أحمد عثمان (الاتحاد)
جائزة نوبل لشخصين، شيء مثل «الشامبو» ذي الفائدتين. إذن، كان من اللازم توفر جرعة مضاعفة من المنظف لغسل سمعة الجائزة المرموقة من الفضيحة التي جرت العام الفائت. فائزان، معادلة من مجهولين للتنبؤ بالنتيجة. شيء يتبدى مستحقاً: امرأة تخلف الفائز كازو إيشيغورو عن عام 2017.
في الواحدة بالضبط، من العاشر من أكتوبر، في ميدان «البورصة» بستوكهولم، أعلن السكرتير الدائم للجائزة، مات مالم، اسمي الفائزين بالجائزة: الروائية البولونية أولغا تشوكارتشوك عن عام 2018 والكاتب النمساوي بيتر هاندكه عن العام الحالي 2019، الذي سيكون سعيداً... ربما، إذ أن هاندكه من أبرز الوجوه الثقافية المنتقدة لوجود جائزة نوبل من الأساس، وقد قال عنها من قبل: «من الضروري إلغاؤها، إنها إعلان قداسة زائف، لا يجلب شيئاً للقارئ». وهي ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الجائزة، بل قال عنها أيضاً إنها «أشبه بالتمثلية هزلية».
تم منح الجائزة لأولغا تشوكارتشوك عن «مخيلتها السردية التي – يرافقها هوى أنسيكلوبيدي – ترمز إلى تجاوز الحدود، كشكل من أشكال الحياة»، كما قال مات مالم، بينما منحت لبيتر هاندكه: «لنتاجه، البسيط لغوياً، الذي استكشف هامش التجربة الإنسانية وفرادتها».
مناضلة يسارية
أولغا تشوكارتشوك، المولودة في 29 يناير 1962 بسوليشوف (بولونيا)، روائية شهيرة في بلدها وأوروبا التي ترجمت إلى لغاتها المتعددة، «لا ترى الواقعة كشيء ثابت أو أبدي. تبني رواياتها عبر التوتر القائم بين المتعارضات الثقافية: طبيعة إزاء ثقافة، عقل إزاء جنون، رجل إزاء امرأة، منزل إزاء استلاب»، على حد قول مالم. الروائية البولونية، المنشغلة بالاضطرابات العقلية، درست السيكولوجيا، وعملت كطبيبة نفسانية، قبل أن تكرس حياتها للكتابة الروائية بدءاً من عام 1997، بعد النجاح الجماهيري لروايتها الأولى.
في البداية، وقت المراهقة، كتبت الشعر، وبعد صمت طويل، نشرت روايتها الأولى «رحلة أناس الكتب» (1993) الذي استقبل بصورة طيبة من الجمهور والنقاد. هذه الرواية ضرب من الرمز الحديث؛ البحث المخفق عن كتاب سحري والحب الكبير الذي يعيشه البطلان. من دون شك، كان النجاح الكبير مع رواية «الإله، الزمن، الناس والملائكة» (1996). قرية أسطورية، تقع في وسط بولونيا، تمثل العالم الصغير المثالي الذي يضم كل أشكال البهجة والمعاناة المعروفة لدى الناس. في روايتها التالية، «بيت النهار، بيت الليل»(1998)، غيرت الجنس الأدبي والنبرة.
أيضاً، كتبت «على عظام الموتى»، رواية بوليسية أيكولوجية تحولت إلى فيلم سينمائي، «الأطفال الخضر»، رواية فلسفية، و«كتاب جاكوب»، رواية تاريخية من 900 صفحة، وصلت إلى التصفيات النهائية لجائزة فيمينا عن العالم الحالي للرواية الأجنبية التي ستعلن الشهر المقبل. وهذه الرواية تسطر سيرة حياة المبشر جاكوب فرانك وطائفته الدينية في أوروبا خلال عصر الأنوار. نتاجها مترجم إلى أكثر من 25 لغة، وبالتأكيد حصولها العام الحالي على جائزة نوبل، سيضاعف من قرائها، وسوف يمكنها من عبور الحدود اللغوية. أولغا تشوكارتشوك مناضلة سياسية تنتمي إلى اليسار، أيكولوجية (يتردد كثيراً عند الكلام عنها كونها نباتية)، ولا تتردد في نقد سياسة الحكومة البولونية القومية المحافظة الحالية، وبالأخص في مواقفها اليمينية المتطرفة تجاه الآخر : دينياً، عرقياً... الخ.
نزوع نقدي
بالنسبة لبيتر هاندكه، 76 عاماً، «يعتبر أحد أكبر الكتاب تأثيراً في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية». مارس هاندكه، المولود في عام 1942 في النمسا، جميع الأنواع الأدبية، حيث وسمها بخاتمه الشخصي. مؤلف العديد من النتاجات، التي حملت عناوين جذابة:«قلق حارس المرمى لحظة قذف ضربة الجزاء»، «خطاب قصير لأجل وداع طويل»، «التعاسة اللا مبالية»، «المرأة العسراء»... والتي سطرت الدراما الحذرة لعصرنا، الانفصال، الغياب أو الرحلة. في عام 1994، أصدر كتاب: «سنواتي في كون الشخص»، حيث وصف المحيط الباريسي، الذي يقيم فيه، والذي ألهمه نشيد الظرف المديني الجديد. ولكن بيتر هاندكه كتب أيضاً مسرحيات، دراسات، يوميات، وتقاسم رفقة فنية مع المخرج فيم فندرز، مثل «حركة زائفة» (1975) أو «أجنحة الرغبة» (1987). مترجماً ومشهوراً في العالم بأسره. في كتاباته، يعمل هاندكه دوماً على رسم صور القلق وعدم التواصل بين الناس داخل المجتمعات المعاصرة. قلمه الطليعي متأثر بفرانتس كافكا ووليم فولكنر.