السويدي: 4,4 تريليون درهم حجم المصارف الإسلامية بنهاية 2011
أبوظبي (الاتحاد) - ارتفع حجم قطاع المصارف الإسلامية إلى نحو 1,2 تريليون دولار(4,4 تريليون درهم) بنهاية العام 2011 ، مقابل نحو 5 مليارات دولار في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، بحسب الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. الذي بين أن منافذ التمويل الإسلامي تتوافر في أكثر من 70 دولة حالياً بالرغم من أن منظمة التعاون الإسلامي تضمّ في عضويتها 57 دولة فقط، بما يدلّ على زيادة الاهتمام به خارج العالم الإسلامي.
وأضاف السويدي خلال افتتاح ندوة “التمويل الإسلامي والاقتصادات المعاصرة” أمس، والتي ينظّمها المركز بالتعاون مع مدير معهد الدراسات الجيوسياسية في باريس” يُنتظر استمرار هذا التوجّه في التصاعد مستقبلاً، حيث تُظهر التقديرات الحديثة لبعض البنوك العالمية تحقيق الأصول الإسلامية نمواً يقارب 25% سنوياً على المستوى العالمي”.
وأكد في كلمتة أن عالمنا المعاصر، ومنذ تفاقم الأزمة المالية الأخيرة في عام 2008، قد شهد نقلة نوعية في النظرة إلى القطاع المالي ومؤسساته وأدواته وآثاره على الاقتصاد الحقيقي وتداعياته على الوضع الاجتماعي، حيث أدّت الأزمة المالية وتبعاتها إلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي.
وتابع” أثارت الأزمة التساؤلات حول دور المؤسسات المالية التقليدية في تشجيع الاقتراض المبالغ فيه وفي التوجّه نحو الإنفاق بما يفوق الوسائل ويتجاوز المنطق”، إضافة إلى التساؤلات حول دور هذه المؤسسات في المضاربات المالية المؤدّية إلى فقاعات ضارة في أسعار الأصول، وما ينجم عن انفجار مثل هذه الفقاعات من آثار مدمّرة على النشاط الاقتصادي والتوظيف وجهود التنمية ورفع مستويات المعيشة”.
وقال السويدي” تصاعدت الأصوات المطالبة بمراجعة التوجّهات المالية التي سادت منذ ثمانينيات القرن الماضي نحو التحرير المالي وتقليص التدخّل الحكومي في أنشطة التنظيم والإشراف ووضع المعايير الاحترازية للأنشطة المالية”، حيث وجد أن عملية التحرير قد أسهمت في تزايد تركيز المؤسسات المالية التقليدية على الابتكارات المالية والهندسة المالية المعقّدة واهتمامها بها، التي لم يتم فهم آثارها وتقويم مخاطرها بصورة مناسبة من قِبَل المتعاملين بها والجهات الإشرافية على حدّ سواء.
وأشار إلى أنه، ومع تصاعد الانتقادات للقطاع المالي التقليدي في ظل الأزمة المالية العالمية، بدأ يتنامى الاهتمام عالمياً بالنمط التمويلي الإسلامي الذي تحكمه قواعد الشّرع الحنيف، والذي يعتمد على المشاركة في العوائد والمخاطر، وضرورة توافر أصل حقيقي يُبنى عليه التمويل، مع البعد بطبيعة الحال عن الفائدة الثابتة المضمونة.
وأوضح أن التمويل الإسلامي، بحكم اعتماده على ضرورة توافر الأصول الحقيقية، تبين أنه يحدّ من التوسّع في الأدوات المالية الخطرة الناجمة عن أنشطة مثل التوريق والهندسة المالية المعقّدة، ويتجنّب ظاهرة الاقتراض المبالغ فيه.
كما أن انتهاج مبدأ المشاركة في العوائد والمخاطر ينتج عنه المزيد من التدقيق والحذر بين أطراف العمليات المالية، بما يحدّ من التوجّه للأنشطة المالية عالية المخاطر التي لا تحقق عائداً اقتصادياً واجتماعياً حقيقياً للأفراد والمؤسسات والمجتمعات.
وأفاد بأن التوجّه نحو تنامي التمويل الإسلامي لا يعني بالضرورة عدم وجود الحاجة إلى تطويره وتعزيز أطره من أجل تعظيم منافعه الاقتصادية والاجتماعية، لافتاً إلى أن أهم التحديات التي تواجه التمويل الإسلامي في الوقت الراهن يتمثل في إدخال المزيد من التطوير على أطره التنظيمية والإشرافية، والعمل على ضمان توافقها مع التوجّهات العالمية لتنظيم النشاط التمويلي بصفة عامة، مثل التوجّه نحو تطبيق قواعد “بازل 3” للإشراف المصرفي.
عيوب النظام المالي
من جهته، قال الدكتور شارل سان برو، مدير معهد الدراسات الجيوسياسي في فرنسا في الكلمة الرئيسية للندوة” كشفت الأزمة المالية والاقتصادية التي بدأت عام 2008، العيوب الأيديولوجية والتطبيقية للنظام النقدي العالمي الذي أغفل البعد الإنساني في الاقتصاد”، مضيفاً “ها نحن اليوم نتساءل عن ضرورة التوفيق بين الاقتصاد والإنسانية”.
