كلوديا كاردينالي: عشت بين دورين
أجرى الروائي الإيطالي البرتو مورافيا ـ الذي يعد أحد أشهر الروائيين الإيطاليين في القرن العشرين ـ أحاديث عام 1961 مع الممثلة الحسناء (من أصول تونسية) كلوديا كاردينالي وهي في أوج شهرتها، وقد سطع نجمها وغزت بجمالها الشاشات، كان عمرها وقتها 23 عاما وقد ذاع صيتها بعد بطولتها لشريط “الفتاة والحقيبة” و”روكو وإخوته”، وجاء هذا اللقاء المطول بين الروائي والممثلة بطلب من مجلة إيطالية شهيرة، ونشر الكتاب في نسخته الإيطالية بعد مدة من إجرائه، وصدرت هذه الأيام ترجمته الفرنسية في الذكرى العشرين لوفاة الروائي الإيطالي الشهير الذي توفي عام 1990.
يسأل الروائي الممثلة الجميلة عن جسدها، وعن الجمال والنوم، والزمن، والحلم والموت والتاريخ. وأجمع النقاد على أنه كتاب فريد من نوعه لأن البرتو مورافيا ألقى على الممثلة أسئلة جريئة على غرار سؤالها عن مقاييس صدرها وعن كيفية نزع ملابسها وكيفية نومها، كما يسألها أيضا: هل يروق لها الصورة التي يحملها الناس عنها من خلال أفلامها، وهي صورة لامرأة فاتنة مغرية؟ وتجيبه بنعم، معللة ذلك بأنه يلذ لها أن تظهر في صورة لا تمثل أبدا حقيقتها في الحياة، وعندما يسألها: وأنت في الحياة، من أنت؟ فترد عليه بأنها في الحياة هي فتاة عادية تشبه كل النساء. والحقيقة أن الناشرين الفرنسيين يطيب لهم من حين إلى آخر نشر مثل هذه الكتب الّتي قد يراها البعض غريبة، فالكتاب كله مركز من خلال اسئلة الاديب عن جسد الممثلة وخصوصياتها، حتى أن بعض الأسئلة كانت حقا جريئة كاستفساره لها قائلا: “ماذا تفعلين في الساعة الثانية بعد منتصف الليل؟” فتجيبه الممثلة التي كانت في تلك الفترة تدير رقاب كل الرجال: “أنام”. والكتاب في طبعته الفرنسية الجديدة يضم 80 صفحة وأصدرته دار “فلاماريون” مع غلاف جميل يظهر وجه الممثلة الحسناء وعينيها شبه مغمضتين.
بين دمعة وابتسامة
وتروي كلوديا كردينالي في مقدمة الكتاب الظروف التي جرى فيها هذا الحديث بمكتب ألبرتو مورافيا. تقول الممثلة: “كنت خجولة جدا وكان الكاتب جالس أمام آلته الكاتبة، وهو يطبع الأسئلة وأجوبتي، وقد سقطت الآلة الكاتبة أكثر من مرة على الأرض من شدة تأثر الروائي حسب رواية الممثلة. وهي تجزم في المقدمة التي وضعتها خصيصا للطبعة الفرنسية للكتاب بأنها لم تنس إلى اليوم اللقاء الذي جرى بينها وبينه. سألها ألبرتو عن أنفها، عن أذنيها، عن جبهتها، عن فمها، عن صدرها وشعرها، واستفسرها عن حركاتها في حياتها اليومية، ومن بين أسئلته: هل ينزل الدمع بسهولة من عينيك؟ فتجيبه بأنها تبكي عندما ما تكون بقاعة سينما وتشاهد فيلما مؤثرا ولا يكتفي ألبرتو مورافيا بالأسئلة، بل إنه يعلق، ويضيف انطباعاته ويسجل ما يلاحظه، فعند الحديث عن فمها يعلق قائلا: “إني أتخيل فمك وهو يقضم فاكهة، وإن التعبير الذي يعكسه فمك يختلف تماما عندما تبتسمين”.
إفادة وإمتاع
وتروي كلوديا كاردينالي: “إن أول مرة التقيت فيها بألبرتو مورافيا كان أثناء حصة تصوير لي بحديقة عامة. لم أكن أعرفه ولكني لاحظت أنه كان يتابع باهتمام حصة التصوير ضمن مجموعة من الناس وقد إتصل بي هاتفيّا بعد فترة قصيرة ليطلب مني أن أقابله في بيته”.
