في 14 يوليو 2009 قال أوباما في خطابه بولاية ميتشجن: "لدى إدارتي مهمة ستقوم بها، وتلك المهمة هي إيقاف الاقتصاد على رجليه مرة أخرى، إنها المهمة الموكلة على عاتقي، وأنا مسرور لأنها مهمتي، وبصراحة أعجبني هؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في هذه الأزمة الاقتصادية التي نعيش تداعياتها اليوم ويعجبني عندما يقولون إنها مهمة أوباما اليوم لإصلاح الاقتصاد، أنا أقول لهم لا مشكلة لدي دعوني أتولى الاقتصاد".. هذا ما أعلنه أوباما وأنا أرد عليه بالقول: ليكن ما تريد فقط أرِنا ما تستطيع القيام به الذي لحد الآن لا يبدو عظيماً، ففي الوقت الذي ألقى فيه أوباما خطابه كانت نسبة البطالة 5.9 في المئة وهي اليوم 9.1 في المئة بمعنى أنها تفوق سقف 8 في المئة التي توقع مستشارو الإدارة أن تستقر فيه مع خطة الإنقاذ الاقتصادي والأموال الطائلة التي ضُخت في الاقتصاد الأميركي، تلك الأموال التي يقول بشأنها تقرير صادر عن البيت الأبيض نفسه وأنجزه المستشاران الاقتصاديان "جاريد بنرستين" و"كريستينا رومر" في يناير 2009 إنها لم تساهم كثيراً في الحد من البطالة وتوفير فرص عمل جديدة للأميركيين، فحتى من دون التوقيع على خطة الإنقاذ كانت نسبة البطالة ستحوم حول 8.8 في المئة، أي أنها كانت ستصل إلى أقل من معدلها الحالي بعد إنفاق مليارات الدولارات لإنقاذ المؤسسات المالية المتعثرة وإنعاش الاقتصاد، وبدلاً من ذلك، حصلنا على استثمارات أوباما التي يصفها دائماً بالحيوية، إذ منذ خطابه الأول عن الاقتصاد وتأكيد استعداده لمعالجة أمراضه أنفقنا لحد الآن 8.2 تريليون دولار كلها من الديون، وبالطبع كان بالإمكان التوصل إلى نسبة أقل من البطالة دون صرف كل تلك الأموال الطائلة كما توضح الدراسة التي أعدها البيت الأبيض. وفي غضون ذلك راكمنا 7.3 تريليون دولار من الديون تحت أنظار أوباما فيما خسرنا 8.2 مليون وظيفة خلال نفس الفترة، وهو ما لا يبدو أنه إنجاز اقتصادي عظيم يمكن لأوباما الافتخار به وضمه إلى قائمة نجاحاته، لكن رغم الأرقام التي لا تبعث على التفاؤل، بل تثير القلق، يستمر أوباما في الادعاء بأنه يعرف كل شيء عن الاقتصاد، وأنه قادر على النهوض به. فمنذ اليوم الأول لوجودها في السلطة، أبدت هذه الإدارة ثقة كبيرة في إمكانية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تحيط بالأميركيين من كل جنب، وفي كل خطاب من خطاباته المتعددة التزم أوباما بخط واحد مفاده أنه يعرف ما يفعل لإنقاذ الاقتصاد فيما "الجمهوريون" عاجزون عن فعل أي شيء، وهو ما أعاد التأكيد عليه مرة أخرى في خطاب أبريل الماضي قائلاً "لن أضحي بالاستثمارات الأساسية المطلوبة لخلق المزيد من الوظائف للأميركيين". فما الذي يتعين على هذا الرجل القيام به لتحمل جزء من مسؤولية الاقتصاد المتداعي؟ وما السبيل إلى انتقاده كغيره من المسؤولين في ظل حالة الاقتصاد المتردية؟ في برنامج تلفزيوني خلال نهاية الأسبوع الماضي، سُئِل "مارك هالبرين"، المحلل الاقتصادي بمجلة "تايم" عن التأثير السياسي لاستمرار الأزمة الاقتصادية، فجاء رده مطمئناً للجمهور بأن أوباما منخرط في السياسات المنتجة للوظائف، قائلاً "على "الجمهوريين" أن يتقدموا بأفكارهم لأن مسؤوليتهم طرح المبادرات، لكن الرئيس وحده هو من يتحدث عن الاقتصاد". والحقيقة أن أوباما فعلاً يتحدث عن الاقتصاد حتى لو كانت النتائج متواضعة، فهو منذ أول خطاب له وحتى الأخير لم يتوقف أبداً عن التأكيد على معرفته الجيدة بما يفعل وبأنه على ثقة في قدرته على الإقلاع بالاقتصاد مرة أخرى والقضاء على الركود بفضل سياساته مثل إصلاح الرعاية الصحية، التي يرى أنها مفيدة للاقتصاد وتبشيره المتواصل "بالثورة الخضراء" وكل ما يصحب ذلك من رأسمالية جديدة، لكن السؤال هل هناك من دلائل على أرض الواقع تفيد بأن تلك الأفكار والسياسات فعلاً ساهمت في خلق المزيد من الوظائف؟ ولنتذكر هنا أنه عندما أشرف ريجان، على انتعاش كبير في سوق العمل كررت وسائل الإعلام الادعاء المغلوط بأن الوظائف كلها متدنية الأجور، وأنها تقتصر على محال الوجبات السريعة، واليوم تنسى وسائل الإعلام تلك أن "ماكدونالد" قد يكون المسؤول عن توفير ما بين ربع إلى نصف الوظائف التي أُعلن عنها الشهر الماضي، تلك الإعلانات التي لم تكن لترى النور لو لم يستثن محل الوجبات الشهير من دفع رسوم التغطية الصحية التي أقرها أوباما، وحتى عندما يتحدث أوباما عن خطته للإنقاذ الاقتصادي التي يروج لها على أنها إنجاز كبير يجب الإشارة إلى أن أكثر من نصف الوظائف التي أعلن عنها في الولايات المتحدة خلال السنة الأولى من رئاسة أوباما استُحدثت، وفقاً لمكتب إحصاء العمالة، في ولاية تكساس الأقل تقيداً بقواعد أوباما والأكثر صداقة للشركات. ومع أنه من المعروف أن الرؤساء لا يديرون الاقتصاد في أميركا، يتصرف أوباما وكأنه الوحيد الذي يشرف عليه حتى في ظل الإخفاق، الذي تشهده بعض سياساته وعدم تحقق وعوده مثل تعهد نائبه بتوفير ما بين 250 ألفاً و500 ألف وظيفة خلال فصل الصيف ليتبين أن ذلك مجرد سراب. والمشكلة أنه بدلاً من تركيز وسائل الإعلام على هذه الوعود الزائفة وتمحيص سياسات أوباما الاقتصادية ومدى مطابقتها للواقع نجدها تبحث عن أخبار سارة بالين وتتعقب هفواتها، وكأن ذلك ما يهم الأميركيين. جونا جولدنبرج محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»