«المرأة والتنمية».. إصدار جديد لجمال سند السويدي (2-2)

الوعي بأهمية دور المرأة في الدول قليلة السكان، وأيضاً في البلدان النامية، شرط جوهري لتعبئة الموارد البشرية والمادية والاستفادة منها في التنمية.. خلاصة استهل بها سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إصداره الجديد المعنون بـ«المرأة والتنمية»، وفي 234 صفحة، وعبر أربعة فصول، يُسلّط السويدي الضوء على نصف المجتمع وبالطبع نصف طاقته الإنتاجية، مقدماً رؤية واقعية لعلاقة المرأة بالتنمية، منتقلاً من الفصل الأول، حيث تحليل البنية الاجتماعية والثقافية كمحدد لدور وتأثير المرأة في مجتمعها، إلى الفصل الثاني الذي رصد خلاله تأثير الدين على المرأة، كونه يحدد دورها في المجتمع، خاصة أنه حررّها من قيود كبّلتها في مرحلة ما قبل الإسلام، وضرورة الانتباه لتفسيرات الجماعات المتطرفة للنصوص الدينية من أجل تقييد دور المرأة، مروراً بالفصل الثالث، حيث يحلل واقع المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة في ظل تشابك الموروثات القبلية مع التفسيرات الدينية، وأيضاً مع قيم الحداثة والتطور التي تشهدها دول المنطقة، وصولاً للفصل الرابع الذي يبحث خلاله السويدي في منجزات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ورؤيته الحضارية الداعمة للمرأة، ما تركه من رصيد هائل عززته القيادة الرشيدة بإجراءات غير مسبوقة من أجل تمكين المرأة في جميع المجالات..
تحت عنوان «المرأة في دول الخليج العربي»، خصص الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، الفصل الثالث من الكتاب، ليسلط الضوء على التغيرات التي شهدها وضع المرأة بمنطقة الخليج العربي في السنوات الأخيرة، لا سيما في مجال التعليم والمشاركة في القوى العاملة، ضمن قراءة تحليلية توضح التطور الذي شهدته المرأة في هذه المنطقة، وأيضاً التحديات التي لا تزال تواجه مسيرتها لتفعيل دورها في مجتمعها.

هن في سوق العمل
حسب أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2017، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتقدم الدول العربية في مشاركة المرأة في القوى العاملة. على سبيل المثال نسبة مشاركتها (في الفئة العمرية من 15 سنة وأكثر) في الإمارات 40.9 %، والبحرين 44 %، والسعودية 22.3 %، والكويت 47.4 %، علماً أن هذه النسبة في مصر مثلاً 22.2 %، والأردن 14 %، ولبنان 23.2 %.
هذه الإطلالة الرقمية تؤكد أن مشاركة المرأة في القوى العاملة بدول مجلس التعاون الخليجي والتي تبلغ 40.5 %، تتفوق بشكل كبير على المعدل العربي العام في 2017 وهو 18.9 %، ويقترب من المعدل العالمي للعام ذاته وهو 48.7 %. وهذه الأرقام تعكس أيضاً تطوراً كبيراً لحق بنسبة مساهمة المرأة المنتمية إلى (الفئة العمرية من 15 سنة وأكثر) في دول مجلس التعاون خلال السنوات الماضية، على سبيل المثال، في الإمارات زادت النسبة من 33.7 % عام 2000 إلى 40.9 % في عام 2017. ويبدو أن قطاع الخدمات يستحوذ على مساهمة المرأة الخليجية في سوق العمل، فحسب بيانات 2017 في دولة الإمارات، 93.2 % من قوة العمل النسائية تعمل في قطاع الخدمات، بينما تصل نسبة مشاركتها في قطاع الصناعة 6.8 %، وصفر% في قطاع الزراعة.

وعي مؤسسي مبكر
بتوجيهات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، ودعم ورعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات»، ظهر العديد من المؤسسات التي تركز جهودها على رعاية المرأة وتطوير أدائها، حيث تم تأسيس أول جمعية نسائية في الإمارات، وهي جمعية المرأة الظبيانية في 8 فبراير عام 1973، أي بعد أقل من عامين من تأسيس الدولة، ما يعني أن توفير الأطر المؤسسية الداعمة للمرأة، كانت من ضمن قائمة أولويات الأب المؤسس، لحظة وضع لبنات الدولة. وفي 27 أغسطس 1975 تم تأسيس الاتحاد النسائي العام برئاسة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، ليكون بمنزلة الآلية الوطنية المعنية بتمكين المرأة في الدولة. وتم تدشين مؤسسات معنية بقضايا المرأة، مثل المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الذي تأسس عام 2003، ومؤسسة التنمية الأسرية عام 2006 ومجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين في فبراير 2015.

