إبراهيم سليم (أبوظبي)

أكد معالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس «مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» تخصيص الملتقى السادس للمنتدى للتسامح ودور الأديان في تعزيز قيمه في العالم، لافتاً معاليه إلى تخصيص الملتقى الخامس الذي انعقد في ديسمبر 2018 للدعوة لحلف فضول جديد بين الأديان يقوم على مبدأ التعارف وآلية الحوار، وهو حلف يضمُّ أديان العائلة الإبراهيمية باعتبارها تتشارك في الرواية الأصيلة للقيم والفضيلة وأصول الأخلاق التي تؤسس للسلام والتعايش بين مختلف الشعوب التي تتساوى في الأصل الإنساني، فقد فطرها الإله الواحد القدوس العلي المتعالي الرحمن الرحيم، ومن ثم فهي تؤمن بقيم المحبة والرحمة والإحسان على الإنسان، وهي قيم ترتقي بالتسامح إلى مرتبة الإخاء وبالمساواة في المواطنة لتكون تضامناً بين المواطنين.

حدث تاريخي
وأكد معاليه أن زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، حدث تاريخي مهم على مستوى العلاقة بين الإسلام والمسيحية وخطوة عظيمة على طريق السلام بين الأديان، معتبراً أنه لا سلام في العالم من دون سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان من دون مزيد من التعارف والتآلف بين الديانتين العظيمتين، الإسلام والمسيحية.
وأضاف معاليه أن زيارة البابا التي تأتي استجابة لدعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تندرج في الإطار الحضاري للرؤية الإماراتية المرتكزة على مبادئ تعزيز السلم في العالم وغرس ثقافة التسامح وترسيخ معاني الأخوة الإنسانية في العالم لكبح جماح العنف وترجيح كفة التسامح وحسن تقبل الآخر وباختصار إيجاد الروح الإيجابية والتعايش البناء بين الأمم والشعوب والأفراد.
ورأى معاليه أنه من حسن الاتفاق وجميل التوفيق أن يحلّ البابا فرنسيس ضيفاً على الإمارات في عام التسامح، حيث إنّ هذه الزيارة تجسّد معاني التسامح والانفتاح، وهي معانٍ أصيلة في الشخصية الإماراتية، سجية غير متكلّفة وطبع غير مبتدع، موروثة من معدن أخلاق المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومستمدة من التعاليم الإسلامية الأصيلة، كما ترشحها مقتضيات التاريخ والجغرافيا، ويؤكدها مزاج العصر وروح الزمان.

رسالة للعالم
وقال معاليه، إن استقبال دولتنا للبابا فرنسيس يحمل رسالة جليلة للعالم بأسره بأنّه لا سبيل إلى الازدهار والاستقرار إلا من خلال الحوار، إذ الحوار واجب ديني وضرورة إنسانية، وليس أمراً موسمياً، وهو من أصل الدين ومن مقتضيات العلاقات البشرية، ولذا أمر به الباري عز وجلّ فقال (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وقال: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم). فبالحوار يتحقّق التعارف والتعريف، والعرب تقول إن الآخر هو الأخ براء الرحمة والرأفة والرفق، إنه الأخ الذي يشترك معك في المعتقد أو يجتمع معك في الإنسانية.
وأكد معاليه أن زيارة البابا فرنسيس والحوار الذي يصاحبها من خلال مؤتمر «الأخوة الإنسانية» تمثل فرصة تاريخية لجميع الأطراف الدينية لتقديم وجهات النظر النافعة والصالحة لحل مشاكل الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه. وأضاف معاليه إن مما يزيد هذه الزيارة أهمية ويعطيها بعدها الحواري الكامل، مشاركة أخي الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب الذي يحل ضيفاً على الإمارات في هذا الموسم المفعم بروح الصداقة والبحث عن السلام.
وفي هذا السياق ذكّر رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بأنّ الحوار الإسلامي المسيحي يشهد في الآونة الأخيرة تطورات هائلة، جعلت منه حواراً بناءً يسهم في تنمية جوانب الخير والقيم الإنسانية الخيرة المشتركة.
فلقد ظل الطرف الإسلامي مدة عقود طويلة لا يمتلك زمام المبادرة في هذا الحوار، وغير مهيأ بالأدوات اللازمة لإنجاحه، ولكن الفضاء الرحب الذي فتحته الإمارات خلال السنوات الماضية والمبادرات الجادة التي أطلقتها والمؤسسة على رؤية حضارية واعية ومتزنة، فتح آفاقاً جديدة لهذا الحوار، حيث خوّل المسلمين أن يتقدموا بتصوّرهم الأصيل والمؤصّل لمواضيع الحوار وأطرافه وأهدافه.

آمال كبيرة
واعتبر معالي الشيخ أن الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس وحوار «الأخوة الإنسانية» محط آمال كبيرة، لاسيما وهو ينعقد في دولة الإمارات، فضاء السماحة والتسامح، المؤسس منذ أول يوم على قيم السلام والمحبة والوئام، حيث لم تزل دار المغفور له الشيخ زايد مشرعة الأبواب أمام الجميع على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم وثقافاتهم. وقد أصبحت الإمارات منطلق دروب السلام وملتقى وفود محبي الخير الذين يتشاركون الرغبة النابعة من الوعي بالمسؤولية المشتركة في إحلال السلم محل الحرب والمحبة مكان الكراهية والوئام بدل الاختصام.
وأضاف العلامة المجدد أن هذه الآمال يبعثها ما يعرف عن البابا فرنسيس من حبِّه للسلام وسعيه الدؤوب لنشره وتعزيزه في العالم، ولا يفوتنا هنا أن ننوه بجهوده الجليلة في الدفاع عن الأقليات التي تتعرض للظلم في العالم، من غير ميز بينها في الدين، وخاصة أقلية الروهينغا، كما نثمن عالياً موقفه الحكيم الداعي إلى احترام المقدسات، مقدسات الديانات جميعها والابتعاد عن ثقافة السب والشتم والتنقيص، التي تودي بالسلم الأهلي وتهدد الوئام العالمي، وهو موقف يتماشى مع رؤيتنا في الإمارات، الرؤية التي يجسدها القانون الاتحادي الذي يتعلق بمكافحة التمييز وخطاب الكراهية وازدراء الأديان والهادف إلى تحصين المجتمع وحمايته من خطابات الكراهية والتحريض على العنف وزعزعة السكينة والسلم الاجتماعي.