كانت إجابة «آي بي إم» قاطعة: «عما قريب».. بعد أن هزم نظام الذكاء الصناعي «واتسون» منافسيه من البشر في برنامج المسابقات الأميركي الشهير«جيوباردي» عام 2011. فقد أثبت «واتسون» أنه يمكنه قراءة المستندات بسرعة والعثور على أنماط في البيانات. فهل يمكن أن نطبق النهج نفسه لتخزين وتحليل المعلومات مع مرضى السرطان، والبحث في نماذج سابقة عن العلاج المناسب بعد إمداد «واتسون» بأحدث طرق العلاج التي يتم التوصل إليها؟ وقد قال هربرت تشيس، أستاذ المعلوماتية الطبية الحيوية بجامعة كولومبيا، في بيان صحفي لشركة «آي بي إم» عام 2012: «يمثل واتسون اختراقاً تقنياً يمكن أن يساعد الأطباء على تحسين النتائج مع المرضى»، لكن بعد 6 سنوات من الأبحاث والتطوير وإنفاق مليارات الدولارات، ما زال مشروع «واتسون» لم يحقق أي تقدم يذكر.
وقام أكثر من 12 شريكاً وعميلاً لشركة «آي بي إم» بإيقاف أو تقليص المساهمات في المشروعات المتعلقة بتطوير «واتسون» الخاصة بمرض السرطان. فقد كان لتطبيقات «واتسون» للسرطان تأثير محدود على المرضى، وفقاً لعشرات المقابلات مع المراكز الطبية والشركات والأطباء الذين استخدموها، إضافة إلى الوثائق التي استعرضتها صحيفة «وول ستريت جورنال».
في العديد من الحالات، لم تضف توصيات «واتسون» قيمة كبيرة لنجاح العلاج. وفي بعض الحالات، لم يكن «واتسون» دقيقاً في تحديد منهج العلاج اللازم. ويمكن أن يتعثر «واتسون» بسبب نقص البيانات في حالات السرطان النادرة أو المتكررة، كما أن العلاجات الخاصة بهذا المرض تتطور بشكل أسرع من قدرة المدربين البشريين لـ«واتسون» على مواكبة إمداد التطبيق بالتحديث اللازم.
وقال الدكتور تشيس من كولومبيا إنه انسحب كمستشار بعد أن أصيب بخيبة أمل من الطريقة التي قررت «آي بي إم» انتهاجها لتسويق التكنولوجيا الخاصة بـ «واتسون». وفي الواقع أنه لا توجد حتى الآن أبحاث تُظهر أن «واتسون» يحسن علاج المرضى.
ويمتلك الذكاء الصناعي القدرة على المساهمة في تطور مناحي عديدة في العالم، من الطريقة التي تعمل بها الشركات إلى أنواع الوظائف التي يمتلكها الناس للطريقة التي تخاض بها الحروب.
وفي مجال الرعاية الصحية، يعد الذكاء الصناعي بمساعدة الأطباء على تشخيص الأمراض وعلاجها، فضلاً عن مساعدة الأشخاص على تتبع أفضل طرق التعافي الخاصة بهم ومراقبة الحالات المزمنة. ولكن العثرة التي واجهها «واتسون» تشير إلى أن الثورة المنتظرة في هذا الاتجاه لا تزال بعيدة المنال.
وقالت شركة «آي بي إم» إن شركة «واتسون» لديها فوائد مهمة لعلاج السرطان، مثل مساعدة الأطباء على مواكبة المعرفة الطبية. وقال جون كيلي، نائب رئيس «آي بي إم»: «إنه يحدث فارقاً، وتوضح البيانات وتثبت أننا على المسار الصحيح».
وفي مجال الرعاية الصحية، بدأت برامج الذكاء الصناعي تساعد اختصاصي الأشعة المختصين في علم الأمراض على تحليل الأشعة السينية والصور الرقمية لأخذ عينات من الثدي لتحليلها في حالة وجود شكوك في الإصابة بالسرطان.
