أشرف جمعة (أبوظبي)
كشف استطلاع أجرته «الاتحاد» أن 82.4% من أولياء الأمور ليسوا على دراية بمحتويات هواتف أبنائهم، فيما أكد 17.6% الاهتمام بمعرفة ما يطلع عليه أبناؤهم وما تحتوي عليه هواتفهم، وفي دراسة ذات صلة، شملت 37 ألف مستخدم، أجراها كل من جامعة آلتو في فنلندا، وجامعة كامبريدج، والمعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ، أكدت أنه يمكن للأطفال كتابة 10 كلمات في الدقيقة على لوحة المفاتيح الصغيرة، أسرع من جيل آبائهم، لكثرة استخدامهم للهاتف، حيث قال عدد من الأطفال المشاركين، إنهم يقضون أكثر من 6 ساعات يومياً على هواتفهم.
بحسب آراء الفئات المشاركة في استطلاع «الاتحاد»، فإن الطفل يفضي أمام شاشة الهاتف مدة طويلة، سواءً لممارسة الألعاب أو مشاهدة أفلام الكرتون ومتابعة بعض الفيديوهات، وهو ما يشكل خطراً جسيماً عليهم رغم التحذيرات التي أطلقتها هيئات عريقة للصحة، كما أنَّ الكثير من الجامعات المرموقة أجرت العديد من الدراسات والأبحاث، وقد أشارت إلى مخاطر جمَّة، وأطلقت تحذيرات من تأثر العيون، والعظام مع فرضية الإصابة بالسرطان وتأثر النمو.
أضرار اجتماعية
حول الأضرار المترتبة على استخدام الأطفال للهاتف المحمول، يقول الأستاذ الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار، أستاذ علم النفس بجامعة الإمارات: «يعيش الأطفال في واقع جديد تفرضه عليهم التقنيات الحديثة والهاتف المحمول الذي يعد من أكثر الأشياء استخداماً في حياة البشر من الأدوات التي أصبحت في متناول يد الأطفال، ما يشكل أضراراً اجتماعية ونفسية، ويصيبهم بالعديد من الأمراض التي تأثر سلباً عليهم في مراحلهم الأولى»، لافتاً إلى أن هناك مسؤولية تربوية تقع على عاتق الجميع من أجل ضمان أن يعيش الطفل، وهو مستمتع ببراءته وحياته في مراحل نموه هذه، وبشكل لا يشكل عليه خطورة من جراء الهاتف المحمول الذي لم يعد بعيداً عن أيديهم، فالعديد من الأطفال يستخدمونه مدة طويلة دون رقابة، وهو ما يجعلهم عرضة للانعزال عن محيطهم الاجتماعي.
ذبذبات الهاتف
ويقول الدكتور نزار زكي أستاذ علوم الحاسوب بجامعة الإمارات: أحد طلاب الدكتوراه الذين كنت أشرف عليهم أجرى تجربة على أحد الأطفال في عمر 12 عاماً، وانتهي إلى أنه في أثناء استخدامه للهاتف الذكي مدة طويلة، فإن حركة الدم المندفعة من جهة القلب إلى المخ كانت تتأثر، فبدلاً من أن تدخل كمية معينة إلى المخ، يكون الضخ أكبر، ويؤكد أنه تم عمل تجربة أخرى، تمثلت في سحب عينة دم من أحد الأشخاص، بناء على موافقته، ومن ثم وضعناها في أكياس، وجعلناها قريبة جداً من ذبذبات الهاتف المحمول، فوجدنا أن كريات الدم تنتفخ، وبعضها الآخر ينفجر، وهو يؤكد خطورة استخدام الهاتف المحمول من قبل الأطفال مدة طويلة، وأن حركة البطارية أيضاً داخل الهاتف تمثل مصدراً للخطر، بالإضافة إلى أن اقتراب الهاتف من الأذن في أثناء الحديث يؤدي لالتهاب الأذن الوسطى، ويحدث احمراراً في هذه المنطقة، وبالتالي يتعرض الطفل لآلام في الرأس ناتجة عن الصداع.
الانتباه والنمو
ويبين الدكتور عبد العزيز الحمادي أستاذ علم النفس في جامعة الإمارات سابقاً، أن هناك مشكلات كثيرة تترتب على استخدام الأطفال للهواتف المحمولة مثل العزلة وصعوبات النطق، لأن الطفل الذي لا يتفاعل مع محيطه لا يكتسب مهارة الكلام بشكل جيد، لافتاً إلى أن الأسرة مسؤولة عن تهيئة العوامل النفسية التي تسهم في صحة الأطفال، لأنَّ الذاكرة أيضاً تتأثر وعمليات الانتباه والنمو أيضاً، وأن هناك دراسات تؤكد تأثر الطفل نفسياً من خلال هذه العادات السيئة. وأوضح الدكتور عابد حمصي، اختصاصي طب الأطفال بمستشفى دار الشفاء في أبوظبي، أن مجال تركيز الرؤية يتأثر بسبب خانة الهاتف الضيقة التي تستأثر على كل حواس الطفل، ويلفت إلى أن بعض الأطفال يحدث لهم نحافة بسبب قلة تناول الطعام، فضلاً عن حالة الضغط النفسي التي يتعرضون لها من خلال التعامل مع الهاتف المحمول بصورة مستمرة، من أجل ممارسة الألعاب ومشاهدة أفلام الكرتون التي قد يكون بعضها يعبر عن العنف، ويؤكد أن هناك أعراضاً أخرى تحدث، مثل اضطرابات النوم والتعرض للأحلام المزعجة، فضلاً عن مشكلات في العمود الفقري والرقبة على المدى البعيد.
