إسطنبول (د ب أ)

كانت الزلازل الكبرى أمراً شائعاً في إسطنبول في الماضي، والآن تقترب مراكز الدورة الزلزالية أكثر فأكثر مرة أخرى من المدينة على طول الساحل الشمالي للأناضول، بحسب علماء.
ويقول هيدرون كوب من مركز «جيومار هيلمهولتز» لأبحاث المحيطات بمدينة كيل شمالي ألمانيا: «تتلامس اثنتان من طبقات القشرة الأرضية المتحركة مع فالق يبلغ طوله 1000 كيلومتر يمر عبر المنطقة الشمالية من تركيا»، لافتاً إلى أن هذا الخط تصدع مراراً واتسعت شقته من جراء وقوع سلسلة من الزلازل منذ عام 1939 ليصبح مثلما تبدو «السوستة».
وتمكن هيدرون كوب وزملاؤه من فرنسا وتركيا، للمرة الأولى من تأكيد وجود هذا الفالق التكتوني الكبير تحت بحر مرمرة. وأوضح الباحث المشارك ديتريك لانج، أن اضطرابات القشرة الأرضية الحالية تحت بحر مرمرة تكفي لإحداث زلزال تتراوح شدته بين 7.1 و7.4 على مقياس الزلازل.
وأشار لانج إلى أن القياسات تظهر أن المنطقة أسفل مرمرة هي منطقة حبيسة، وهو ما يؤدي إلى تحرك قشرة الأرض أسفلها، مؤكداً أن هذا أول دليل مباشر على وجود ذلك الفالق تحت سطح البحر جنوب إسطنبول.
وفي أغسطس عام 1999، حدث واحد من أكثر الزلازل تدميراً خلال القرن الماضي في إسطنبول، حيث بلغت شدته 7.4 على مقياس الزلازل.
بدا المشهد وقتذاك كما لو أن هذه المدينة التركية الواقعة عند مضيق البسفور قد انزلقت في البحر، فالمنازل كانت راقدة بجوار السفن، وتبعثرت الزوارق والجسور، وفقدت المياه زرقتها الصافية الشهيرة وشابها لون بني، وفي وسط المدينة ارتطمت المآذن بالوحدات السكنية كأنها مقذوفات، بينما انهارت المباني وقفز السكان من شرفات المنازل.
واهتزت الأرض لمدة 45 ثانية في ذلك اليوم، وفارق الحياة على إثرها أكثر من 18 ألف شخص وأصيب 24 ألفاً آخرون، وذلك وفقاً للإحصائيات الرسمية. ونتيجة للزلزال انهار 140 ألف مبنى بالمدينة تماماً، وفقاً لتقرير لجنة مباني إسطنبول، بينما لحقت أضرار بـ330 ألف منزل و50 ألفاً من المباني الإدارية. وتعد إسطنبول إحدى أكثر المدن المعرضة لوقوع الزلازل في العالم. وكان مركز الزلزال الذي ضرب إسطنبول عام 1999 يقع على بعد 1000 كيلومتر تقريباً من شرقي المدينة.
وفي ورشة عمل نظمتها إدارة الكوارث والطوارئ التركية «أفاد»، قدرت أنه في حالة وقوع زلزال تبلغ شدته 7.6 ريختر، فإنه يمكن أن يؤدي إلى وفاة ما بين 26 ألفاً و30 ألف شخص في إسطنبول وحدها، إلى جانب احتمال تشريد 2.4 مليون شخص. وأفاد رئيس لجنة المباني في المدينة نصرت سونا، بأن الفترة اللازمة لإعداد إسطنبول للحماية الكاملة من الزلزال تستغرق 15 أو 20 عاماً، ووصف العشرين عاماً الماضية منذ وقوع الزلزال الأخير بأنها «فترة ضائعة».
ويضيف: «إنه ينبغي هدم المنازل أو تقويتها حسب المواد المستخدمة في البناء»، لافتاً إلى أن المباني الجديدة تحتاج إلى إجراءات فحص أكثر صرامة، حيث إن بعض شركات التشييد تستخدم مواد بناء رخيصة.
ويقول الخبراء مثل هيدرون كوب، إنه لا يمكن على الإطلاق التنبؤ بموعد وقوع الزلازل.
ويشير العلماء إلى أنه إذا حالفهم الصواب في تقديراتهم سيكون الزلزال التالي أشد تدميراً مقارنة بزلزال عام 1999. وأرجعوا ذلك ليس فقط لأن مركزه سيكون قريباً من إسطنبول ولكن لسبب آخر، وهو أنه وقت وقوع الزلزال السابق كان تعداد سكان المدينة 10.8 مليون نسمة فقط، أما الآن فقد بلغ 16 مليوناً.