حسام محمد (القاهرة)

تؤكد الدراسات في العلوم الاجتماعية أن نسبة كبيرة تزيد على الخمسين في المئة من حالات الطلاق بالمجتمعات الإنسانية، كلها في الوقت الحالي، سببها الأساسي رغبة أحد الزوجين أو كلاهما في معرفة كل ما يفعله الطرف الآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولأن الكثير من الأزواج والزوجات يرغبون في الاحتفاظ ببعض الخصوصية، تنشأ الخلافات، وقد يقوم أحد الزوجين بالعمل على التجسس على الآخر، خاصة في ظل انتشار تقنيات حديثة تسهل أسلوب التجسس من خلال مراقبة كل ما يفعله شريك الحياة عبر جواله المتصل بالإنترنت، وهو ما يذهب بالخلافات إلى منحنى آخر وخطير سرعان ما يؤدي إلى وقوع أبغض الحلال، وحتى في حالة عدم وصول الأمر للطلاق، فإن فتح باب التجسس بين الزوجين يخلق عشرات المشكلات التي تؤدي إلى تحويل منزل الزوجية إلى حلبة صراع تنغص الحياة، والسؤال هل يحق للزوج أو الزوجة التجسس، أي منهما على الآخر؟.

السكينة
بداية يقول الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: الزواج مودة ورحمة قال تعالي: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الروم: الآية 21»، كذلك تعاملت الشريعة الإسلامية مع الزواج كرابطة مقدسة يجب الحرص على بقائها نقية من أية منغصات أو شبهات، فعظمت الشريعة من رباط الزوجية ووصفتها بالميثاق الغليظ في قوله عز وجل: (... وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً»، «سورة النساء: الآية 21»، وهذا يعني ضرورة احترام كلا الزوجين للرابطة الزوجية وعدم التعامل معها باستهتار، ولا بد من حسن الظن بين الطرفين، فهو يخلق المودة والرحمة والسكن، ويجعل الحياة تسير في طريقها الصحيح، كذلك على كلا الطرفين احترام مشاعر الآخر وعدم الانزلاق في أية نزوات أو هفوات عابرة قد تضر هذه العلاقة المقدسة، ولا بد في هذا الإطار من احترام كل طرف لمشاعر الآخر، والاحترام هو أساس الحياة السعيدة في شتى مجالات الحياة، واحترام الزوج لزوجته واحترام الزوجة لزوجها يخلق المودة والرحمة بين الطرفين، ويعزز مشاعر الحب، سواء كان بكلمة طيبة أو موقف رحيم.
يضيف الدكتور واصل: إذا سلك كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية سلوكاً ملتزماً، ولم يضع نفسه في مواطن الشبهات، فإن الحياة الزوجية ستسير في مسارها الصحيح، ويجب هنا أن نؤكد ضرورة سعي الزوجين للحفاظ على الثقة المتبادلة بينهما، والتفاهم بهدوء حول أي مشكلة قد تواجههما لأن اختلال الثقة بينهما ينافي ما قصدته الشريعة الإسلامية من إقامة الحياة الزوجية، وللأسف، فإن المغالاة في الغيرة والوصول إلى مرحلة الشك إلى حد التجسس على الطرف الآخر، هو سلوك مرفوض تماماً طالما ليس هناك ما يبرره شرعاً ويعد انتهاكاً للحرمات.

