حسام عبدالنبي (دبي)

دائماً ما يفكر الأفراد في الوسيلة المناسبة التي يمكنهم الاستثمار فيها لتلبي طموحاتهم في زيادة الدخل وتحقيق الثروات بالتوازي مع تناسبها مع المبالغ الصغيرة التي يمكنهم الاستثمار بها.
وعلى مدار العصور، تعددت مجالات الاستثمار، ومرت بـ «موضات» مختلفة، حيث كان التركيز في سنوات على الاستثمار في الذهب، ثم العقارات، ثم أصبح الاستثمار في الأسهم موضة العصر لفترة، تلاها موضة أسواق العملات، ثم أسواق السلع، وصولاً إلى العملات المشفرة التي ما زالت تلقى نوعاً من الاهتمام في ظل التذبذبات الكبيرة التي تحققها.
وخلال الشهور القليلة الفائتة، أصيب صغار المستثمرين في العالم بصدمة بسبب التذبذبات الحادة في كل مجالات الاستثمار، فالاستثمار في الأسهم أصبح سبباً رئيسياً في الخسائر، والعقار إلى تراجع، وأسواق العملات والسلع تعاني صعوبة الرؤية، وحتى الذهب الذي كان يتربع على عرش الاستثمار المفضل لصغار المستثمرين نال نصيبة، حيث يشهد تراجعات عنيفة في أسعاره جعلته يخالف القاعدة الثابتة بأن الذهب الملاذ الآمن في وقت الأزمات.
وحالياً أصبح الجميع يطرح السؤال أين نستثمر وماهي أفضل المجالات التي يمكننا الاستثمار فيها؟.. ولذا فقد طرحت «الاتحاد» السؤال على عدد من الخبراء في مجال الاستثمار والاستشارات المالية وبالطبع جاءت الإجابات متباينة، ولكن كان هناك إجماع على عدد من المبادئ التي يجب دراستها لتحديد نوع الاستثمار المناسب حسب ظروف من يرغب في الاستثمار، كما أكد الخبراء أن هناك أسساً ومتطلبات للعملية الاستثمارية لا يجب الحياد عنها بغض النظر عن نوع أو مجال الاستثمار، وأهمها بذل الجهد والدراسة والتنويع.
وأشار الخبراء، إلى أن الانخفاضات الحالية والتذبذبات القاسية تجعلان بعض الاستثمارات المفضلة في وقت ما غير مناسبة في الوقت الحالي، إلى جانب أن تلك الانخفاضات في حد ذاتها قد تشكل فرصة استثمارية لمن يرغب في الاستثمار على المدى الزمني الطويل نسبياً، لافتين إلى أن هناك مجالات للاستثمار تتسم بالاستقرار وانخفاض المخاطرة، في حين أن هناك مجالات تتسم بالمخاطرة العالية، ولكنها قد تتيح عائداً أفضل، ولذا يجب على من يرغب في الاستثمار أن يدرس ويقرر بناء على رغباته، سواء في راحة البال أو تقبل المخاطرة التي يجب أن يدرك أن احتمالات تحقيق العائد المرتفع والمكاسب الكبيرة متساوية مع احتمالات تحقيق خسائر مؤلمة.

دراسة مسبقة
وقال فادي الغطيس، الرئيس التنفيذي لشركة مايند كرافت للاستشارات المالية، إنه بشكل عام لايمكن القول، إن هناك نوعاً من الاستثمار أفضل من آخر وقد يكون استثمار معين في وقت ما هو المفضل، ولكن في وقت آخر لا يجب الدخول فيه، مؤكداً أن تحديد المجال أو نوع الاستثمار من الناحية العلمية يجب أن يتم من خلال معرفة ودراسة عدد من العوامل أهمها حجم رأس المال المستثمر وقدرة الراغب في الاستثمار على تحمل المخاطرة، فضلاً عن العائد المستهدف ودراسة وضع السوق، وغير ذلك من العناصر.
وأيد الغطيس، الآراء التي تؤكد أن التقلبات والتغيرات التي يشهدها العالم على المستويين السياسي والاقتصادي تجعل من الصعب حالياً تحديد مجال الاستثمار الأفضل، خاصة أن معظم مجالات الاستثمار في الوقت الحالي تتسم بالمخاطرة ويصعب على المستثمرين (حتى على المستوى العالمي) رؤية أو توقع المستقبل، مرجعاً ذلك إلى التوترات وحالة عدم الوضوح التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، سواء من حيث الحديث عن حرب عملات بين الدول أو حرب تجارية بين الولايات المتحدة وبعض الدول وما قد يتبع ذلك من إجراءات اقتصادية قد تتخذها تلك الدول للرد على العقوبات، أو الإجراءات التي قد يتخذها «ترامب».