ويذكر عباس فرض الله -خبير إلكترونيات- أن هناك أخطاراً عدة يتعرض لها الأطفال بسبب التعلق بالهاتف المحمول، ومن بينها الإمساك بالهاتف مدة طويلة، وهو ما يعرضهم إلى الذبذبات الصادرة عن الإنترنت، فضلاً عن أن الأعصاب قد تتأثر بشكل كبير.
مشكلات صحية
وتشعر نعيمة علي (62 عاماً) بعدم الارتياح لتعامل أحفادها الصغار مع الهواتف المحمولة، خاصة أنها تعيش مع أحد أبنائها في مسكنه الذي فقد السيطرة على أطفاله الذين هم في أعمار مختلفة، وأنهم اعتادوا مشاهدة الفيديوهات ومتابعة بعض الألعاب على الهواتف المحمولة، مبينة أنها حاولت إبعادهم عن هذه الهواتف أكثر من مرة، لكنهم لم يستجيبوا لها، حتى إن الأب لا يعاقب الأبناء على هذه السلوكيات ولا يهتم بهذه الإشكالية، خاصة أنه مرتبط أيضاً بهاتفه ويقضي معه أوقاتاً طويلة في أثناء اليوم، وتلفت إلى أنها لاحظت أن هؤلاء الصغار يضعون أيديهم على أعينهم كثيراً من شدة الإرهاق البصري، وأنها لا تزال في حيرة، وتتمنى أن تجد حلاً حتى لا تحدث مشكلات صحية خطيرة لهم.
رغبة الصغار
ويروي يونس إبراهيم، رب أسرة، أن ابنته البالغة من العمر 12 عاماً عانت مشكلات في الإبصار بسبب تعاملها غير المنظم مع الهاتف المحمول، وهو ما جعلها تستخدم نظارة طبية لكي تتمكن من الرؤية بشكل جيد، مؤكداً أنه لم يكن يتوقع أن يخبره طبيب العيون بأن كثرة استخدام الهاتف المحمول هو الذي سبب بعض المشكلات في عين ابنته، ومن ثم طلب منه عدم الرضوخ لرغبة الصغار في استخدام مثل هذه الأجهزة بكثرة نظراً لأضرارها الصحية الجسيمة، ويشير يونس إلى أنه لم يكن يعلم بمثل هذه الأضرار، وأنه لم يكن يراقب أطفاله أو يعرف شيئاً عن استخداماتهم اليومية للتطبيقات والبرامج التي يتابعونها، خاصة أنه أصبح على يقين بخطورة تركها في أيدى الصغار دون مراقبة ومتابعة مستمرة.
ضعف البصر
الدكتور حسان إمام رئيس قسم العيون بمستشفى النور في أبوظبي، أوضح أن عيون الأطفال تتأثر كثيراً من جراء استخدام الهاتف المحمول، وأنه يحدث لهم اضطرابات النوم، وأنه من الممكن إصابة الكثير منهم بقصر النظر، لذا فإن الكثير من الأطفال يرتدون نظارات تساعدهم على الرؤية، وأن هناك حالات سببها الهاتف المحمول والأضواء التي تنبعث منه، لافتاً إلى أن الأطفال الأقل 6 سنوات من الممكن أن يصابوا بمشكلات في العيون بسبب تركيز النظر وعدم إتاحة الفرصة للعين لكي تباشر عملها بشكل طبيعي، وأنه كلما كان تركيز الأطفال على أجهزة المحمول الصغيرة، فإن فرضية إصابة العيون ببعض الأمراض وارد، لذا فمن الأفضل أن يشاهد الطفل فيلما كرتونا على جهاز التلفزيون أفضل بكثير من مشاهدته عبر الهاتف المحمول، وأنه من الضروري أن يتم استخدام فلتر أزرق على هذه الهواتف للكبار والصغار مع حلول الليل حتى لا تتأثر العيون وتحدث اضطرابات النوم وحالات الاحمرار المستمر.
في مواجهة الأخطار
تجربة قاسية مر بها الطفل زايد الحربي - 9 سنوات - والتي لا يزال يعاني آثارها إذ يبين أنه كان يمضي أوقاتاً طويلة يمارس ألعابه على الهاتف المحمول الذي اشتراه له والده، وأنه كان يشعر بالإرهاق البصري في أثناء اليوم الدراسي، فضلاً عن عدم رغبته في تناول الطعام بشكل منتظم، وأنه أخبر والدته بالمشاكل التي يواجهها في أثناء القراءة وحل الواجبات، موضحاً أنها ذهبت به إلى طبيب العيون الذي بدوره نصح الطفل بضرورة ارتداء نظارة طبية نظراً لتأثر العيون من جراء التركيز المباشر والطويل في شاشة الهاتف الذكي، وأنه طلب من والدته أن تمنعه عنه.