وتقوم الشركات والأطباء بتطوير برامج الدردشة النصية البسيطة التي تهدف إلى مساعدة الأشخاص على إدارة المشاكل النفسية الناتجة عن الأمراض الصحة مثل القلق والاكتئاب، ما يتيح أيضاً متابعة الحالة الصحية للمرضى واقتراح زيادة أو تقليل جرعات العلاج من قبل الأطباء المعالجين.
والتوصية بالعلاج الطبي الشخصي أمر أطول، فقد يحتاج البرنامج إلى تدريب لتتبع بيانات حول ما إذا كان علاج محدد قد نجح في الماضي وأنه يمكن أن يساعد في الحالات التي يتم تشخيصها حديثاً، بما في ذلك تفاصيل حول التاريخ الطبي للمرضى ونتائج العلاج. ويتم تسجيل هذه المعلومات غالبا بتنسيقات مختلفة وتمتلكها شركات مختلفة، وهي ليست دائما كاملة أو ثابتة.
علاوة على ذلك، لا يزال لدى الأطباء البشريين الكثير ليتعلموه عن علم المرض، بما في ذلك السرطان. ولن يكون علم الأورام «مكاناً رائعاً لصنع منتجات تعتمد على الذكاء الصناعي، إذ يجب أولاً أن تتوفر بيانات أفضل عن المرضى، تشمل المعلومات الجينية والبيئية ونمط الحياة والصحة»، حسب بوب كوتشر الطبيب والشريك بشركة «فينروك لأبحاث المخاطر الاستثمارية» بكاليفورنيا. وأضاف: «على المدى القريب، ستكون معظم فوائد الذكاء الصناعي في مجال الرعاية الصحية، في المهام الإدارية، الفواتير على سبيل المثال».
وتروج «آي بي إم» لفكرة أن برامج الذكاء الصناعي الخاصة بها يمكنها أن تساعد في خدمة العملاء عبر الإنترنت لمجموعة من الصناعات بطريقة دقيقة وناجحة ليساعد في نمو الشركات. وقد أنفقت «آي بي إم» 15 مليار دولار على «واتسون» والجهود ذات الصلة اعتباراً من 2015، وفقاً للتقرير المالي السنوي للشركة خلال ذلك العام.
وكانت «آي بي إم» تعول على الذكاء الصناعي للمساعدة في دفع تحولها من بناء وصيانة أنظمة تكنولوجيا المعلومات لمقار العملاء إلى تقديم خدمات جديدة تعتمد على الحوسبة الإلكترونية. وقد انخفض إجمالي إيرادات «آي بي إم» ككل عام منذ عام 2012، رغم أنه قد ارتفع في الأشهر الثلاثة الأخيرة مقارنة بالعام السابق، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير بسبب مبيعات أجهزة الكمبيوتر المركزية.
ونمت المبيعات في قسم الحلول المعرفية، والتي تشمل برنامج «واتسون»، بنسبة 1% فقط عام 2017 بعد تعديل فروق أسعار العملة. ولكن في تقرير الأرباح الفصلية الأخير، تراجعت مبيعات القسم الحلول المعرفية بنسبة 1.3% إلى 4.58 مليار دولار أيضاً بعد تعديل أسعار العملة.
وقال كيلي إن الرعاية الصحية هي أهم هدف لشركة «آي بي إم». وفي عام 2017، قال لصحيفة «وول ستريت جورنال» إن الشركة «راهنت» على هذا النوع من الاستثمار. وقد أنفقت الشركة نحو 5 مليارات دولار على عمليات الاستحواذ منذ عام 2015 لتوفير الخبرة ذات الصلة بالصحة واللازمة لبرنامج «واتسون»، بما في ذلك شركة «إكسبلوريز» للسجلات الصحية الإلكترونية وشركة «تروفين هيلث أناليتيك» للتأمين الصحي.
ومؤخراً، دخلت شركات منافسة عملاقة نفس المضمار بما في ذلك شركة «ألفابيت» و«أمازون» و«مايكروسوفت» و«فيليبس»، إلى جانب شركات ناشئة تركز على الرعاية الصحية وتحاول الاستحواذ أو الشراكة مع شركات تسجيلات طبية والشركات الخاصة بالتأمين الصحي.
