وليد فاروق (دبي)

يُعد التعليق الرياضي من أهم وأبرز وسائل الإعلام الرياضي تأثيراً، وأسرعها وصولاً إلى المتلقي، سواء كان مشاهداً أو مستمعاً، وذلك لما يتميز به من قدرة على وصف الأحداث بصورة سهلة وبسيطة، وإضافة المزيد من الإثارة والتشويق عليها بما يضيفه من جمل وعبارات جمالية، وكذلك لديه قدرة كبيرة على إيصال المعلومات للمتلقي بشكل سريع ومؤثر، وهو ما يتطلب ضرورة أن تكون معلوماته مدققة، نظراً لتأثيرها السريع.
وحظي «دورينا» على مدار السنوات الأخيرة الماضية بمجموعة من المعلقين الرياضيين، الذين ذاع صيتهم بشكل كبير، وتخطوا الحواجز الجغرافية، وباتت أسماؤهم عابرة للحدود، وارتبط كل منهم بطريقة مختلفة و«مدرسة» منفردة ومحببة في التعليق، وهنا ظهرت علامة استفهام كبيرة، هل الوصول إلى هذا المستوى من التميز والكفاءة يرجع إلى موهبة هؤلاء المعلقين فقط، أم أن التعليق مع التطور الكبير في متابعة المسابقات الكروية المختلفة حول العالم، بات علماً من علوم الإعلام يحتاج إلى دراسة وتنمية مهارات وتطوير قدرات، وهي التي لم تكن مطلوبة قديما، لكنها الآن مع التطور التكنولوجي والمعرفي لجمهور المشاهدين باتت مطلباً ملحاً لمواكبة هذا المتطلبات الجديدة، والحفاظ على المشاهد أو المتلقي من الانتقال إلى وسيلة إعلامية أو قناة تلفزيونية أخرى، وهي أمور بالطبع لها تأثير على نسب المشاهدة وعائد الإعلانات، وغيرها من أمور اقتصادية.
ومع بعض الاستقصاء تبين أن معظم المعلقين «المشهورين» وأصحاب المدارس المتميزة في التعليق الرياضي أجمعوا على أن التعليق الرياضي موهبة في المقام الأول، مع ببعض التطوير والتعليم والتنمية والاهتمام من أجل مواكبة التطورات وتلبية احتياجات المتلقي، سواء من خلال تعليق لطيف أو معلومة جديدة، وفي نفس الوقت أجمعوا على أن التعليم أو المعلق «المصنوع» لن يحقق منظومة النجاح ولن يصل إلى درجة الإقناع المطلوبة لدى المشاهد الذي يتمتع بقدرة كبيرة جداً على التمييز بين «الطبيعي» والمصنوع أو «المقلد».
في البداية يرى علي سعيد الكعبي، أحد أبرز المعلقين الرياضين على مستوى الوطن العربي حالياً، أن التعليق هو موهبة في المقام الأول، لكنه بحاجة دائماً إلى تطوير وتنمية واهتمام، وأن الصوت هو حجر الزاوية إذا صلح ممكن تصلح معه بقية العناصر، باعتباره «جواز سفر» للمعلق في هذه المهنة، ومهما حاول بذل جهود مضاعفة في تثقيف نفسه، والاطلاع، وأن يكون سريع البدهية، ولكن إذا خانه صوته فستكون الأمور في غاية الصعوبة.
وشدد الكعبي على أن المعلق الجيد يستطيع أن يفرض وجوده وموهبته منذ بداية مسيرته، وقال: «المعلق المتميز مثل اللاعب الواعد تظهر لمساته من أول مباراة، نفس الأمر للمعلق يستطيع أن يقدم موهبته وحضوره في أول مناسبة، وهو ما يظهر في صورة قبول مباشر من متابعيه رغم عدم سابق معرفتهم به، لكن لمسات موهبته تظهر سريعاً».
واعترف الكعبي بأن كثرة الأحداث الرياضية التي تكرس قنواتنا الرياضية نفسها الحصول على حقوق عرضها وإذاعتها وتقديمها خدمة إلى المشاهدين، فرضت ضرورة توافر أعداد كبيرة من المعلقين، منهم من هو موهوب ومتميز، ومنهم ما دون ذلك، حيث لم يعد هناك تدقيق كبير في هذه المسألة بسبب الرغبة في تغطية كل الأحداث، وأوضح: «لم يعد عنصرا الصوت والكفاءة متوافرين حالياً في جميع المعلقين بحكم كثرة الأحداث الرياضية، وصارت بعض القنوات العربية تغض النظر أحياناً عن موضوع الكفاءة كي تشغل الهواء بأصوات المعلقين، بدلاً من بث المباريات من دون معلقين».