ولفت إلى أنه كان يشعر بالضيق عندما يتم منعه من استخدامه لكن زايد لاحظ مع مرور الوقت أنه استعاد تركيزه بشكل أفضل، وأنه أصبح يتناول الطعام دون قلق وأنه عاد لوزنه الطبيعي، وأصبح أكثر تفاعلاً مع البيئة المحيطة به، وأنه حالياً يتابع دروسه وواجباته المدرسية بشكل منتظم ودون أية عوائق، ويشير إلى أنه على الرغم من هذه الإيجابيات إلا أنه يطمح إلى أن تسمح له الأسرة باستخدام الهاتف المحمول مثل السابق لكونه ارتبط به ويورد أنه محروم حالياً منه بسبب رفض والدته ذلك ومن ثم إصرارها الدائم على أن يتفرغ للمذاكرة.
استخدام مفرط
اعتاد الطفل أحمد بشار -10 - سنوات سماع الأغاني المفضلة لديه من خلال فتح موقع «يوتيوب» على جهازه المحمول الخاص به وأنه خلال الفترة الماضية أصبح يشعر بآلام في منطقة الكتفين وفي الرقبة مشيراً إلى أنه تحدث مع والده في هذا الشأن الذي أدرك على الفور أن استخدامه المفرط لهاتفه الذكي هو الذي أوصله إلى هذه المرحلة من الإجهاد وعدم القدرة على التركيز ويؤكد أن والده حدد له أوقاتاً ليتابع ألعابه لكنه على الرغم من أنه لم يعد يستخدم الهاتف بشكل مفرط إلا أن الألم لم يتلاش فهو دائماً يشعر بإرهاق بدني يفقده أحياناً القدرة على حمل حقيبته المدرسية بشكل طبيعي ويذكر أنه ينزع إلى الراحة حالياً استجابة لطلب والده ومن ثم الابتعاد عن هاتفه مبيناً أنه يحاول أن يعود إلى لياقته البدنية الطبيعية.
تدليل زائد
تورد الطفلة فاطمة اعليوه -7 سنوات - أن والديها لا يرفضان لها طلباً ودائماً تجد منهما التدليل الزائد وأنها طلبت أن يكون لها هاتف محمول خاص يكون تحت تصرفها وبعد أن تمت الاستجابة لها أصبح لا يفارقها وتشاهد من خلاله الكثير من أفلام الكرتون لكنها تفاجأت أن والدها أصر على منعه عنها بخاصة في هذه السن الصغيرة، وتقول: لقد لاحظ انعزالي ورغبتي في أن أتابع ألعابي واستخداماتي الأخرى في أغلب الأوقات حتى إنه كان يعاني لكي أجلس على المائدة مع إخوتي، لافتة إلى أنها كانت دائماً تفضل أن تكمل مشاهدة أحد أفلام الكرتون على أن تتناول الطعام، وأنها كانت تقبل على تناول الشيكولاته والعصائر وهي تمسك بإحدى يديها الهاتف وتوضح أنها أصبحت تشعر مع مرور الوقت ببعض الخدر في يديها وتؤكد أن والديها لم يفلحا حتى الآن في منعها عن متابعة ما تفضله على هاتفها الذكي.
لا يناسب العمر
قال الدكتور خالد البغدادي، استشاري أمراض المخ والأعصاب في أبوظبي، إن بعض الدراسات أشارت إلى أن الأشعة المترددة المنبعثة من الأجهزة المحمولة هي من النوع «2 B»، وهي بين التردد 30 كيلو هيرتز و300 غيجا هيرتز، وأن هذا النوع من الأشعة ممكن أن يسبب أنواعاً من السرطان أغلبها في منطقة المخ والأذن، وهذا بسبب اقتراب الأجهزة المحمولة من هذه الأعضاء، ومن ثم قرب الأشعة المنبعثة منها، وأن عظم الجمجمة والقشرة الدماغية يكونان أنحف عند الأطفال منها عند البالغين، ولهذا السبب، فإن نحو 60 في المئة من هذه الأشعة يتم امتصاصها عند الأطفال.
موضحاً أن الأشعة المنبعثة من هذه الأجهزة تؤثر سلباً أيضاً على القدرات الذهنية والعقلية، وبالتالي يحصل تأخر في التحصيل العلمي للأطفال، وأن هناك سلبيات أخرى عديدة لهذه الأجهزة على هذه الفئة التي يجب عدم إهمالها، مثل الإدمان على هذا النوع من التكنولوجيا، وبالتالي إهمال أمور أخرى من حياتهم، مثلاً إهمالهم من الناحية الأسرية والاجتماعية، فهم ينعزلون مع هذه الأجهزة، وأيضاً يصبح من الصعب مراقبة تواصلهم مع الإنترنت، وقد يتطرقون لصفحات لا تناسب أعمارهم أبداً.