والكتاب كله هو حصيلة لقاء دام ساعات، وتعترف الممثلة، وهي اليوم في خريف عمرها، أنها كلما سافرت إلى روما (تقيم في باريس)، تتعمد المرور أمام منزل مورافيا بحثا عن استرجاع ذكرياتها عندما كانت في العشرين من عمرها مضيفة: “لقد مضى على وجودي في عالم السينما كممثلة خمسون عاما!”، وتعترف أن أسئلة الروائي أحرجتها فقد وصلت به الجرأة إلى حد سؤالها عن ما تفعله في بيت الاستحمام وفي فراشها! ولكنها ترى اليوم أن هذه النوعية من الأسئلة هي التي تعطي اليوم للكتاب قيمته.
ومن خلال كل هذه الأسئلة فإن الممثلة قد كشفت عن جانب من حياتها الخاصة ويقول الناقد روني دي سيساتي René de Cessatty، وهو المختص في ترجمة روايات مورافيا إلى اللغة الفرنسية، أن هذا الحديث بين الروائي والممثلة هو أقرب إلى الأدب منه إلى الصحافة، فهو من وجهة نظره أقرب إلى الإبداع الأدبي والفني منه إلى العمل الصحفي، وأن صراحة الممثلة وبساطتها الطبيعية وتواضعها وخجلها وصغر سنها، رغم شهرتها، جعل من الحديث ممتعا ومفيدا، فالروائي أراد أن يحول العادي في حياة امرأة جميلة وشهيرة إلى مادة للتفكير.
بين الأمس واليوم
وبعد ثلاثة أعوام من اللقاء الذي جرى بين الكاتب والممثلة تقمصت دور بطولة في الفيلم “زمن اللامبالاة” عن رواية له. والجدير بالملاحظة أن الروائي الإيطالي الشهير أجرى هذا اللّقاء بعد فترة قصيرة من فراقه من الزا مورانت، علما أن أغلب روايات مورافيا تم تحويلها إلى أفلام سينمائية (قرابة العشرين فيلما)، وقد أخرجها كبار المخرجين السينمائيين الإيطاليين على غرار دي سيكا De Sica، ومونشلي، ومولداتي، ومارسلي، وزامبا وغيرهم.
تقول كلوديال كردينالي اليوم، وهو كلام يختلف قليلا عن اجوبتها في الكتاب: “اعلم أني أدرت أعناق الكثير من الرجال، ولكني أعترف بأني لم أحب نفسي أبدا ودائما أرى عيوبي. إن الحياة صقلتني ودفعتني إلى أن أتحرك واعمل أكثر مما دفعتني لكي أفكّر، وعشت دائما بين دورين وبين طائرتين وبين فيلمين، وبسبب ذلك كان من المستحيل أن أعمق ثقافتي وفكري ولذلك فاني أكن إعجابا كبيرا للنساء المثقفات القادرات على الدفاع عن أرائهن العميقة”.
وتضيف: “ومن ناحية شكلي فإني سعيدة دائما بإخفاء عيوبي، وإني على يقين بأنه لا توجد نساء قبيحات ولكن توجد نساء عاجزات عن اختيار الملابس التي تتماشى معهن وتظهر جمالهن، ورغم أن الصحافة صنفتني كرمز جنسي، فإني لم أتعرى أبدا على الشاشة في أفلامي، وان كل العقود التي أبرمتها تنصّ دائما في أحد بنودها على عدم إجباري للظهور عارية، وإني أجزم بأن المرأة عارية أو نصف عارية فانها تفقد غموضها وبالتالي جاذبيتها”.
وتتابع: “إني أحب النساء القويات الناشطات وأكره النساء الخانعات الضعيفات واللاتي يقبلن بان يكن عبيدا للرجال. إني أحب النساء الجميلات، وجمال المرأة عندي مرتبط بالقوة التي تشع من العينين والابتسامة وطريقة المشي ولا احب النساء الملطخات بالماكياج”. وتردف: “إني أكره الرجال ضعاف الشخصية والوقحين والكذابين والمبالغين في اطرائي تزلفا وتقربا ونفاقا لغاية معروفة في انفسهم”. وتعترف كلوديا كردينالي قائلة: “اكتشفت أنوثتي وأنا في الخامسة عشرة من عمري ذات صيف على شاطئ “حلق الوادي”، بتونس فقد أخبرتني شقيقتي إن أكثر الشباب وسامة معجب بي، وكان فعلا وسيما جدا وان أول شعور بالأنوثة شعرت به عندما جالسني شاب تونسي وهو الذي حدثتني عنه شقيقتي”.