التنقيب العشوائي عن الذهب مخاطرة الثراء السريع في السودان
أسعف الحظ سودانيين بعد الذهاب لولاية نهر النيل، إذ عثروا على الذهب الثمين فتحولت المنطقة إلى قبلة للشباب من أصحاب الطموحات والعاطلين عن العمل بل إن عددا من الموظفين والعمال الذين تركوا أماكن عملهم دون رجعة أو بإجازات مفتوحة للعمل في التنقيب العشوائي عن الذهب بعد أن رفعت الحكومة المحلية الحظر المفروض على التنقيب، وأصبح بمقدور أي مواطن اقتناء ما يشاء من المعدن النفيس حيث نال عدد من المحظوظين نصيبا مقدرا من الذهب وتبدلت حياتهم من فقر إلى ثراء في ساعات.
ويشار إلى أن الحصول على جرامات من الذهب ليس بالأمر السهل فرحلة البحث الطويلة ربما تمتد لأشهر لتجهيز أدوات الحفر إلى جانب التزود بكميات كبيرة من الطعام ومياه الشرب لأن تلك المناطق صحراوية تبعد كثيرا عن المناطق السكنية ما أنعش الأسواق في المناطق القريبة من مناطق التنقيب العشوائي كمدن العبيدية وأبو حمد وشمال مدينة الدامر عاصمة الولاية، وامتلأت خزائن التجار وأصحاب المطاعم والمخابز وغيرها من محال البيع والشراء التي يتضاعف عددها بقيام العديد من المحال الجديدة. والمثير في الأمر أن عددا من كبار تجار الذهب في الخرطوم اتجهوا لتلك المناطق حيث يتم البيع الفوري في مناطق التنقيب العشوائي.
صعاب وأضرار
عبر شباب يعملون بالتنقيب عن الذهب عن سعادتهم بحصولهم على جرامات بدلت حياتهم من الفقر إلى الثراء بيد أن هنالك البعض فقدوا أرواحهم وأصيب عدد كبير منهم بالأمراض إذ أن العمل في التنقيب يتم بصورة بدائية أولية تفتقر إلى معينات البحث الحديثة كأجهزة الكشف عن الذهب المرتفعة الثمن والتي يبلغ سعرها ما بين 50 إلى 80 ألف جنيه سوداني ما يعادل أكثر من 20 ألف دولار.
ويروي خليل دفع الله القادم من الولاية الوسطى قصته مع التنقيب، قائلا:”الذي دفعني للذهاب لولاية نهر النيل هو صديقي أحمد الذي ذهب قبلي بشهر كامل وعندما عاد كان معه مبلغ ضخم من المال بعد بيعه لأوقيات الذهب التي عثر عليها”، لافتا إلى أن شبكات الاتصال الهاتفي لا تعمل في تلك المناطق النائية ما يصعب مهمة التواصل.
وتبدأ عملية التنقيب بالحفر التقليدي إلى أن يتم العثور على الذهب الذي يكون على شكل أحجار صغيرة بداخلها ذرات المعدن التي تطحن في طواحين خاصة تم تشييدها بالمنطقة خصيصا لهذا الغرض ومن ثم يتم فرز التراب عن الذهب ويتم وزن الكميات المستخرجة وتوزيعها على شركاء العمل، إذ جرت العادة أن يتم العمل عبر مجموعات لأن العملية شاقة جدا وتحتاج إلى مجهود كبير في ظل ظروف قاسية ويتقاسم الجميع الطعام ومياه الشرب وعادة يتكون الطعام من المأكولات الجافة.
ويقول دفع الله:”لم أستحم منذ نحو شهر وأصلي بالتيمم لقلة الماء الذي أفضل أن أشربه لصعوبة الحصول عليه”. ويضيف أن الحظ يلعب دوراً مهما في الحصول على الذهب فيمكن أن يحفر عميقا بلا فائدة، فيما يأتي أولئك الذين يملكون أجهزة الكشف عن الذهب وسرعان ما يعثرون عليه في ذات المكان الذي لم تجد فيه شيئا. ويقول:”حاول الكثير الحصول على هذه الأجهزة بشتي الطرق وأعرف العشرات ممن تمكنوا من الحصول عليها وحققوا من ورائها ثروات طائلة”.
أحلام بسيطة
يعمل صالح واقداي مع دفع الله في مجموعة ولكنه يبدو أكثر تفاؤلا بالحصول على كمية من الذهب يحقق بها أحلامه البسيطة، يقول:”حصل أحدهم الأسبوع الماضي علي كمية كبيرة ومن هول المفاجأة أغمي عليه، لافتا إلى أنه لن يعود إلى ديارة إلا محملا بالنقود. ويبين:” تركت أسرتي في انتظاري لن أستسلم لليأس والخرافات فالجميع يعتقد بوجود الجن داخل الحفر وكهوف التنقيب”.
ويروي حاتم الجعلي من أبناء المنطقة قصته مع التنقيب، قائلا:”شاهدت بعيني أصدقائي ممن سبقوني يعودون ومعهم الملايين جمعوها في أيام معدودة تبدلت حياتهم بعد أن اغتنوا يبدو الأمر كالحلم ولكن تكذبه الحقائق”. ويتابع:”توجهت إلى صحراء العبيدية ومكثنا هنالك حوالي ثلاثة أسابيع وبعد مجهود شاق وجدنا مبتغانا وكان نصيبي مليون جنيه سوداني وهو مبلغ صغير لا يمثل طموحاتي لكنه يفي باحتياجاتي لحين العودة مرة أخرى إلى هنالك حيث عادت المجموعة إلى المدينة للتجهيز لرحلة طويلة بإعداد الآلات الجديدة للحفر بجانب تجهيز مؤونة أكل وشرب تكفي لعام كامل على الأقل وقد اتفقنا في المجموعة على شراء جهاز الكشف عن الذهب للحصول على أكبر كمية منه وبالتالي زيادة العائد”.
حراك اجتماعي واقتصادي
في الإطار ذاته، يقول عبد الله إدريس عمدة قبيلة العبابدة ورئيس لجنة التنقيب السطحي بمنطقة أبي حمد بولاية نهر النيل إن العملية أحدثت حراكا اجتماعيا واقتصاديا بالمنطقة وكل مناطق السودان إذ تحسنت ظروف الكثيرين الذين تحولوا في خلال أيام من فقراء إلى أغنياء، بل وقلت معدلات الجريمة بالمنطقة حيث انشغل الجميع بالبحث عن الذهب وانخفضت حوادث الاشتباكات القبلية بين قبائل المنطقة.
ويطالب إدريس السلطات المختصة بمساعدة أولئك الشباب بتنظيم عمليات البحث وتوفير قوافل طبية متحركة ونقاط دورية تحدد الاتجاهات، إذ أن الكثيرين تاهوا وابتلعتهم الصحراء كما توفي آخرون جراء تعرضهم للدغات الحيات والثعابين والعقارب السامة.
المصدر: الخرطوم