وتابع: «قديماً كانت الأحداث الرياضية أقل، والراغبين في التعليق كثر، وبالتالي كان هناك تدقيق شديد في الأصوات التي ستخرج لتعلق على المباريات، وكان لزاما على من يريد أن يصل صوته إلى الجماهير أن «ينحت في الصخر» لينال هذا الحق بقدراته وموهبته، وهو ما تضاءل حالياً».
وأكد الكعبي أن التعليق الرياضي حالياً أصبح مجالاً لـ «الطامحين» الراغبين في الحصول على المال أو الشهرة وليس بدافع الحب والموهبة، ولذلك ظن الكثير من الشباب أن التعليق مهمة سهلة يمكن أن تحقق لهم أحلامهم، ولكنها في الحقيقة مهمة في غاية الصعوبة، ويكفي للتدليل على ذلك أن أي معلق ذي خبرة وباع طويل في هذا المجال، يعتبر نفسه أمام تحدٍ جديد في كل مباراة تسند له مهمة التعليق عليها، واختبار جدي للغاية، مثل الممثل المخضرم الذي يستعد لخوض دور جديد في عمل فني، يستلزم منه التحضير الجيد والاهتمام بالتفاصيل مهما كانت صغيرة، ذلك لأن الجهد المبذول يمثل البصمة التي تظل باقية عبر التاريخ، فكثير من المعلقين غادرونا بأجسادهم، ولكن تأثيرهم وعباراتهم الشهيرة لا تزال تعيش معنا.

عامر عبدالله: ممارسة «الأستاذية» آفة نعاني منها
يؤكد عامر عبدالله، المعلق المتألق، صاحب أقوى العبارات الكروية، أن التعليق «فطرة» بالأساس، وتدعمها 4 عناصر أخرى هي: موهبة الصوت، والبلاغة والحضور بما يعني القبول لدى المشاهدين والمتلقين، ثم يأتي بعد ذلك دور صقل الموهبة بشكل عملي وليس أكاديمياً.
وزاد عبدالله، بقوله إن التعليق بات الفن الثامن بعد الفنون السبعة المعروفة، وبالتالي فإن تقبله أمر ذوقي، يعتمد على ما يقدمه المعلق نفسه لجمهور المتابعين، ومتى توفرت لديه مقومات القبول، واعتبر نفسه صديق المشاهد يطرح عليه وجهة نظره بصورة لطيفة ومهذبة، مثلما يفعل الأصدقاء، بعيداً عن التكلف والتصنع، نجح في تخطي أي حاجز بينهما، وضمن الوصول للمتابع من أقصر الطرق، أما محاولة المنظرة وممارسة «الأستاذية»، فستكون مشكلة وعائقاً كبيراً، وهي للأسف آفة يعاني منها البعض.
واعتبر عبدالله، أن «دورينا» يعد الأعلى في المنطقة من حيث القيمة، وهو ما ساهم في تواجد مجموعة كبيرة من المعلقين المتميزين، وأجيال أسست لهذا التواجد علاوةً على مجموعة من القنوات الرياضية المتميزة، نالت العديد من حقوق بث البطولات، وساهمت في اكتشاف المواهب، وهو ما ساهم في ظهور هذا الكم المتمكن من المعلقين في عدة أجيال، كل جيل منهم تواصل مع سابقه ولاحقه.
وشدد عبدالله عامر، على أن صعوبة مهمة التعليق أنها لا تدرس ولا تعلم، على عكس أي مهنة أخرى في الإعلام، مثل الصحافة أو الإخراج، فالتعليق هو وجهة نظر تعكس موهبة وقدرات صاحبها، أما ما دون ذلك فيبقوا في دائرة «المقلدين»، الفئة الأولى تكون القنوات الرياضية محظوظة بوجودهم وليس العكس.
وكشف عبدالله عامر، أن المعلق الجيد يجب عليه التحضير جيداً لأي مباراة يتولى مهمة التعليق عليها، والتحضير هنا يعني إلمامه بكل المعلومات المتعلقة بالمباراة والفريقين واللاعبين وحتى الأجواء المحيطة، لكن لا يدخل ضمن إطار هذه التحضيرات، تجهيز «إفيهات» سابقة التحضير، لأنها عبارات تأتي وليدة الصدفة تخرج بمنتهى التلقائية، وتجد طريقها إلى قلوب المتابعين، موضحاً: «كنت أعلق على مباراة النصر السعودي، وحاولت أن أعبر عن إعجابي الشديد بالحضور الجماهيري الرائع، وحاولت أن أرتجل شيئاً لكن لم أستطع أن أجد ما يلائم هذا الإبداع في المدرجات، فخطر على بالي الاستعانة ببيت شعر لنزار قباني، وهو الصمت في حضرة الجمال.. جمال، لأنني مهما وصفت جمال المشهد، فلن أعبر عن واقعه، فارتأيت أن الصمت أفضل وسيلة».