وبين أن المبادئ الأخلاقية التي يرتكز عليها النظام النقدي الإسلامي، هي التي تقرّب المصارف من “زبائنها” وتمدهم بفكر حقيقي يشمل جميع الخدمات المالية؛ فالتمويل الإسلامي يمكنه الإسهام في تقديم قواعد جديدة، حينما نواجه أزمة ثقة بالنظام المصرفي والنقدي العالمي. ونوه إلى أن المطلوب هو إعادة بناء النموذج الرأسمالي المصاب بالانهيار، مشيراً إلى أن النظام الإسلامي يوازن بين حريّة الفرد وحرية المجتمع، ومبنيّ على مبادئ الحق والعدل الاجتماعي والإنصاف ومبادئ المرابحة “الحلال” دون جشع وانفلات كما هو في الليبرالية المنفلتة التي تعطي الحق للفرد على حساب المصالح الاجتماعية والإنسانية.
المسؤولية الاجتماعية
وفي الجلسة الأولى التي ترأسها أحمد الأستاذ، مدير إدارة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية” في المركز وحملت عنوان “الاقتصاديات المعاصرة والمسؤولية الاجتماعية”، أكد الدكتور أحمد رشاد الصفتي، باحث في المركز، أن علم الاقتصاد الكلاسيكي الجديد قد أثر في عملية صنع السياسات خلال العقود الثلاثة الماضية، من خلال إجراءات زيادة فعالية الأسواق، والضبط المالي، وأسعار الفائدة وأسعار الصرف المستندة إلى قوى السوق، وتحرير تدفق التجارة ورؤوس الأموال، والخصخصة وتحرير القطاع المالي، وهذه جميعها كانت عناصر ثابتة في برامج الإصلاح الاقتصادي التي اعتمدتها الدول النامية. وأوضح د. الصفتي أن الاقتصاد العالمي ما زال يعاني تباطؤاً مزمناً منذ الأزمة المالية التي حدثت عام 2008، فقد بدأت قضايا ارتفاع معدّلات البطالة والفقر والظلم الاجتماعي، تطفو على السطح مجدّداً؛ بوصفها أهم القضايا والمهدّدات التي تواجه الاستقرار العالمي.
إلى ذلك، ألقى عثمان عمر الحياة، مدير التمويل الإسلامي والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في “معهد المحللين الماليين المعتمدين”، محاضرة عن “التمويل الإسلامي والمسؤولية الاجتماعية”، أكد فيها أن المقارنة بين المناهج المتّبعة في التمويل المعاصر بصيغتيه الأخلاقيتين الإسلامية والعلمانية، تكشف عن أن هناك كثيراً من أوجه الشبه وأوجه الاختلاف المهمّة في تفسيرات الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية.
من جانبه، أوضح الدكتور عبدالمولى الشعار، أستاذ وباحث في “المعهد العالي للأعمال”، بيروت في محاضرته التي حملت عنوان” مستقبل التمويل الإسلامي والمسؤولية الاجتماعية” أن التمويل الإسلامي يشكّل اليوم، عنصراً جوهرياً في حقل المالية الحديثة.
وأضاف” في زمن العولمة، تبدو محدودةً فائدة التمويل الإسلامي الأيديولوجي المغلق المخصّص حصرياً للمستهلكين المسلمين وبالمقابل؛ فإن احتمالات الخيار المسؤول اجتماعياً تبدو واعدة”.
وفي محاضرته التي حملت عنوان “نظم التمويل الإسلامي: التطبيقات والتحديات المستقبلية”، قال الدكتور هنري فيدي، خبير اقتصادي في مجلس أوروبا، إذا كانت فرنسا قد اكتشفت التمويل الإسلامي، فإن بريطانيا تطبّقه منذ عقد من الزمن، كما أن هذا المجال ليس بغريب على الولايات المتحدة.
الطلب على التمويل
وفي الجـلسة الثانية التي ترأسها الدكتور محمد عبدالرحمن العسومي، مستشار اقتصادي في مصرف الإمارات الصناعي، وحملت عنوان “الطلب على التمويل الإسلامي في اقتصاد اليوم”، قال مجيد صديق داوود، المدير التنفيذي لمؤسسة يسار المحدودة في المملكة المتحدة” نعيش في عالم محفوف بالمخاطر عانى اضطرابات اقتصادية حادة، ولم تنجلِ حالة الشكوك وعدم اليقين”.
وأضاف أن الحاجة الحقيقية إلى التمويل الإسلامي في اقتصاد اليوم، تنبع من حجم سوق “التمويل الإسلامي”، وهي التي تمثل حالياً نحو 1% من إجمالي التمويل العالمي وهذه النسبة لا تمثّل مسلمي العالم البالغ عددهم 1,6 مليار مسلم، أو القوة الاقتصادية المحتملة الهائلة التي تمتلكها هذه المجموعة السكانية الكبيرة.
