أحمد مراد (القاهرة)

شدد الدكتور عمرو الديب المحاضر والباحث في معهد العلاقات الدولية بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، على اهتمام روسيا بتنمية علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الإمارات، مؤكداً أن السياسات الإماراتية مقدرة لدى الجانب الروسي سواء على مستوى المؤسسات الاقتصادية أو الأجهزة السياسية الروسية.
وقال الدكتور الديب: روسيا تعتبر الإمارات حليفاً استراتيجياً لها في منطقة الخليج العربي، وتحرص على إقامة علاقات قوية متوازنة وثابتة معها، مشيراً إلى أهمية التعاون بين الإمارات وروسيا في المجال العسكري الذي يظهر بوضوح في العديد من المعارض العسكرية التي أقامتها أبوظبي أو موسكو، موضحاً أن الإمارات لا تهتم بالأسلحة الروسية كمشتر، وإنما تسعى إلى جذب الصناعات العسكرية، حتى يتم تجميعها وتصنيعها على أراضيها.
وأوضح الديب أن الروس يشجعون هذه الخطوة، ويريدون تعزيز التعاون مع الإمارات في التكنولوجيا العسكرية أو صناعة الأسلحة، وبالطبع أبوظبي تعد الوجهة المهمة والأولى التي يمكن أن تفتح الباب لمثل هذا النوع من التعاون مع الجانب الروسي.

شريك استراتيجي
وتوضح الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة في الشؤون الآسيوية، والباحث الزائر بمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند السويدية، أن روسيا تنظر إلى الإمارات باعتبارها شريكاً اقتصادياً وسياسياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، وترغب موسكو في تعميق العلاقات مع أبوظبي، لا سيما أن هناك توافقاً بين البلدين تجاه بعض القضايا الدولية والإقليمية.
وأشارت الخبيرة في الشؤون الآسيوية إلى أن الإمارات أول بلد عربي يطور التعاون مع روسيا في مجالات الاستثمارات المتبادلة، والتبادل التجاري، والتصنيع المشترك لعدد من التقنيات بينها التقنيات العسكرية.
ورصدت الدكتورة نادية حلمي أهم أجهزة التعاون المشتركة بين روسيا والإمارات، وهي: الصندوق الاستثماري المشترك بين الإدارة المالية لأبوظبي وصندوق الاستثمار الروسي المباشر، واللجنة الحكومية للتعاون الدولي بين روسيا والإمارات في مجال التجارة والتعاون الاقتصادي والفني، ومجلس الأعمال الروسي-الإماراتي.
ووقعت الإمارات وروسيا الاتحادية إعلان «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين، خلال الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في يونيو 2018.
ونص الإعلان على إنشاء شراكة استراتيجية للعلاقات بين البلدين تشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية، بالإضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية. كما نص على إجراء المشاورات بشكل منتظم بين وزيري خارجية البلدين، بغرض تنسيق المواقف حول القضايا ذات الاهتمام المتبادل.

الإمارات.. ثقل دولي
وأكد السفير ناجي الغطريفي مساعد وزير الخارجية المصري سابقاً، الخبير في شؤون العلاقات الدولية، أن العلاقات الإماراتية الروسية شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة تطوراً ملحوظاً في جميع المجالات، وهناك اتجاه لدى البلدين لزيادة أوجه التعاون وتنميتها على المستويات كافة خلال الفترة المقبلة.
وأوضح الغطريفي أن الجانب الروسي حريص على التحاور والتشاور الدائم مع الإمارات باعتبارها دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة العربية، وظهر ذلك جلياً في تأكيد الرئيس الروسي بوتين لدى استقباله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان العام الماضي، عندما قال: أنا سعيد بهذه الفرصة لأناقش معكم فرص تعزيز العلاقات والتطورات في المنطقة.
وفي أغسطس الماضي، كشفت حكومة مدينة سانت بطرسبرغ الروسية عن تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة الدخول إليها للمواطنين الإماراتيين، ورحبت باستقبالهم في مختلف أيام السنة، حيث يتم استخراج التأشيرة السياحية في المطار فور وصولهم.
وشددت حكومة المدينة الروسية على رغبتها في تعميق العلاقات بين الإمارات وروسيا عبر استضافة مختلف ممثلي الجهات المعنية بدولة الإمارات للتعرف على فرص التعاون والتنسيق المشترك التي من الممكن تعزيزها.

