واشنطن وبكين... بوادر التقارب
في وقت تمر فيه العلاقات الصينية الأميركية بمرحلة من التوتر يجري مسؤولون أميركيون بارزون زيارة إلى بكين بدأت يوم الإثنين الماضي وتستغرق ثلاثة أيام وسط إشارات من القادة الصينيين بأنهم مستعدون لتهدئة الأمور وإعادة الدفء إلى العلاقة بين البلدين المهمين، لذا حرص المسؤولون في الحزب الشيوعي الصيني الذين استقبلوا الوفد الأميركي الزائر على وصف العلاقة بين البلدين بأنها "طيبة" و"مستقرة".
وقد ضم الوفد الأميركي مدير المجلس القومي للاقتصاد "لورنس سامرز" ونائب مستشار الأمن القومي "توماس دونيلون"؛ وتأتي الزيارة الأميركية بعدما شهدت العلاقة بين البلدين توتراً ملحوظاً على أكثر من جانب، مثل الصراع الذي دخلته الولايات المتحدة مع الصين حول فائضها التجاري وإعادة تقييم عملتها المنخفضة، لكن الخلاف لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية والتجارية، بل امتد إلى أمور تتعلق بالأمن القومي للبلدين حيث عبرت الصين عن انزعاجها من المناورات العسكرية المشتركة التي جرت بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بالقرب من السواحل الصينية، فضلًا عن استقبال الرئيس أوباما لزعيم التبت، الدلاي لاما، دون أن ننسى صفقة بيع أسلحة أميركية إلى تايوان، وهي الأحداث التي تمت في مطلع السنة الجارية ومازالت حية في أذهان الصينيين.
وكانت حدة الخطاب الصادر عن البلدين قد عرفت تصعيداً خلال الأسابيع الماضية حول مواضيع مرتبطة بالأمن القومي، فقد سارعت الصين من خلال وثائق الحزب الشيوعي إلى إدانة ما أسمته بالتدخل الأميركي في قضايا بحر جنوب الصين، فيما ردت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، من جانبها خلال اجتماع لبلدان جنوب شرق آسيا في شهر يوليو الماضي بأن تلك المنطقة هي جزء أساسي من "الأمن القومي" الأميركي، وهو ما أدى إلى مزيد من التصعيد على الجانب الصيني.
لكن الطرفين أعربا يوم الإثنين الماضي، وهو الموعد الذي بدأت فيه الزيارة الأميركية، عن أملهما في أن تفضي اللقاءات بين المسؤولين الصينيين ونظرائهم الأميركيين إلى إذابة الجليد في العلاقة بين القوتين الكبيرتين وإعادة الدفء إلى التعاون الثنائي، وفي هذا الإطار صرح "لي يوانشو"، المسؤول في الحكومة الصينية المكلف بالتعيينات الحزبية قبل بدء الاجتماعات قائلًا: "رغم بعض الاضطرابات في العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، والتي اتضحت في شهري أبريل ومايو الماضيين عندما التقى الرئيسان أوباما وهو جينتاو، أعتقد أن العلاقة اليوم عادت إلى مسارها الطبيعي".
وقد نقلت وكالة "أسوشييتيد بريس" يوم الإثنين الماضي عن "سامرز" أنه قال لنائب رئيس الوزراء الصيني، وانج كيشان" بأن "الرئيس أوباما أكد على ضرورة تعزيز العلاقة مع الصين"، ومن بين أهداف اللقاء في بكين بين المسؤولين الصينيين ونظرائهم الأميركيين الإعداد لزيارة يعتزم الرئيس الصيني القيام بها إلى واشنطن، وعلى أجندة البلدين أيضا زيارة رئيس الوزراء الصيني "وين جيابو" إلى نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، فضلا عن عقد اجتماع آخر للجنة المشتركة الصينية الأميركية حول التجارة واجتماع دول العشرين، حيث من المنتظر مواصلة الحوار بين البلدين حول القضايا العالقة بينهما والتي من أهمها تلك المرتبطة بشبه الجزيرة الكورية، وهو ما يؤكده "شي يونهوج"، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة "رينمين" بالعاصمة بكين، بقوله إن المرارة بين البلدين وصلت إلى مستوى غير مسبوق بعد حادثة إغراق سفينة تابعة لكوريا الجنوبية تورطت فيها جارتها الشمالية، قائلًا: "لا يريد أحد سواء الصين أو الولايات المتحدة تقديم تنازلات بشأن هذا الموضوع، لكن في الوقت نفسه لا أحد يريد المزيد من التدهور في العلاقات الثنائية".
ومن بين المواضيع الخلافية الأخرى بين البلدين والذي من المتوقع أن يتم مناقشته خلال الزيارة الأميركية الأخيرة إلى بكين سعر صرف العملة الصينية "اليوان".
وضمن هذا الإطار، فإنه بعد ضغوط مستمرة مارستها واشنطن على الصين في هذا الاتجاه، تعهدت بكين في شهر يونيو الماضي بإرخاء قبضتها على العملة التي يعتقد العديد من المسؤولين الأميركيين أنها تعطي للصادرات الصينية قدرة تنافسية أكبر. لكن منذ ذلك التعهد الصيني، لم يتجاوز ارتفاع اليوان 6.0 في المئة، ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في واشنطن واحتمال تصدر الاقتصاد الأولوية لدى السياسيين والرأي العام تتعاظم الضغوط مرة أخرى على الصين لإحراز تقدم بشأن عملتها، بل وصل الضغط إلى درجة تهديد منتخبين مثل السيناتور "تشارلز شومر" وشخصيات أخرى في الكونجرس بفرض رسوم جمركية على الواردات الأميركية من الصين، لكن من غير المعروف ما إذا كانت المباحثات التي سيجريها الطرفان في بكين حول سعر صرف العملة ستفضي إلى نتيجة مرضية.
وعن هذا الموضوع يقول "أندي كزي"، الخبير الاقتصادي المستقر في شنجهاي "الأميركيون في أعين المسؤولين الصينيين مهوسون بمناقشة سعر صرف العملة في كل زيارتهم إلى الصين، والحال أن المسألة أكثر تعقيداً بالنسبة للصينيين، وأشك في أن المباحثات الحالية ستغير هذا الوضع، بل حتى لو رفعت الصين سعر عملتها فذلك سيكون بنسبة طفيفة جداً عكس ما يريده الأميركيون".
ويليام وام - بكين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست»