بعد العيد
(1)
كل عام وأنتم بخير، انتهى شهر الخير والبركة، وها نحن نعود إلى ممارساتنا اليومية العادية، وكأن شيئاً لم يكن، سنتخلص من الوعود التي ألزمنا أنفسنا بها بعد التراويح، ونرجع بكامل بشريتنا الخطّاءة. ولم يبق من رمضان سوى عدة غرامات أو أوقيات من الدهن كسبناها في الشهر الفضيل، وديون مالية ربما علينا أن نسددها سريعا، وكان لا بد منها لدعم ممارساتنا الرمضانية في الطعام والشراب والترفيه.
(2)
كل يوم تقريبا تصلني عدة رسائل الكترونية، يدعوني المرسل الى التصويت في موقع ما من أجل عروبة القدس أحياناً ومن أجل المرأة المسلمة أحياناً أخرى، ومن أجل دعم قضية الحجاب في اوروبا، أو تثبيت الحجاب في موريتانيا، أو تسمية فلسطين بفلسطين، أو مقاطعة الدنمارك أو الاحتجاج على كذا أو الموافقة على ماذا.
أكاد أتخيل الشاب أو الفتاة الذي يتفرغ للترويج لهكذا تصويتات، لا بل أكاد أشم رائحته، لأنه سوف لن يجد الوقت لممارسة متطلبات النظافة اليومية، وربما يسهر لعدة أيام من أجل دعم القضية أو القضايا التي يناضل من أجلها... وينام قرير العين مرتاحا لأنه أرضى ربه ولم يأل جهدا في الانخراط بمعركة الحياة للدفاع عن قضاياه الجوهرية.
لا مشكلة في الموضوع لو كان الأمر مجرد جزء من منظومة أعمال يقوم بها الشخص أو الفئة أو المنظمة من أجل دعم قضاياه، لكنها على الأغلب تكون هذه الطريقة بديلا عن النضال الحقيقي، وترسم واقعا الكترونيا، مثل ألعاب الأتاري ، نحقق فيه الانتصارات... بينما على أرض الواقع نزداد انهزاما، وخمولا.
لو كان النضال بالبريد الالكتروني حقيقيا، وينعكس على الواقع المعيش، فلا شك اننا سننتصر لأننا نمثل كتلة عددية عملاقة تتكون من العرب ومن المسلمين في كل مكان ومن المدافعين عن قضايانا ويشتركون معنا في النظال.
لكن (من وين يا حسرة).... حالنا كما هو، لا بل يتراجع باستمرار.. بينما نحقق انتصارات الكترونية تعوضنا عن الواقع وتشعرنا بالرضا عن الذات... على طريقة ?(أشبعتهم شتما، فأودوا بالأبل).
(3)
بالتأكيد ليس خضوعا للصفات الوراثية ومتطلباتها الإجبارية، ما نقوم به حاليا من التمتع بعقد الندوات والمحاضرات وورشات العمل والمناظرات التي تشرح مدى التأثير السلبي للفساد وآثاره الاقتصادية والاجتماعية على الوطن والمواطن.
إننا نقوم بتربيع المربع وتدوير الدائرة، وندفع الأموال الطائلة لشرح ما هو مشروح ومعروف للجميع من الخفير الى الوزير، حتى أني صرت اشك ان ثمة فسادا وراء الإكثار من الندوات المضادة للفساد. أي ان هناك من يستثمر بالفساد، ليس بحثا عن شهرة وشعبية، فلم تعد هذه الموضوعات شعبية اطلاقا، بل لقضاء عدة ايام في خلوات وفنادق مكيفة وغرف مدفوعة الأجر لممارسة الثرثرة حول الفساد، وقطع الطريق على الجادين في البحث عن حلول، عفوا ليس البحث عن حلول، بل تطبيق الحلول المضادة للفساد.. وهي معروفة تماما.. وشعارها القانون ثم القانون ثم القانون.
الحديث عن الفساد ينتج عنه اوراق عمل وتوصيات بتجنن!!
يقولون ان اشخاصا اجتمعوا ليجروا بحثا على الضفدع... فقطعوا اول قدم للضفدع وقالوا له: -أقفز!!
فقفز الضفدع
قطعوا له تاني رجل وقالوا له -اقفز!! فقفز
قطعوا له ثالث رجل وقالوا له: -اقفز .
ثم قطعوا له الرجل الرابعة وقالوا له اقفز.
لكن الضفدع لم يستطع القفز.
فكتب الرجال نتيجة علمية مبهرة تقول: -إذا قطعت الرجل الرابعة للضفدع فإنه يفقد حاسة السمع .
يوسف غيشان
ghishan@gmail.com