وتشمل المنتجات الصحية لبرنامج «واتسون» غير السرطانية، على سبيل المثال، أنظمة إدارة سير العمل لمقدمي الرعاية الصحية وتطبيقات الصحة العامة. وقال كيلي في مقابلة أجريت معه مؤخراً إن المنتجات المتعلقة بالسرطان «لمست» نحو 84 ألف مريض واستخدمتها 230 مؤسسة رعاية طبية. ولم يكشف عن العائدات من العروض المتعلقة بالأورام إلا أنه قال إنه يتضاعف سنوياً في السنوات الأخيرة.
وفي يونيو 2017، قال جيني رومتي، الرئيس التنفيذي لشركة «آي بي إم» في محطة التليفزيون الأميركية «سي إن بي سي»، إن برنامج «واتسون» سيتمكن من تشخيص وعلاج معظم حالات السرطان في العالم وقال: «إن واتسون يمكن أن يحدد ما الذي يسبب 80% من السرطان في العالم».
ويقول كيلي إن البرنامج الصحي الحالي الذي يسمى «واتسون هيلث» هو الأكبر مقارنة بالبرامج الصحية الأخرى المتداولة. وأضاف أنه عادة ما تقوم «آي بي إم» بتحصيل من 200 إلى 1000 دولار لكل شخص يرغب في شراء البرنامج، إضافة إلى رسوم استشارية في بعض الحالات. وبعد قيام الطبيب بإدخال معلومات حول الحالة الطبية للمريض، يوصي التطبيق بعلاجات من خلال تحليل الأبحاث المنشورة التي قد تكون ذات صلة.
وقد ساعد مركز «ميموريال سلون كيتيرينج» للسرطان في نيويورك على تدريب شركة «آي بي إم» منذ عام 2012. ولا يستخدم البرنامج لرعاية المرضى، حيث يعمل اختصاصيو المستشفى مع مهندسي «آي بي إم» لتصنيف الملامح ذات الصلة من التاريخ الطبي مثل موقع الورم والظروف المعيشية للمريض ومحاولات العلاج السابقة. ثم يقومون بتقييم قدرة «واتسون» على مطابقة الحالات التي يتابعها مع العلاجات السابقة ومساعدة المهندسين على ضبط تصنيف التشخيص والعلاج حتى يتفق مع حكم الأطباء.
وقال مارك كريس، اختصاصي الأورام، الذي ينسق تدريب «واتسون» في السرطان: «ما زال العمل يسير بشكل منتظم فيما يتعلق ببرنامج واتسون الطبي». وقال إن مواكبة العلاجات السرطانية المتطورة بسرعة أثبت أنه من الممكن الاعتماد على واتسون أكثر مما كان يعتقد». ووافق كيلي من شركة «آي بي إم» على أنه من الصعب «مواصلة تطوير واتسون» مع استمرار وتيرة الاكتشاف، لكنه قال إن الآلات ستكون قادرة على التعلم بشكل أسرع من البشر.
وقد حقق «واتسون» لعلاج الأورام أكبر تقدم في آسيا، وهو سوق رعاية صحية أقل ربحاً من الولايات المتحدة. ففي الهند، قامت مستشفيات «مانيبال،» وهي شبكة مكونة من 15 منشأة طبية، بتبني المنتج عام 2016 مقابل رسوم بملايين الدولارات على مدار 5 سنوات، وذلك حسب أجاي باكشي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «مانيبال» من 2014 إلى 2017، الذي يرأس الآن شبكة مستشفيات في سنغافورة.
وفي البداية، استخدم مانيبال واتسون للتوصية بخيارات العلاج لجميع مرضى السرطان، كما قال اختصاصي الأورام سوماشيكار، مضيفاً أنه وجد أن البرنامج اتفق مع الأطباء في معظم الوقت، وتوقفت «مانيبال» عن استخدام «واتسون» على كل مريض، على حد قوله. ويستخدم الآن «واتسون» فقط في الحالات الصعبة، أو نحو 30% من المرضى. وقالت «آي بي إم» إن عدد المرضى في مانيبال الذين يستخدمون «واتسون» ظل ثابتاً منذ يناير 2017.

بقلم / دانييلا هيرنانديز وتيد جرينوالد