الإخلاص
من جانبها، تقول الدكتورة عفاف النجار، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: لقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريم التجسس بين الناس بعضهم على بعض، فإذا كان هذا الحكم مرفوض على العامة حفاظاً على علاقات الود بين الناس، فما بالنا بالعلاقة بين الزوجين وما يفتحه التجسس والمراقبة بينهما من ضياع لكل أسس العشرة الزوجية، فالتجسس بين الأزواج يفتح باب الخلافات الزوجية، وهو ما يزيد من احتمالات انتهاء الحياة الزوجية. وقد ورد عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته يفضحه ولو في جوف رحله»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا ظننت فلا تحقق»، وقد فسر العلماء هذا الحديث الشريف بأن له هدفاً عظيماً للغاية، وهو أن تظل حريات الناس محفوظة ومصانة، ولو طبقنا هذا الحديث على الزوج وزوجته، وجدنا أن الهدف أن تظل العلاقة الزوجية قائمة على التفاهم والود حتى يتبين بوضوح أن أحد الطرفين ارتكب ما يستحق أن يراجع فيه، فلا يكفي الظن به لتعقبه والتجسس عليه بهدف إثبات الأمر، بل الأفضل أن يقوم كل طرف بالإحسان إلى الآخر، فالزوجة على سبيل المثال لو شعرت بتغير في زوجها عليها التودد إليه والإحسان له، فقد يؤدي ذلك إلى عودة الزوج إلى الطريق الصحيح، وبهذا تكون قد كسبت ثواباً عظيماً ليس هذا فحسب، بل حافظت أيضاً على كيان الأسرة وحماية لها من التفكك والانهيار، لا سيما إن كان هناك أبناء، وعلى الجميع أن يتذكر قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)، «سورة الحجرات: الآية 12»، وبذلك لخصت الأية الكريمة الأمر بوضوح.
وتضيف الدكتور عفاف النجار: ومثلما قلنا للزوجة إن التجسس على زوجها مرفوض، فإننا نهمس للزوج أيضاً عليك ألا تسعى للتجسس على زوجتك لأن الأصل في المرأة المسلمة الخلو من الآثام والفواحش، وقد ذهب العلماء إلى أنه لا يجوز لأحدٍ أن يتجسس على أحد، لأنه ليس لنا إلا الظاهر ولو ذهبنا نتجسس على الناس لتعبنا تعباً عظيماً وتعبت ضمائرنا فيما نسمع ونرى، ونذكر كل زوج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً، أي يتجسس عليهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أهله ليلاً عندما يرجع من السفر، فالأدب النبوي اقتضى ألا يدخل الرجل على أهله ليلاً عندما يعود من السفر، وذلك حتى لا يشاهد الرجل في بيته ما يكره، وتقديراً للخصوصيات، وعلى الزوجة المسلمة أن تكون دائماً مخلصة ومطيعة لزوجها وتحرص على ألا يرى منها ما يريبه بأي حال من الأحوال.

الوازع الديني
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء: لا يجوز أن تتجسس الزوجة على هاتف زوجها والعكس بالعكس بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الخاصة بـ«تويتر» و«فيسبوك»، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، لأن وجود الشك بين الزوجين يضر بالحياة الزوجية، وأن قيام أحدهما بهذا الفعل يُعد انتهاكاً لخصوصية الآخر، فقيام أي من الزوجين بهذا التصرف بدعوى ملاحظته تغيراً في معاملة الآخر أو قيامه ببعض التصرفات التي تثير الريبة لا يصح وأن الواجب عليهما المصارحة بغرض الدعوة والنصح، والحرص على بناء حياتهما الزوجية على الاحترام والشفافية والحب، حتى تستمر الحياة ويعم الاستقرار والطمأنينة على أفرادها فلا بد من احترام الخصوصية بين الأزواج، أما قول البعض إنه لا خصوصية بين الأزواج قول خطأ، فكل منهما له خصوصيته التي يجب أن تُحترم وتؤدي إلى غياب الثقة بينهما، وللأسف، فإن التجسس والمراقبة بين الزوجين سببه الأساسي ضعف الوازع الديني لدى من يقوم بهذه التصرفات، لأن الدين يعصم الإنسان من الوقوع في الخطأ، ومن ثم تنتفي الحاجة للشك أو التجسس، ويجب أن يدرك كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية أن هذه التصرفات لها انعكاساتها السلبية على العلاقات الأسرية، وهو ما يشعل نار الخلافات.