وأشار الغطيس، إلى أنه على الرغم من الانخفاضات التي شهدتها أسعار الذهب عالمياً والتي خالفت القاعدة الثابتة بأن الذهب هو الملاذ الآمن وقت الأزمات، إلا أن الاستثمار في الذهب مازال المفضل في الوقت الحالي للشخص الراغب في استثمار (أمن أو تقليل مخاطرة الاستثمار) لاسيما وأن جميع الأسواق المالية وأسواق السلع تشهد تذبذبات.
وذكر أنه فيما يخص الاستثمار في الأسواق المالية، فإنه لا ينصح به في الوقت الحالي، نظراً للتذبذبات العالية التي حدثت على مدار العامين الماضيين، والتي تعد الأعلى من نوعها.
وأوضح أنه يجب على من يرغب في الاستثمار أن يلجأ لمستشار مالي متخصص إذا لم يكن يملك الخبرة والدراية الكافية، أو أن يتوجه للاستثمار عبر شراء الوحدات في المحافظ الاستثمارية التي تنوع الاستثمار إذ تمتلك إدارات تلك المحافظ الخبرة التي تمكنها من تقليل مخاطر الاستثمار، والتي تعد ضرورة في المرحلة الحالية.
الاستثمار المفضل
بدوره، قال توحيد عبد الله، رئيس مجموعة دبي للذهب والمجوهرات، إن العالم يمر في الوقت الحالي بمرحلة تذبذبات شديدة وتقلبات غير متوقعة طالت أسواق السلع وحتى عملات الدول، ولذا فإن الذهب يظل الاستثمار المفضل على مر العصور، موضحاً أن من يشتري الذهب يقتنيه وينساه، ولذا فهو يكون مرتاح البال، ولا يعاني المشاكل والضغوط النفسية التي يتعرض لها من يلجأ للاستثمار في أدوات تعتمد على المخاطرة أو المضاربة.
وذكر عبدالله، أن من مزايا الذهب أيضاً أنه يعد وسيلة للزينة والخزينة، حيث يمكن لمن يشترى الذهب أن يستخدمه شخصياً ويحقق مكاسب من اختزانه والاحتفاظ به لفترة، مشدداً على أن انخفاض أسعار الذهب ومخالفته التوقعات في الوقت الحالي لم يهز مكانت،ه بل على العكس فإن تلك الانخفاضات تشكل فرصة استثمارية قلما تحدث.
النصائح السبع
من جهته، حدد صلاح الحليان، المستشار المالي والمدير العام لشركة «غلف أنشورانس كونسلتنغ»، 7 نصائح أساسية للأشخاص الراغبين في بدء الاستثمار (بغض النظر عن نوعه)، أولها اتباع نصيحة (وارن بافيت) أحد أغنى رجال العالم، وهي «لا تتبع الموضة الرائجة» بمعنى ألا تستثمر في كل ما هو شعبي ومرغوب من الآخرين للاستثمار، ناصحاً بألا يتم الاستثمار في مجال ما لأن الآخرين نجحوا فيه، وحققوا مكاسب فمثلاً قد يفكر الأفراد في شراء سهم ما لأنه مرغوب أو أنه حقق مكاسب لحائزيه إذ لا يعني ذلك بالضرورة أنه صفقة جيدة للشراء.
وقال الحليان، إنه ضمن النصيحة الأولى يجب أن يتابع المستثمر ويراقب السوق بدقة وعناية، وأن يدمج بحثه وأفكاره مع التوقعات، وأن يختار الوقت المناسب للاستثمار، لأن هناك استثمارات رائجة يمكن أن تشترى وقتما تكون جاهزة للهبوط.
وأضاف أن النصيحة الثانية تتمثل في ضرورة البحث عن فرص استثمارية أو شركات جيدة تمر بأوقات سيئة، فقد تكون تلك الشركة في وضع مالي جيد يتيح لها فرصة العودة للمكاسب في مرحلة تالية، مدللاً على ذلك بما حدث في شركة «أبل» العالمية عندما عاد ستيف جوبز رئيساً تنفيذياً للشركة للمرة الثانية في عام 1997، حيث حولها من شركة (سجلت خسارة صافية بمبلغ 161 مليون دولار في الربع الرابع من العام ذاته)، إلى تحقيق صافي ربح يقدر بنحو 4.31 مليار دولار بحلول الربع الأخير من عام 2010.