توافق وتنسيق مشترك
وحول التنسيق المشترك بين روسيا والإمارات، أكدت خبيرة الشؤون الآسيوية الدكتورة نادية حلمي على أن هناك العديد من الملفات منها التعاون السياسي والعسكري، ومكافحة الإرهاب، وارتفاع حجم الاستثمارات الإماراتية في روسيا.
وفيما يتعلق بالشق السياسي، أوضحت حلمي أن هناك تنسيقاً سياسياً بين البلدين، وخصوصاً في الملف اليمني، لا سيما مع تمسك دولة الإمارات بالتسوية السياسية في اليمن، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.
وأشارت إلى أن روسيا تثمن جهود المساعدات الإنسانية الإماراتية للشعب اليمني، حيث قدمت حوالى 3.7 مليار دولار مساعدات منذ بداية الأزمة، إضافة لفتح العديد من الموانئ والخدمات الإنسانية الأخرى.
وأوضح الدكتور عمرو الديب توافق وجهتي نظر الإمارات وروسيا على الوضع في اليمن، حيث جاء الموقف الروسي قريباً من الموقف الإماراتي الرافض للانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية، وكذلك الداعي إلى اعتماد آلية سياسية سلمية للخروج من الأزمة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شدد في مناسبات عديدة على ضرورة تفعيل الجهود، بما في ذلك جهود الأمم المتحدة، لبلورة حلول سلمية للنزاع اليمني، وإطلاق حوار واسع بمشاركة جميع القوى السياسية في البلاد، وخلال زيارته للسعودية في 2016، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن حكومة بلاده ترفض انقلاب جماعة الحوثي والسيطرة على السلطة في اليمن بقوة السلاح.
ولفت المحاضر والباحث في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الروسية، إلى وجه أخر لتقارب وجهات النظر الإماراتية والروسية، متمثلاً في التوافق حول المبادرة الأخيرة التي طرحتها موسكو للحفاظ على أمن مضيق هرمز، مؤكداً أن روسيا تشاورت مع الإمارات قبل طرح المبادرة، وظهر توافق صريح بينهما تجاه المبادرة.

ليبيا وسوريا وفلسطين
ويعد الموقف في ليبيا أحد الاهتمامات المشتركة كما يقول السفير الغطريفي، ويوضح، أن روسيا تُظهر رغبة قوية في التعاون مع الإمارات نظراً لتقارب وجهات النظر بينها حول القضايا الإقليمية والدولية، حيث يتفق البلدان على مساندة الجيش الوطني الليبي في حربه ضد المليشيات والتنظيمات الإرهابية المنتشرة على الأراضي الليبية.
وكان سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا، أكد خلال الندوة الرابعة لملتقى التعاون الروسي العربي الذي عقد في أبوظبي في فبراير 2017، على أن الهدف المنشود يتمثل في مساعدة الليبيين على استرجاع سلامة أراضيهم ودولتهم.
وفي السابع من أبريل الماضي، تدخلت روسيا لدى مجلس الأمن الدولي لمنع إصدار بيان كان يحث قوات الجيش الليبي الوطني على وقف تقدمها في طرابلس. وحول الملف السوري، يقول الدكتور عمرو الديب، إن الأزمة السورية شكلت في الفترة الأخيرة وجهاً آخر لتقارب وجهات النظر بين الإمارات وروسيا، لا سيما بعدما قررت أبوظبي إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وهي خطوة وصفتها روسيا بالإيجابية، فضلاً عن اتفاق الإمارات وروسيا على رفض القرار الأميركي بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وكذلك اتفاق البلدين على التعاون في مكافحة الإرهاب المنتشر في المنطقة العربية، بما في ذلك سوريا وليبيا والعراق. وأوضحت الدكتورة نورهان الشيخ أن روسيا تبدي اهتماماً كبيراً بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل وجود التفاهمات المشتركة حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وفي المقدمة منها القضية الليبية، حيث يتفق البلدان على ضرورة التعاون في سبيل عودة الاستقرار إلى الساحة الليبية، وطرد الجماعات التخريبية والإرهابية التي تعمل على تنفيذ أجندات خارجية تستهدف استنزاف ثروات ليبيا من النفط.