عصام عبده: «الشهرة الزائفة» تنهار سريعاً
قال المصري عصام عبده، المعلق العربي الوحيد في «دورينا»، والذي فرض اسمه ضمن معلقي النخبة محلياً وعربياً وقارياً، إن مقومات المعلق الجيد، يأتي على رأسها الموهبة، التي تعد حجر الزاوية بالنسبة للمعلق الرياضي، إذا لم تتواجد ضاعت أهم مقوماته، ويأتي معها درجة طبيعة صوت المعلق، ومدى تقبل الجمهور والمتابعين لها، ثم عنصر آخر مهم، وهي قدرة المعلق على تطوير ذاته دائماً، والاطلاع على كل مناحي عمله، سواء فيما يتعلق بفنيات الكرة أو التدريب واللياقة والتحكيم، وهي كلها عناصر صعبة، وقلما تواجدت بنفس الدرجة من التميز في معلق واحد، وهو ما يجعلها واحدة من أصعب المهن الإعلامية.
ورفض عصام عبده، الذي سبق أن شارك في التعليق على مباريات كأس العالم، اعتبار التعليق مجرد «صراخ» لأحداث المباريات، مشيراً إلى أن خبرة المعلق وقدرته على إعطاء درجة الصوت المناسب مع كل حدث يعلق عليه، يسهم في درجة الاقتناع به وتقبله من قبل الجماهير، رافضاً فكرة انتهاج المدرسة اللاتينية في التعليق، والتي تعتمد على الصوت العالي و«الرتم» العالي طوال أحداث المباراة دون داعٍ.
وأوضح أن خبرته في مجال التعليق الرياضي، والتي تصل إلى 25 عاماً معظمها في الإمارات، ساعدته على الوصول إلى قلب المشجع بسهولة، مع التأكيد على أن الموهبة بمفردها حالياً لن تصنع النجاح المستمر، ولكن العلم والتطوير بات أمراً أساسياً لمواكبة العصر وتقديم معلومة محببة يتقبلها الجمهور بشغف، مؤكداً أن المعلق مثل «المطرب»، لا بد أن يلامس صوته قلوب جماهيره ويقدم لهم ما يرضيهم، دون نشاز.
وفي نفس الوقت، ركز عصام عبده على أهمية الكلمة التي يطلقها المعلق وتأثيرها على الرأي العام، خاصة إذا كانت مرتبطه بلاعب أو مدرب، وبالتالي فإن المعلق يجب عندما يتحدث أن يقول عن علم ودراية، والعكس صحيح إذا كان لا يعلم، فلا يقول شيئاً أفضل له وللمتابعين، أفضل من التسرع من أجل صنع شهرة زائفه قد تنهار سريعاً.
واعتبر عبده أن لهجته المصرية المحببة لكل الشعوب العربية، والمتوغلة في ثقافتهم نظراً لسهولتها، وخاصة بالنسبة للشعب الإماراتي الكريم، الذي يعد أقرب الشعوب العربية لقلب كل مصري، والعكس صحيح، مؤكداً أنه لم يتلق عبر تاريخه أي إشارة أو تنبيه لما يقوله على الشاشة.

عميد «إعلام»: معلقونا الأكثر التزاماً بـ«المهنية»
اعتبر الدكتور عطا عبد الرحيم، عميد كلية الإعلام جامعة القاسمية، أن الموهبة وحدها، سواء في التعليق الرياضي أو الإعلام الرياضي بصفة عامة لا تصح ولا تفيد من دون دراسة أكاديمية، تصقل هذه الموهبة وتنميها وتضعها على الطريق الصحيح، وتسهم في جعل صاحبها ذي تأثير فعال وإيجابي على المتلقين وعلى المجتمع الرياضي.
وأوضح الدكتور عطا، أن التعليق الرياضي يعد من المهن المؤثرة، نظراً لأنه عبر تعليقه على واحدة من أكثر الرياضات المحببة في العالم وهي كرة القدم، باعتبار أن أكبر نشاط اجتماعي على الإطلاق هي الرياضة، يكون لديه قدرة على الوصول إلى كل بيت، وآذان معظم أفراد الأسرة من عشاق كرة القدم، وبالتالي فإن تأثيره في منتهى الخطورة.
وأشار عبدالرحيم، إلى هناك تخطيط لإطلاق مثل هذه الدورات والدبلومات بعد البكالوريوس، من أجل صقل موهبة من يرغب في الانخراط في مجال الإعلام الرياضي بصفة عامة، موضحاً أن هناك بعض الدول العربية أطلقت مثل هذه الدبلومة، حيث يكون الشخص قد أيقن أنه يملك الموهبة، ثم يبدأ في الدراسة الأكاديمية.
وأشار إلى أنه من الناحية العلمية والأكاديمية، ومن خلال بحث أعده هو شخصياً، تأكد له فيه أن التعليق والإعلام الرياضي في الدولة يتميز بالالتزام الشديد بالمهنية وبالقواعد التربوية، بعكس معلقين كثر في دول عربية أخرى.