وأشار الحليان، إلى أن النصيحة الثالثة تتمثل في ضرورة عدم وضع كل الأموال التي يملكها المستثمر في مجال استثماري واحد حتى يتجنب المخاطر بتقليل الاعتماد على مجال واحد، بمعنى ضرورة تنويع الاستثمار حيث يعد (وضع البيض كله في سلة واحدة) من الأخطاء الشائعة.
وتابع :«من المهم أيضاً أن يكون المستثمر الراغب في الاستثمار صبوراً ويفكر على المدى الطويل، لأن الصبر هو مفتاح النجاح في الاستثمار، ولا يجب أن يتوقع أرباحاً فورية أو أن يترك المجال في حال عدم تحقيقها، منوهاً بأن النصيحة الخامسة تتمثل في أنه يجب على المستثمر بناء خطة للاستثمار تتناسب مع أهداف وغايات واضحة له والعمل بكل جد، مع الاستعانة بإرشادات الخبراء وآرائهم في الخطة، لكن بشرط أن يقوم المستثمر بالعمل بنفسه من خلال البحث قبل أن يتورط في استثمارات كبيرة.
وحذر الحليان، من يرغب في الاستثمار من الاقتراض، أو أن يستثمر بما لا يمكن له تحمله، مع ضرورة أن يستثمر فقط من خلال أموال غير الأموال التي قد يحتاجها في حياته أو لعائلته، لاسيما وأن فائدة القرض غالباً ما تزيد على العائد المحقق خلال السنوات الأولى، منوهاً أن النصيحة الأخيرة تتمثل في الاستعانة بالخبراء والمستشارين الماليين المتخصصين لمساعدته على اتخاذ القرار الاستثماري السليم إذ أن هناك الكثير من المفاتيح الاستثمارية الأخرى التي ينبغي على من يرغب في الاستثمار أن يدرسها في مجال الاستثمار، لذا فهو ليس مضطراً لأن يقوم بذلك بمفرده.

شراء «عينات» عبر منصات التجارة الإلكترونية لبدء العمل
يرى عبد العزيز ناصر، نائب مدير مجلس تنمية تجارة هونغ كونغ لمنطقة الشرق الأوسط، أن التجارة دائماً ما تكون وسيلة مناسبة لتنمية الاستثمارات أو زيادة مصدر الدخل خاصة لصغار المستثمرين، مؤكداً أن توافر منصات التجارة الإلكترونية عالمياً يمكن المستثمر الصغير من استيراد كميات صغيرة من السلع في البداية وممارسة نشاط يتناسب مع رأس المال الذي يمتلكه ومن ثم التوسع مستقبلاً.
وأوضح ناصر، أنه من خلال التجارة الإلكترونية يمكن شراء «عينات» من السلع المنتجة في أي دولة حول العالم خاصة الدول التي تتميز بنشاط حركة التجارة، مثل الصين وهونغ كونغ، حيث تلقى منتجات تلك الدول قبولاً واسعاً في الدول المختلفة بسبب رخص أسعارها وجودتها.
وقال إن عدداً كبيراً من التجار في دبي بدأ العمل من خلال تلك الطريقة، ومنها شركات كبيرة تعمل في مجال تجارة الهدايا في الوقت الحالي، حيث تعرفت إلى فرص الاستثمار من خلال الوسائل الترويجية التي يوفرها مجلس تنمية تجارة هونغ كونغ، مشيراً إلى أن المجلس أطلق منصة للتجارة الإلكترونية للطلبيات الصغيرة تسمى «SMALL ORDER ZONE»، حيث يمكن تنفيذ الطلبات الصغيرة الحجم من السلع المختلفة «أون لاين» فضلاً عن سوق (hktdc.com) الإلكترونية، ومنصات المعارض الإلكترونية، وتطبيق سوق hktdc، وإلى جانب ذلك يمكن زيارة المعارض الدولية المختلفة التي تقام سنوياً في هونغ كونغ والتي تعرض السلع المختلفة، حيث يمكن مشاهدة السلع بالعين والالتقاء بالمنتجين من دول العالم المختلفة، ومن ثم عقد الصفقات.