استقـرار منطقــة الخليــج
الدكتورة نورهان الشيخ، الخبيرة في الشؤون الروسية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أكدت أن أبوظبي وموسكو تعملان منذ عام 2007 على تطوير علاقاتهما الثنائية في المجالات كافة، وخاصة السياسية والاقتصادية والعسكرية، مشيرة إلى حرص روسيا على مصالح الشركاء الخليجيين وأنها تعتبر استقرار منطقة الخليج ركناً مهماً من أركان الأمن القومي الروسي. وقالت أستاذ العلوم السياسية: تجمع الإمارات وروسيا شراكة اقتصادية وسياسية مهمة، تظهر بوضوح في التفاهم بين البلدين في سوق الطاقة العالمي، وتنامي حجم الاستثمارات المتبادلة خلال السنوات القليلة الماضية، ويضاف إلى ذلك الشراكة العسكرية، حيث يحرص الجانبان على تعزيز أوجه تعاونهما العسكري عبر العمل على نقل الخبرات الروسية للإمارات من خلال المعارض العسكرية التي تقام في موسكو أو أبوظبي.

أرض الفرص
يوضح الخبير الاقتصادي د. محمد الشوادفي العميد الأسبق لكلية التجارة في جامعة الزقازيق المصرية أن العلاقات الاقتصادية بين أبوظبي وموسكو قائمة على تبادل المصالح بين الطرفين، متوقعاً أن يتضاعف حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين خلال السنوات الخمس القادمة.
وأكد الشوادفي، أن الاقتصاد الإماراتي واعد وقوي، يقوم على الموارد الطبيعية المعرفية، وهناك قدرة على استخدامها باعتباره اقتصاداً معلوماتياً، ومن المتوقع أن يشكل الاقتصاد المعرفي جانباً مهماً للتعاون بين الإمارات وروسيا.
وقال الشوادفي: الإمارات قوة اقتصادية عربية واعدة، تحتاج أن تتعامل مع الاقتصادات الكبيرة، وبالفعل نجحت في التعامل مع الاقتصاد الأوروبي والأميركي، وتتجه إلى التعامل مع روسيا والصين.
ويرى الشوادفي أن فرص ودوافع نجاح التعاون الاقتصادي بين الإمارات وروسيا متوفرة لدى الطرفين، فالاقتصاد الروسي يتشابه إلى حد كبير في نمط الصناعة والإنتاج مع الأنماط العربية، وهو أمر يعطي دفعة قوية للتعاون الإماراتي الروسي، وأعتقد أن هذا التعاون سيكون من أهم معالم الفترة القادمة، لا سيما أن هناك توجهاً روسياً لتعزيز التعاون مع الاقتصادات العربية، وخاصة الإمارات والسعودية ومصر.

تطور متسارع
الدكتور يوسف حسن بلولة أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، أوضح أن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وروسيا تطورت بشكل متسارع خلال العقدين الأخيرين، مشيراً إلى حرص الإمارات على توفير بيئة محفزة ومشجعة لجذب الاستثمارات الأجنبية والعالمية، وهذا الأمر جعلها قبلة للمستثمرين الروس، ويكفي الإشارة إلى وجود 3 آلاف شركة روسية مسجلة وعاملة في الإمارات، كما ضاعفت الشركات الروسية اهتمامها وأوجه عملها في السوق الإماراتي الذي يشهد استقراراً ونمواً يشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية.