هدى جاسم ووكالات (بغداد)
اتسعت رقعة التظاهرات في عدد من المحافظات العراقية، أمس، لليوم الثاني على التوالي، فيما وجه وزير الدفاع نجاح الشمري، بتأهب جميع القطاعات العسكرية للحفاظ على سيادة الدولة والمنشآت الحكومية والأهداف الحيوية والسفارات والبعثات الدبلوماسية كافة.
ولجأت القوات الأمنية مجدداً لإطلاق الرصاص الحي، لتفريق المحتجين في أنحاء متفرقة من البلاد، وهو ما أسفر عن سقوط 7 قتلى، بينهم شرطي، و400 مصاب منذ بدء الاحتجاجات، وسط دعوات إلى ضبط النفس.
وخرج المتظاهرون للمطالبة بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة، ووقف التدخل الأجنبي في الشأن العراقي، ورددوا هتافات غاضبة ضد تدخلات إيران. ورفع متظاهرون في كربلاء شعار: «طهران برّا برّا كربلاء تبقى حرة».
ويبدو أن الحكومة العراقية، التي تم تشكيلها قبل عام تقريباً، قد اتخذت خيار الحزم في مواجهة أول امتحان شعبي لها، إذ أعلنت دخول جميع القوات العراقية في حالة الإنذار القصوى، رغم أن ذلك لم يثن المحتجين الذين واصلوا تدفقهم إلى نقاط التجمع المركزية في بغداد وعدد من المدن الجنوبية.
حظر التجوال
وقال شهود عيان: «إن المتظاهرين اقتحموا مباني محافظات النجف وميسان والناصرية وبابل، وأضرموا النيران فيها، فيما أعلنت محافظة ذي قار تطبيق إجراءات حظر التجوال من الساعة الثامنة من مساء أمس وحتى إشعار آخر».
وتجمع المتظاهرون في ساحة عباس بن فرناس، بالقرب من مطار بغداد الدولي، وتعد مركزاً لاستقبال المسافرين خارج أسوار المطار، فيما اقترب متظاهرون آخرون من مطار النجف الدولي بهدف السيطرة عليه.
وأقدم المتظاهرون في أحياء بغدادية كثيرة، على إشعال إطارات وقطع طرقات رئيسية. وتوجّه المحتجون إلى ساحة التحرير في وسط العاصمة، التي تعتبر نقطة انطلاق تقليدية للتظاهرات في المدينة، ويفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية حيث ضربت القوات الأمنية طوقاً مشدداً.
اعتقالات
وأفاد مراسلون أن قوات الأمن اعتدت على فريق صحافي، واعتقلت صحافياً آخر، فيما أكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، اعتقال 120 متظاهراً.
وأشارت مصادر إلى أن المظاهرات انطلقت في بغداد لتشمل أحياء الأعظمية وشارع القناة وجسر ديالى وساحة الخلاني والنعيرية والزعفرانية وساحة التحرير والطيران وقُطع طريق مطار بغداد الدولي من جهة حي البياع.
وذكرت المصادر أن المظاهرات انطلقت أيضاً في محافظات الناصرية والنجف وكربلاء والسماوة وديالى وواسط والحلة وبابل وميسان، في ظل انتشار غير مسبوق للقوات العراقية حيث رافق هذه المظاهرات إحراق الإطارات وتصاعد سحب سوداء في سماء هذه المناطق والمدن.
ووفقاً لمصادر طبية، نقل عشرات الأشخاص إلى مستشفيات بغداد، مشيرة إلى أن 9 منهم أصيبوا بالرصاص الحي، وآخرون كانوا يعانون الاختناق نتيجة استنشاق الغاز المسيل للدموع أو أصيبوا خلال عمليات التدافع. وأكد مسؤول محلي في وزارة الصحة ارتفاع عدد القتلى إلى 7، من بينهم شرطي. وقدّرت مصادر أعداد المصابين بنحو 400 شخص منذ الثلاثاء.
وفي الزعفرانية، قال عبدالله وليد، البالغ من العمر 27 عاماً، إنه خرج للتظاهر دعماً للمتظاهرين في ساحة التحرير، التي ضربت القوات الأمنية طوقاً أمنياً حولها.
وأضاف في شارع تتمركز فيه مدرعات قوات مكافحة الشغب: «نطالب بفرص عمل وتعيين الخريجين وتحسين الخدمات، مضت علينا سنوات نطالب، دون جواب من الحكومة».
