في مختلف أنحاء منطقتنا".

وأكمل سموه قائلاً "يسعدنا أن نستمر في التعاون معكم وندعو جامعتكم العريقة ومؤسسات وجامعات الشارقة وأكاديمياتها العلمية لتطوير العلاقات العلمية وتبادل الخبرات بينهم في مختلف المجالات المشتركة وفتح قنوات جديدة يتم من خلالها تكثيف الحوارات الثقافية بيننا، ودفع حدود المعرفة بما يؤدي إلى التقدم والتطور الذي نشدو إليه جميعاً".

واختتم صاحب السمو حاكم الشارقة كلمته بتقديم شكره لسعادة رئيس جامعة ياجيلونسكي ومجتمع الجامعة والبروفيسورة باربرا ميخالاك - بيكولسكا على الدعوة الكريمة وحفاوة الاستقبال، متمنياً لهم دوام النجاح والتوفيق.

كانت مراسم حفل التكريم بدأت بمرور صفين من كبار أعضاء الهيئتين الإدارية والأكاديمية بجامعة ياجيلونسكي، ودعي بعدها صاحب السمو حاكم الشارقة للدخول لمقر التكريم، وعزف بعدها نشيد الجامعة، وألقى رئيس جامعة ياجيلونسكي البروفسور فويتشيخ نوفاك كلمة أشار فيها إلى أن الجامعة قررت أن تمنح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ميدالية "العقل أولاً ثم القوة" الذهبية كونه شخصية مميزة بأنشطتها في خدمة العلم والمجتمع الأكاديمي والتزامه الوطيد بقضايا جامعة ياجيلونسكي.

وأشار رئيس جامعة ياجيلونسكي إلى أن شعار ميدالية "العقل أولاً ثم القوة" تم أخذه من مرثيات الشاعر ماكسيميانوس من القرن السادس الميلادي، وأدخلت هذه الجملة في النظام الأساسي لجامعة ياجيلونسكي، وهي بمثابة الفكرة التي توجه كافة النشاطات التي تقوم بها جامعة ياجيلونسكي، كما أنها تعكس موقف الجامعة الأخلاقي تجاه كافة التحديات التي تواجهها على مر العصور.

ولفت إلى أن مهمة جامعة ياجيلونسكي النهل من معين التقاليد التي تعود إلى قرون مديدة، وفي الحفاظ على تراث الأجيال، وفي الوقت نفسه تحديد اتجاهات جديدة لتطوير الأفكار من خلال الأبحاث العلمية، والتعليم، وبناء علاقات دائمة مع المجتمع، وتشكيل أسس الانفتاح على الآخر، والمسؤولية الإنسانية، والمسؤولية المجتمعية، مبيناً أن شعار الميدالية يتناسب مع هذه المهمة، ومن مهمات المجتمع الأكاديمي التذكير المستمر بمغزى هذه الكلمات، لأنها تحمل في طياتها الصدق والحكمة والقوة، وتسير الجامعة على هذا النهج منذ أكثر من 650 عاماً، وندرك أنه توجد أوقات يصعب فيها الدفاع عن هذه الكلمات الحكيمة، لحظات تضيع فيها الحقيقة في ظل الواقع، لذلك من المهم التأكيد على وجود أناس يسترشدون بهذه الكلمات.

ونوه نوفاك إلى أن ثمة تقليد جامعي جميل يؤكد حقيقة أن هناك أشخاص يتمتعون بأهمية خاصة بالنسبة إلى جامعة ياجيلونسكي، وهم فريدون في أفعالهم، لا مثيل لهم بفضل إنجازاتهم، وجديرون بأن يكونوا قدوة يقلدهم الآخرون، بسبب جمال أرواحهم وتميزهم الفكري، إنهم ببساطة معلمون كبار.

وقال "في حفل اليوم، تكرم جامعة ياجيلونسكي، بأرفع أوسمتها الميدالية الذهبية، العقل أولاً ثم القوة شخصية مرموقة من هؤلاء الكبار، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي".

وتعد ميدالية "العقل أولاً ثم القوة" الذهبية، أعلى ميدالية تمنحها جامعة ياجيلونسكي العريقة لشخصيات أسهمت في نشر قيم التسامح وتعزيز التواصل والتبادل الثقافي بين الشعوب، بالإضافة إلى منحها لعدد من العلماء والمفكرين والمبدعين ممن أثروا الفكر الإنساني بأطروحاتهم العلمية والفكرية والأدبية ومن أبرز الشخصيات التي تم منحها الميدالية الذهبية: القديس يوحنا بولس الثاني، والرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، وخوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية السابق، والبرفسور آدم بيلاسكي.

وألقت البروفسورة بربارة ميخالاك – بيكولسكا، رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة ياجيلونسكي، كلمة بهذه المناسبة ثمّنت فيها جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في نشر العلم وتأسيسه للعديد من المؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية ودعمه المستمر للتواصل الحضاري والثقافي بين الأمم والشعوب بالإضافة إلى تبنيه للعديد من المبادرات والمشاريع التي تسهم في التعريف باللغة العربية والحضارة الإسلامية.

وأشارت البرفسورة إليزابيث جروسكا عميدة كلية الآداب بالجامعة، في كلمة لها، إلى أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يجسّد بمواقفه النبيلة، الفضائل والقيم الجامعية، مسترشداً بالحقيقة والنزاهة في عمله وأبحاثه، فهو لا يساند المبادرات الخيرة وحسب، بل يقوم أيضاً بدور الملهم للأفكار والنشاطات الجديدة، ويدرك الحاجة للدمج بين تطور المعرفة واحترام التقاليد والميراث الثقافي.

وبينت أن صاحب السمو حاكم الشارقة يسعى دائماً لبناء جسور التفاهم بين حضارات الشرق والغرب، ويرسخ الثقافة العربية ويعززها من منظور حماية التراث الثقافي العالمي، ويرى في التعاون وتبادل الأفكار والخبرات طريقا للتطور.

ثم دعي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ليتم منحه ميدالية "العقل أولاً ثم القوة" الذهبية من قبل رئيس جامعة ياجيلونسكي.

والتقى سموه، خلال زيارته، عدداً من طلاب قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة، وتبادل معهم الأحاديث الودية المتعلقة بشؤون اللغة العربية.

يذكر أن جامعة ياجيلونسكي تعد أقدم جامعة في بولندا وثاني أقدم جامعة في أوروبا الوسطى، تأسست سنة 1364 م من قبل الملك كازيمير الثالث.

حضر حفل التكريم سعادة الدكتور عبد الرحيم يوسف محمد العوضي، سفير الدولة لدى جمهورية بولندا، وسعادة عبدالله محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، وسعادة المهندس علي بن شاهين السويدي، رئيس دائرة الأشغال العامة، والدكتور عمرو عبدالحميد، مدير أكاديمية الشارقة للبحوث، ومحمد إبراهيم القصير، مدير الشؤون الثقافية بدائرة الثقافة.