وألقى الدكتور ميشال رويمي، أستاذ اقتصاد في المعهد العالي للتجارة، محاضرة بعنوان “ الطلب على التمويل الإسلامي في اقتصاد اليوم”، أوضح فيها أن بعض الأحداث والعوامل، تقود إلى التفكير في أن ثمّة تغييراً يحدث في البلدان الغربية، خاصة في فرنسا، يصل أثره إلى نمو النواتج المصرفية المطابقة للشريعة.
وأكد على أنه يجب ترك الخيار للمستهلك-العميل؛ وفقاً لتوقعاته وحاجاته ومعتقداته (الدينية وغيرها)، وللمصارف الإسلامية التي تؤمِّن نمو نواتجها -خاصة حيال العملاء غير المسلمين- حيث تضع الهيكلية المبهمة للناتج في المقدمة.
وفي محاضرته التي حملت عنوان “أساسيات التمويل الإسلامي والأزمات المالية المستقبلية” تناول يوسف طلال ديلورنزو، مستشار مستقل في شؤون الشريعة الإسلامية لدى المؤسسات المالية، مدير شركة “ريفرباند للاستشارات”، دبي، تتناول المبادئ الأساسية للتمويل الإسلامي، وكيفيّة تأثيرها في مسار قطاع الخدمات المالية المتنامي؛ حالَ حدوث أي أزمة مالية في المستقبل وتدرس مفاهيم المال والقيمة والثروة من منظور الشريعة الإسلامية.
أما الدكتور برنار فيفري، محاسب قانوني ومدقق حسـابات معتمد، أستاذ في “معهد الدراسات التجارية العليا” فقد أكد في محاضرته التي ناقشت أيضاً “أساسيات التمويل الإسلامي والأزمات المالية المستقبلية” أن التمويل الكلاسيكي تعرّض في السنوات الأخيرة الماضية، لجملة متغيرات. وأضاف أن التمويل الإسلامي ليس محولاً، بل هو منتج للمال؛ فتحريم الربا؛ أي التمويل بفائدة محدّدة مسبقاً، يفرض تحديد نماذج أخرى من المكافأة على القرض المالي. وتبعاً لذلك، يصبح المصرفي الإسلامي شريكاً لعميله، ويبحث عن ناتج مالي معدل، يستجيب لثلاث ميزات متكاملة، هي: أن ينسجم والشريعة؛ وأن يستجيب لحاجات العميل؛ وأن يؤمّن مردوداً للمصرفي.
التطبيقات العملية للتمويل الإسلامي
في الجلسة الثالثة التي حملت عنوان “التطبيقات العملية للتمويل الإسلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة،” أشار العسومي، إلى قيام الصيرفة الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد رائدة في العالم؛ حيث مضى على تأسيس أول مصرف إسلامي فيها، أكثر من 35 عاماً.
وتناول العسومي مبادئ التمويل الإسلامي وتطبيقاته؛ كالإجارة والمرابحة والتورق والاستصناع، فضلاً عن تحليل آليات عمل النظام المالي الإسلامي في الأوراق المالية؛ كالأسـهم والصكوك والمتاجـرة فـي العملات والرهن وبطاقات الائتمان والتأمين، ومدى توافق ذلك وطبيعة الاقتصادات في البلدان الإسلامية، والنظم المالية القائمة فيها.
وسلط الضوء على آفاق التمويل الإسلامي ضمن نظرة شاملة، طارحاً من خلال ذلك، تساؤلاً مهماً يتمثل في مدى ارتباط هذا النظام بالنظام المالي العالمي، وبقدرة الاقتصادات الأخرى، كالاقتصاد الفرنسي، على الاستفادة من نظام التمويل الإسلامي، وبتأثير الفتاوى في آلية عمل هذا النظام.
كما طرح تساؤلاً هو إلى أي مدى يمكن تطوير نظام التمويل الإسلامي في المستقبل؛ ليتمكّن من إيجاد آليات جديدة، يستطيع من خلالها استقطاب المزيد من الاستثمارات في الأسواق المحلية والعالمية؟
إلى ذلك، أكد تييري رامبو، أستاذ القانون في كلية الحقوق، جامعة ستراسبور، أستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس في محاضرته التي حملت عنوان “التطبيقات العملية للتمويل الإسلامي في فرنسا”، أكد فيها أن التمويل الإسلامي يشكّل جزءاً من التمويل العالمي؛ بوصفه خياراً بديلاً للتمويل الكلاسيكي؛ وكونه يسعى أيضاً إلى التمايز من هذا الأخير، عبر طرحه آليات مالية ومالية فائقة مميزة، تعطي الأفضلية للأصول الأخلاقية.
وأوضح أن التمويل الإسلامي يمـثّل رهاناً مالياً ضخماً، لايمكن أن تبقى فرنسا بمنأى عنه؛ فلا حاجة -على الصعيد القضائي- إلى تغيير ذي أهمية لإرسائه؛ إذ يكفي بعض التسويات القضائية أو الضريبية. وبالإمكان -من بعض النواحي- الاستيحاء من النموذج البريطاني المعتمد.