أما في حي الشعب، ووسط سحب الدخان الناتج من حرق الإطارات، فقال محمد الجبوري الذي يحمل شهادة في الهندسة لكنه اليوم يقوم بأعمال هامشية: «نطالب بكل شيء، نطالب بوطن، نشعر بأننا غرباء في بلدنا».
وهذه التظاهرات غير مسبوقة، إذ إنها لم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني كما تجري العادة في بغداد، بل جمعت الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة.
معتدون ومندسّون
واتهمت الحكومة العراقية «معتدين» و«مندسين» بالتسبب «عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين».
من جانبه، علّق الرئيس العراقي برهم صالح على «تويتر» بالقول إن: «التظاهر السلمي حق دستوري وأبناؤنا في القوات الأمنية مكلفون بحماية حقوق المواطنين».
ومن جهته دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى التحقيق في الموضوع، على غرار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يرفع راية مكافحة الفساد.
أما عبدالمهدي، فقد أصدر بياناً قال فيه «نحيي أبناء قواتنا المسلحة الأبطال الذين أظهروا قدراً عالياً من المسؤولية وضبط النفس» في وجه «المعتدين غير السلميين وتسببوا عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين».
وبينما كانت عائلة المتظاهر الأول الذي قتل في بغداد تواريه الثرى في منطقة مدينة الصدر الشعبية ذات الغالبية الشيعية، ندد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن بـ«المندسين» الذين يسعون إلى «نشر العنف».
حجب «التواصل الاجتماعي»
أكد مجلس الأمن الوطني العراقي، أمس، على اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة خلال المظاهرات الاحتجاجية التي تجتاح البلاد لليوم الثاني على التوالي.
جاء ذلك خلال جلسة طارئة عقدها المجلس اليوم برئاسة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة عادل عبدالمهدي لتدارس الأحداث المؤسفة التي رافقت المظاهرات وسقوط عدد من الضحايا والمصابين في صفوف المواطنين ومنتسبي القوات الأمنية.
وخلال الاجتماع، شدد المجلس على «حرية التظاهر والتعبير والمطالب المشروعة للمتظاهرين». واستنكر المجلس الأعمال التخريبية التي رافقت المظاهرات.
إلى ذلك، أكدت مصادر أن السلطات حجبت، أمس، بعض مواقع التواصل الاجتماعي، فيما شهدت شبكة الإنترنت ضعفاً ملحوظاً، بينما تحاول السلطات السيطرة على المظاهرات الحاشدة.
إغلاق «المنطقة الخضراء».. واجتماع للرئاسات الثلاث
قررت السلطات العراقية، أمس، إعادة إغلاق المنطقة الخضراء وسط بغداد التي تضم مقار حكومية والسفارة الأميركية، بعدما أعيد فتحها في يونيو الماضي، فيما تتواصل التظاهرات في محيطها، حسبما أكد مصدر حكومي.
وانتشرت المدرعات العسكرية وعناصر أمنيون عند المداخل والطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء، بحسب المصدر نفسه.
ويتخذ المتظاهرون في بغداد من ساحة التحرير نقطة انطلاق لتظاهراتهم، والتي لا يفصلها عن المنطقة الخضراء سوى جسر لعبور نهر دجلة.
إلى ذلك، عقدت الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي) اجتماعاً عاجلاً «لبحث آلية الاستجابة لمطالب المحتجين».
قلق أممي وأميركي إزاء العنف بحق المتظاهرين
أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، أمس، عن قلقها البالغ إزاء العنف الذي رافق المظاهرات في بغداد ومحافظات أُخرى. ودعت بلاسخارت، في بيان، إلى «التهدئة»، معربة عن بالغ الأسف لوقوع ضحايا بين المتظاهرين والقوات الأمنية.
وجددت التأكيد على الحق في الاحتجاج، لافتة إلى أن «لكل فرد الحق في التحدث بحرية بما يتماشى مع القانون».
من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أنها تراقب التظاهرات التي تشهدها محافظات عراقية عدة، فيما وصفت التقارير عن سقوط ضحايا خلال التظاهرات بـ«الأمر المقلق للغاية».
وقالت المتحدثة باسم الوزارة الأميركية هيذر نويرت في تصريحات صحافية: «نراقب التظاهرات في العراق، والتقارير عن ضحايا مقلقة للغاية». ودعت نويرت «جميع الأطراف في العراق» إلى «خفض التوتر».