معايشة الأدوار
باختياره موضوع «الشيخ زايد والمرأة..الرؤية والإنجاز» محوراً للفصل الرابع والأخير في الكتاب، يعرض السويدي خمسة روافد شكّلت رؤية الشيخ زايد للمرأة، أولها خلفيته الدينية النقية التي تقر المكانة المهمة التي أوجدها الإسلام للمرأة، وجعلها تشارك الرجل في كل شؤون الحياة. كذلك عايش الشيخ زايد أدوار المرأة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الإماراتي في مرحلة ما قبل النفط، حيث كانت تعولُ الأسرة أثناء غياب الزوج في رحلات الغوص لصيد اللؤلؤ، ورصد الشيخ زايد جهود المرأة في تلك المرحلة، ما عزز ثقته في قدرتها على العمل وتحمل المسؤوليات داخل الأسرة وفي المجتمع، وشكل رافداً ثانياً يعزز تقديره لدور المرأة. ويأتي الرافد الثالث ممثلاً في دور الشيخة سلامة بنت بطي، والدة الشيخ زايد، رحمها الله، حيث كانت شخصية حكيمة محبة للخير، ولعبت دوراً رئيساً في تربية أولادها في ظل ظروف صعبة. وعاش الشيخ زايد في كنف أمه لفترة طويلة، وكان أصغر إخوته سناً وتوفي والده في سن صغير، كل هذا جعل للشيخة سلامة صاحبة الفضل الأول في بناء شخصيته. وعن دور الشيخة سلامة بنت بطي في تشكيل رؤية الشيخ زايد تجاه المرأة، أشارت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات» إلى أن: «زايد كان نعم الابن لخير أم، كانت بحزمها وحنانها الكبير وبشخصيتها وحكمتها مثلاً أعلى في حياته، ولهذا فإن ثقته بالمرأة بلا حدود، وهو يراها نصف المجتمع ورفيقته جنباً إلى جنب الرجل، ولولا هذه القناعة من مؤسس الدولة ما تحقق للمرأة في بلادنا كل هذه الإنجازات». ويتمثل الرافد الرابع في دور سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حيث وقفت سموها إلى جانب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في رحلة كفاحه الطويلة، وكانت خير عون له على مدى سنوات طويلة، وسخّرت جهودها منذ قيام دولة الاتحاد للدفاع عن قضايا المرأة والأخذ بيدها للمشاركة بفعالية في مسيرة التنمية والتطور. ويؤكد السويدي أن مبادئ سمو الشيخة فاطمة وتوجهاتها تعد ركائز أساسية في البناء التنموي للمرأة، حيث أدركت منذ تأسيس الدولة عام 1971 أن المجتمع لا يمكن أن ينهض والمرأة بعيدة عن ممارسة الكثير من أدوارها. والرافد الخامس، يكمن في فكرة العدالة والمساواة بين الناس، بصرف النظر على العرق والجنس والدين، ومن هنا جاء إيمان الشيخ زايد العميق بالمساواة بين الرجل والمرأة.

ملامح الرؤية
«أنا نصير المرأة، أقولها دائماً لتأكيد حقها في العمل، وأهمية مشاركتها الفاعلة والكاملة في بناء الوطن»، مقولة تنطلق من قناعة المغفور له الشيخ زايد بأهمية المرأة ضمن الثروة البشرية التي يعتبرها رأسمال حقيقي وأساس التقدم والنهضة في الدولة. ولعل قوله «إن المرأة أخت الرجل لا فرق بينهما، فهما شريكان في تقدم الوطن والحفاظ على ازدهاره» تلخص- حسب السويدي- فلسفة الشيخ زايد بدقة تجاه المرأة وأهمية تمكينها.
وقد أدرك المغفور له الشيخ زايد ضرورة تعليم المرأة وتأهيلها لتصبح قادرة على القيام بدورها في الأسرة والمجتمع، فشجع الفتيات على الانخراط في التعليم، وأقنع أسرهن بإيفادهن للمدارس وصرف مكافآت شهرية للفتيات المنخرطات في التعليم، وبهذا يرصد السويدي المكون الأول في رؤية زايد للمرأة، وهو كونها رأسمال بشري.
المكون الثاني في رؤية زايد للمرأة، يظهر في ثقته المطلقة بقدراتها، ومؤمناً بدورها كشرط لازم لبناء دولة عصرية، وبقدرتها على النجاح في المجالات كافة، وهي ثقة نبعت من تجربته، «طيب الله ثراه»، مع والدته الشيخة سلامة بنت بطي، وزوجته سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك وهما تمثلان نموذجين بارزين لقوة المرأة وقدرتها على العمل، وتحقيق النجاح في ظل ظروف صعبة. ويعرض السويدي المكون الثالث في رؤية زايد للمرأة، الذي يراه في نظرة متكاملة لدورها، تقوم على تكامل أدوارها دون حصرها في نظرة جزئية، فقد تبنى «طيب الله ثراه» تجاهها رؤية شاملة تقوم على تكامل أدوارها دون تعارض أو تصادم، حيث شجّع المرأة على التعليم، وفي الوقت نفسه، أبدى الحرص على دورها في البيت والأسرة، ويؤكد السويدي إعجابه بهذا المكون الذي يجعل رؤية المغفور له الشيخ زايد حضارية متقدمة تتجاوز من يريدون وضع أدوار المرأة في المجتمع في تصادم وتضاد وليس في تكامل وانسجام.
مراعاة خصوصية المرأة، هي المكون الرابع، في رؤية زايد، انطلاقاً من حرصه على صون كرامتها وضمان احترامها كأم وصانعة أجيال، وكان «طيب الله ثراه»، يقول: «إنني أؤيد عمل المرأة في المواقع التي تتناسب مع طبيعتها، وبما يحفظ لها احترامها وكرامتها كأم وصانعة أجيال».

