محمد بنعبود: حصان الترجمة مشرقي
يعتبر محمد بنعبود، أحد أبرز الأسماء المغربية والعربية التي ترجمت أعمالا كثيرة لأسماء رائدة في سماء الأدب العالمي، حيث ترجم لأكتافيو باث وأمبرتو إيكو وجاك دريدا وتزفيتان تودوروف وميلان كونديرا. وهذا الأخير أنجز بنعبود، قبل أسابيع قليلة، ترجمة كتابه الذائع الصيت “لقاء”.
وبمناسبة تقديم هذا الكتاب، التقينا بالمترجم محمد بنعبود وأجرينا معه هذا الحوار عن شؤون الترجمة وشجونها.
? كيف أتيت إلى عالم التّرجمة؟
? الحقيقة أنّ القصّة بدأت في ثمانينيّات القرن الماضي، عندما كنت طالباً في كليّة الآداب بمدينة فاس. كان من حظّنا أنْ دَرّسَنا أستاذ التّرجمة القدير الدّكتور رشيد بن حدّو مبادئ التّرجمة، فاكتشفت من خلال التّمرينات التي كنّا نجريها تحت إشرافه أن المسألة تستحقّ الاهتمام، وتثير بعض الفضول. وعندما تخرّجنا، وبما أنّني كنت آنذاك أحبّ الكتابة والنّشر في الصّحف والمجلاّت، شرعت أترجم بعض القصص من اللغة الفرنسية أو بعض الحوارات التي كانت تجريها كبريات المجلات الفرنسية مع أعلام الفنّ والأدب من مثل أكتافيو باث وأمبرتو إيكو وجاك دريدا وتزفيتان تودوروف وغيرهم، ولاحظت أن إقبال الصّحف والمجلاّت العربية على التّرجمة كبير، فأغرتني المسألة وواصلت.
? لكن متى بدأت تترجم كتباً كاملة؟
? حصل ذلك في النّصف الثّاني من عقد التّسعينيات. فبما أنّني كنت من المعجبين بميلان كونديرا، اقتنيت من مكتبة (الأعمدة) بطنجة رواية “الهوّية” التي أذكر أنّها كانت صدرت عن دار النّشر (غاليمار)، أواخر 1997، فترجمت مقاطع منها أرسلتها إلى الملحق الثّقافي لصحيفة مغربية معروفة، فأولوها عناية خاصّة، ممّا حفّزني لترجمة الرّواية كلّها، فأرسلت جزءاً منها للشّاعر خالد المعالي، صاحب منشورات الجمل، فأجابني على الفور بأنّه يريد التّعامل معي، لكن رواية “الهوية”، قال لي، قد نشرت ربّما أكثر من مرّة في الشّرق، واقترح علي في البداية، بدلاً من ذلك، فصولاً من كتاب كونديرا الهام “الوصايا المغدروة”، ترجمتها ونشرها في مجلّة “عيون” التي كان يصدرها. وكنا نعتزم ترجمة الكتاب كلّه لنشره، لكنّ الأصدقاء بالشّرق العربي، سبقونا كعادتهم، فصدر الكتاب مترجماً عن دار نشر مشرقية، فضربنا صفحاً عن الفكرة، وانطلقنا في ترجمة عملين روائيّين ضخمين للكاتب الفرنسي جيلبرت سينويه وهما “المصريّة” و”ابنة النّيل”، كما كان اقترح عليّ ترجمة كتاب الباحث العمّاني سلام الكندي “الرّاحل على غير هدى؛ شعر وفلسفة عرب ما قبل الإسلام”. وتوالت الأعمال بعد ذلك مع دور نشر أخرى.
? وكيف تقيّم نشاط التّرجمة في المغرب وفي العالم العربي؟
? بالنّسبة للمغرب، يمكن القول إنّ ما يتم ترجمته من كتب من مختلف اللّغات، يبقى مجرّد مبادرات شخصيّة، عشوائية، خاضعة لاختيارات المترجم نفسه. بل الأدهى والأمر أنّ كلّ الأبواب توصد في وجهه عندما يريد نشر ما ترجم. وحتى لو قبل ناشرٌ نشرَ عمل ما، فإنّه يعطي الانطباع للمترجم أنّه مجرّد (فاعل خير)؛ لذلك لا يمكن الحديث في المغرب أبداً عن مشروع ترجمي واضح المعالم لا عند وزارة الثّقافة ولا عند الخواصّ. وعندما نُشر، بالرّباط، عملان روائيان ترجمتهما، فقد حصل ذلك بفضل كاتبهما الدكتور ميلودي حمدوشي الذي كان هو من اقترح عليّ ترجمتهما، وهو أيضاً من جعل ناشره بالرّباط ينشرهما. هذا بالمغرب، أمّا بالشّرق العربي، فالأمر مختلف تماماً.
