قال عمرو بن أبي عمرو الشيباني: نزلت على حي من فهم، فسألتهم عن خبر تأبط شراً، فقال لي بعضهم: وما سؤالك عنه؟ أتريد أن تكون لصا! قلت: لا، ولكن أريد أن أعرف أخبار هؤلاء العدائين فأتحدث بها· فقالوا: نحدثك بخبره: إن تأبط شراً كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة، فكان ينظر إلى الظباء فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله· وإنما سمي تأبط شرا، لأنه فيما حكي لنا: لقي الغول في ليلة ظلماء في موضع يقال له: رحى بطان، في بلاد هذيل، فأخذت عليه الطريق، فلم يزل بها حتى قتلها، وبات عليها· فلما أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه، فقالوا له: لقد تأبط شرا، وقال في هذا: ألا مـــن مبلــــغ فتيــــان فهم بما لاقيت عند رحى بطان وأني قد لقيت الغـــــول تهـوي بسهب كالصحيفة صحصحان فقلت لها: كلانا نضو أين أخو ســـــفر فخلــي لي مكـــان فشدت شدة نحوي فأهوى لهــــا كفـــي بمصقول يمــاني فأضربها بلا دهش فخرت صريــعـــــاً لليديــن وللجــــران فقالت: عد فقلت لها: رويداً مكانك! إنني ثبت الجنان فلـــم أنفــــــك متكئـــــــاً عليها لأنـظر مصبحــــاً مـــاذا أتـــاني إذا عينـــــان في رأس قبيـــــح كرأس الهر مشقوق اللسان وساقاً مخدج وشــــواة كـــلب وثــــوب من عبـــاء أو شنان اللباقة خرج أبوسفيان في جماعة من قريش، يريدون العراق بتجارة؛ فلما ساروا ثلاثاً جمعهم أبوسفيان؛ فقال لهم: إنا من مسيرنا هذا لعلى خطر، لقد قدمنا على ملك جبّار، لم يأذن لنا في القدوم عليه، وليست بلاده لنا بمتجر، ولكن أيكم يذهب بالعبر، فإن أصيب فنحن براء من دمه، وإن غنم فله نصف الربح· فقال غيلان بن سلمة: دعوني إذن، فأنا لها· فلما قدم بلاد كسرى تخلق، ولبس ثوبين أصفرين، وشهر أمره، وجلس بباب كسرى حتى أذن له، فدخل عليه، وخرج إليه الترجمان وقال له: يقول لك الملك: ما أدخلك بلادي بغير إذني! فقال: قل له: لست من أهل عداوة لك، ولا أتيتك جاسوساً لضد من أضدادك؛ وإنما جئت بتجارة تستمتع بها؛ فإن أردتها فهي لك، وإن لم تردها، وأذنت في بيعها لرعيتك بعتها؛ وإن لم تأذن في ذلك رددتها؛ وجعل يتكلم، فإذا سمع صوت كسرى سجد· فقال له الترجمان: يقول لك الملك: لم سجدت؟ فقال: سمعت صوتاً عالياً، حيث لا ينبغي لأحد أن يعلو صوته إجلالاً للملك، فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصوت هناك غير الملك؛ فسجدت إعظاماً له· فاستحسن كسرى ما فعل؛ وأمر له بمرفقة توضع تحته· فلما أتي بها رأى عليها صورة الملك؛ فوضعها على رأسه؛ فاستجهله كسرى واستحمقه· وقال للترجمان: قل له: إنما بعثنا بهذه لتجلس عليها· قال: قد علمت، ولكني لما أتيت بها رأيت عليها صورة الملك، فلم يكن من حق مثلي أن يجلس عليها؛ ولكن كان حقها التعظيم؛ فوضعتها على رأسي؛ لأنه أشرف أعضائي وأكرمها عليّ! فاستحسن فعله، ثم قال له: ألك ولد؟ قال: نعم! قال: فأيهم أحب إليك! قال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يؤوب· فقال كسرى: زِهْ! ما أدخلت عليّ، ودلّك على هذا القول والفعل إلا حظك! فهذا فعل الحكماء وكلامهم، وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم؛ فما غذاؤك؟ قال: خبز البر· قال: هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر· ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها، وكساه، وبعث معه من الفرس من بنى له أطما بالطائف، فكان أول أطم بني بها·