من الرؤى إلى التطبيق
وحول الشيخ زايد رؤاه تجاه المرأة إلى واقع من خلال سياسات تستهدف تمكينها والارتقاء بها، والبداية من دستور الإمارات الذي نص على ضمان المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز بين رجل وامرأة، والتأكيد على مبدأ المساواة الاجتماعية، وأن للمرأة الحق الكامل في التعليم والعمل.

حصاد الإرث الطيب
الإنجازات الكبيرة التي حققتها المرأة الإماراتية، انطلاقاً من رؤية المغفور له الشيخ زايد، وجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، تم تتويجها بقرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في ديسمبر 2018 الذي يقضي برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي من 22.5 % إلى 50 %، اعتباراً من عام 2019 بما يحقق التمكين الكامل للمرأة. وواصلت القيادة الإماراتية الحكيمة تقديم الدعم للمرأة الإماراتية، وظهر هذا في «الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة وريادتها في دولة الإمارات 2015-2021م»، والتي أقرتها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك يوم 8 مارس2015، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وفي عام 2012 أصدرت الحكومة قراراً بشأن إلزامية عضوية المرأة في مجالس إدارة الهيئات الاتحادية والشركات والمؤسسات، وفي 28 أغسطس2015، وبمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس «الاتحاد النسائي العام»، أعلنت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك تخصيص هذا اليوم من كل عام ليكون «يوم المرأة الإماراتية».

الشيخة فاطمة وتطبيق رؤية زايد
أكد سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، أن مسيرة تمكين المرأة ما كان لها أن تحقق ما حققته من إنجازات لولا جهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، فقد كان لها الدور الأكبر في تطبيق رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» بشأن المرأة، وتحويلها إلى سياسات وبرامج عمل على أرض الواقع. واقتبس السويدي مقولة للشيخ زايد أشار فيها إلى «أن الشيخة فاطمة نجحت في استيعاب أهدافي وأفكاري، وحولت هذه الأفكار إلى تجارب ناجحة في كل الميادين».

تمكين المرأة.. الإمارات نموذجاً
أطلقت الإمارات الكثير من المبادرات لتعزيز تمكين المرأة اقتصادياً، ما جعل الدولة نموذجاً متميزاً في تمكين المرأة إقليمياً وعالمياً. ففي ديسمبر 2012 أصدرت الحكومة قراراً بشأن إلزامية عضوية المرأة بمجلس إدارات الهيئات الاتحادية والشركات والمؤسسات، وفي مايو 2015 أصدرت الحكومة الإماراتية قراراً بتأسيس مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، وأطلقت في 2017 «دليل التوازن بين الجنسين»، ليكون أداة شاملة في دعم التوازن النوعي في مكان العمل. وفي 2018 تم اعتماد أول تشريع من نوعه للمساواة في الرواتب بين الجنسين. وتشمل الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات العربية المتحدة 2021 بنداً أساسياً حول تعزيز دور المرأة. وحسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر في نوفمبر 2017 عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت الإمارات المرتبة الأولى خليجياً والثانية عربياً في تجسير الفجوة بين الجنسين. والحكومة التي تم تشكيلها في أكتوبر 2017 تضمنت 9 وزيرات، أي بنسبة 28% من عدد أعضائها، البالغ عددهم 32 وزيراً، وتلعب دوراً برلمانيا فاعلا من خلال عضويتها في المجلس الوطني الاتحادي، والمرأة الإماراتية الآن سفيرة وقاضية وتشارك بقوة في كل مجالات العمل الوطني، وأصبحت تشغل 66% من الوظائف الحكومية العامة، من بينها 30% في الوظائف القيادية العليا، و15% في الوظائف الأكاديمية المتخصصة.