? هل تعني أن المشارقة أكثر اهتماماً بالتّرجمة؟
? هذا من باب تحصيل الحاصل. فالكلّ يعلم أنّ دور النّشر المشرقيّة تهتم بالتّرجمة، وتتسابق لتقديم عيون الأعمال الأجنبية للقارئ العربي؛ لكنّ الأهمّ هو أنّ مشاريع للتّرجمة أصبحت الآن راسخة ولها تاريخ مشرّف في هذا المجال. بالنّسبة إلي تعاملت مع مشروعين: تجربة سلسلة (إبداعات عالمية) بالكويت التي أعتقد أنّها الآن تعاني من مشكل ما، وآمل أن تستطيع تجاوزه لتعود لقرّائها الذين ألفوها، أولاّ، لما تقترحه عليهم من نصوص إبداعية من كلّ أقطار الدّنيا، ولثمنها الزّهيد، ثانياً، والذي لا يتجاوز بالمغرب عشرة دراهم، ممّا لا يترك أي مبرّر للقارئ الذي عادة ما يتعلّل بغلاء أثمان الكتب.
أما المشروع الثّاني والواعد، فمشروع كلمة للتّرجمة في أبوظبي. الحقيقة أنّني انبهرت بالتّنظيم الرّائع وبالأهداف السّامية لهذا المشروع. فكما ربّما تعلم، يشتغل في المشروع مجموعة خلايا: خليّة الرّواية/ الفكر/ أدب النّاشئة... الخ. وقد صدر عن المشروع إلى الآن عشرات المؤلّفات من عيون الكتب العالمية في مختلف المجالات الفكريّة والعلميّة والأدبية. وقد اشتغلت أنا في (سلسلة مختارات من أدب النّاشئة) التي يشرف عليها الباحث والشّاعر والمترجم المتفوّق الدّكتور كاظم جهاد؛ فترجمت كتابين لألكسندر دوما سيصدران قريباً. وهذه فرصة كي أعرب عن أملي في أن يستطيع الإخوة المشرفون على المشروع، وبالخصوص الدّكتور علي بن تميم، توزيعَ ما يصدر عن المشروع من كتب في مختلف البلاد العربيّة لتعمّ الفائدة.
? وهل يمكن الحديث الآن، في العالم العربي، عن (مهنة التّرجمة) ذات القوانين الواضحة والأجر المادّي المناسب؟
? يمكننا أن نقول ذلك بالنّسبة للمشاريع التي حدّثتك عنها. أمّا دور النّشر العاديّة، فيمكن للمترجمين جميعاً أن يؤكّدوا لك أن الأمر يدعو، في بعض الأحيان، للشّفقة، أو ربّما حتى للسّخرية. النّاشر يشكو من قلّة القراءة، وبالتّالي قلّة الكتب المبيعة، لذلك يشرع في توسّلٍ من نوع خاصّ؛ أن ترأف لحاله، أنت المترجم، وأن تقبل بعرضه المادّي الهزيل. أنت عندما تطّلع على المعايير العالميّة تصاب بالدّوار، لكنّك تجد نفسك مضطرّاً للتّعامل مع واقعك العربي المتعب؛ لأنّ الواقع كما يقال لا يرتفع.. أمّا عندما تتعامل مع مثل المشاريع التي ذكرت، فإنّ الأمر يختلف كلّية.
? أنت، مع التّرجمة، تهتمّ أيضاً بكتابة القصّة والسّيناريو...
? نعم كتابة القصّة القصيرة هي الأصل. بها انطلقت، وكتبت أوّل قصّة عندما كنت ما أزال بعدُ يافعاً في الإعدادي. وأنا أفتخر أنّني حصلت سنة 2000 على الجائزة الأولى للقصّة بالمغرب (في مباراة من تنظيم ترانسبارانسي المغرب).
? وبالنّسبة للسّيناريو؟
? أُنتج لحدّ الآن فيلمان تلفزيونيان عن سيناريوهين كتبتهما. يحمل الفيلمان العنوانين: “وتسقط الخيل تباعاً” و”غزْل الوقت”، وقد أنتجتهما القناة المغربيّة الثّانية. وأنا الآن بصدد البحث عن منتج لمسلسلين من ثلاثين حلقة لكلّ منهما. أحدهما خاصّ بالمرحلة التي يعيشها المغرب منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، والثّاني خاص بفترة تاريخية هامّة جدّاً من تاريخ مصر (مرحلة الحملة الفرنسية بقيادة نابليون ومرحلة حكم محمد علي).