طيلة قرنين من الزمان كان الشعر الشعبي أو النبطي في الإمارات هو التعبير الأدبي الأبرز عن آمال وآلام ومشاعر وأحاسيس أبناء الإمارات. وخلال تلك المدة الطويلة، ظهرت العديد من المواهب الشعرية الرجالية، وإلى درجة أقل النسائية، منذ أيام الشاعر بن ظاهر والشاعر محين الشامسي، إلى أيام الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي التي انتقلت مؤخراً إلى جوار ربها.
وهذه الشاعرة الإماراتية المبدعة تميزت مسيرتها الأدبية بأمور عدة:
أولها أنها الصوت الإماراتي النسائي الشعري الأبرز طيلة ما يزيد على نصف قرن من الزمان.
والأمر الثاني أن موهبتها لم تقل، إنْ لم تتفوق، على العديد من معاصريها من الشعراء الرجال.
الأمر الثالث أنها استفادت من التراث الشعري الفصيح الذي كان زاداً لا ينضب للنخبة الأدبية والمثقفة في الحواضر الإماراتية، ونشأت على تذوق التراث الشعري الشعبي أو النبطي الذي سمعت أهلها يرددون روائعه وغرره في أوقات سمرهم ولقاءاتهم الاجتماعية، فانطبعت منذ وقت مبكر تلك الذخائر والتقاليد التراثية الأدبية في ذهنها المبدع وخيالها الخصب، وامتزج ذلك بحساسية فنية خاصة.
كل ذلك أخرج لنا قصائد فنية خالدة جمعتها مؤخراً الأديبة الدكتورة رفيعة غباش في طبعة فاخرة، تليق بجمال القصائد وأهمية شاعرتنا المبدعة.
وقد مزجت الشاعرة في قصائدها بين مواضيع الحب والغزل، وجمال الطبيعة، وعشق الوطن، وحب الخالق، وكانت في تناول كل تلك المواضيع تغترف من موهبة عفوية لا تعرف التصنّع والتكلّف، وتميل إلى البساطة وجمال التراكيب الشعرية التي دخلت إلى قلوب أبناء الإمارات من رموزهم القيادية أمثال الزعيم المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الشاعر الذي قدرها حق التقدير، وأشاد بموهبتها، وأطلق عليها لقبها الأدبي الأثير «فتاة العرب»، وتبادل معها القصائد والردود الشعرية العذبة والجميلة. كما أن قصائد الشاعرة الشعبية اللطيفة والساحرة، دخلت قلوب أبناء وبنات الإمارات، فحفظوها وتبارى المغنون الشعبيون في تلحين وغناء إبداعاتها الشعرية.
لقد كانت عوشة بنت خليفة السويدي، موهبة شعرية فريدة لا يجود بمثلها الزمان.