«ولا تيأسوا من رحمة الله»
قال الله تعالى: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) يوسف87.
لقد ضاقت السبل على يعقوب وأولاده في معرفة يوسف وأين ذهب وما هو مآله بعد سنين طويلة من غيابه، والسنون تغير كثيراً من الأحاسيس والوقائع، ولكن الذين يتمسكون بأهداب الآمال ويتطلعون إلى الآفاق البعيدة، ويثقون بربهم ويتوكلون عليه لا تنال من عزائمهم الأيام والليالي لأن نور الأمل قد سكنهم والثقة بالله قد سيطرت على جوانحهم، وهذه مسألة مهمة جداً للذين تشغلهم قضية الإنسان وسعة التفكير وأثرها في الحياة فلا يأس ولا قنوط، فاليأس هو فقدان الأمل وانطفاء جذوة العمل وموت الحوافز في النفس، وهذا عند المؤمن غير وارد لأنه يعلم أن قدرة الله محيطة وإرادته نافذة، لأن رحمته التي تأتي بالفرح للمكروبين وبالراحة للمتعبين، والنسيم البارد للمحزونين قريبة جدا (إن رحمة الله قريب من المحسنين)، فما عليهم إلا اللجوء إليه والتوكل وحسن التضرع والأخذ بالأسباب العلمية والعملية ولهذا قدم الأخذ بالأسباب (يا بني اذهبوا فتحسسوا).
والتحسس هو استعمال الحواس والبحث الدقيق بكل ما يقتضيه البحث مع اللجوء إلى الله والثقة به، وما الحياة إلا عقبات ومشاكل تقف في طريق الناس فرادى ومجتمعين، فإذا استسلموا لليأس والقنوط خسروا جولة الحياة التي هم بصددها وساروا في طريق الخطأ الذي لا يؤدي إلى شيء، ولهذا حذر القرآن الكريم من الاستسلام لليأس قال تعالى: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون) الحجر 56، قال تعالى: (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقطنون) الروم 36. إن الواحد الذي ينغلق على نفسه ولا يواجه مشكلته بعزيمة وأمل وثقة بالله فليس جديراً بالحياة أو الاستمرار (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط) فصلت 49. وقال سبحانه: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم) الزمر53
إن الأمل أنوار كاشفة في طريق الحياة وأنسام ناعمة تريح القلب والفكر والجسم، وقد جاء في الحديث الشريف القدسي: (قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني) متفق عليه.
وعن جابر بن عبدالله أنه سمع النبي صلى الله قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله).
إننا نريد أن نضع نصب أعيننا هذا المنهج القرآني (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وبالعمل والأمل نبني الدنيا والآخرة.