فارسة الشاعرات

يقول الكاتب والباحث الإماراتي فهد علي المعمري:
بداية نعزّي أنفسنا برحيل الشاعرة «فتاة العرب»، تلك الشمس التي أضاءت سماء الشعر الإماراتي، ولكن الشمس لابد لها من الغروب، لكنها تعدنا بإشراقة متجددة. وتعد الشاعرة «فتاة الخليج» ذلك الاسم الذي بدأت به وعرفها كل محبي الشعر، حتى أطلق عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لقب «فتاة العرب»، فالتصق بها ولم تعد تعرف إلاّ به.
تعد «فتاة العرب» رحمها الله فارسة شاعرات الإمارات، فالساحة الشعرية في دولة الإمارات زخرت بأسماء عديدة من الشاعرات، ولكن «فتاة العرب»، كانت على شاعرية غير الشاعرية التقليدية، فجاءت بالتجديد من خلال اللغة والوزن والفكرة والعاطفة، فكانت تسحر القلوب وتأخذ الألباب بتعابيرها وتشبيهاتها، لذا فهي مدرسة شعرية جديدة نبغت في مدارس الشعر الإماراتية، لذا كثرت محاوراتها ومجاراتها مع كبار شعراء النبط الإماراتي.
ويمثل ديوانها المطبوع معجما وفيرا للهجة الإمارات المحلية القديمة التي تمثل مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ثم التجديد في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن نفسه، وكانت لغتها غنية وثرية بحيث اشتملت على بيئات دولة الإمارات الثلاث وهي: البرية والجبلية والبحرية، ومن خلال ديوانها حفظت لنا المفردات البحرية والمفردات البرية إضافة إلى المفردات الجبلية، كما اشتمل ديوانها على آلاف المفردات التي تمثل حياة دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الأمثال الشعبية والحكايات والعادات والتقاليد والطقوس المحلية مثل الزواج والتعليم عند المطوع والختمة والسفر والوداع والاستقبال إضافة إلى الطب الشعبي وأسماء الكثير من الأمراض وأسماء الأدوية، بجانب الألعاب الشعبية والزينة والعطور الإماراتية.
ومن خلال هذه الوفرة اللغوية والشاعرية المتدفقة أصبحت نموذجا يستحق الدراسة لما فيه من القوة اللفظية والدلالات البيانية والمدعّم قبل ذلك كله بالموهبة الفريدة التي أحسنت استغلالها فكان النتاج الشعري نتاجا متميزا سجل قوة حضوره وهيمنته على الساحة الشعرية في دولة الإمارات، لذا عارضت وعارضها الكثير من الشعراء فكانت بذلك مصدرا لإلهام الكثير من شعراء الإمارات، وبالتالي ساعد ذلك على التنوع الشعري في شاعريتها فكتبت في الغزل والرثاء والنسيب والحنين والشعر الاجتماعي، كما كتبت في الشعر الإسلامي، وكل ذلك يؤكد على علو كعبها في الشعر النبطي الإماراتي.
رحم الله شاعرتنا «فتاة العرب»، رحلت بجسدها، وبقيت بشعرها وأدبها، وسوف تبقى خالدة في عالم الشعر النبطي، ترفد الساحة الشعرية بالألفاظ والمعاني والأفكار، كانت وستبقى الملهمة للكثير ممن يقول ويكتب ويتذوق الشعر النبطي الإماراتي.

حالة خاصة

ويقول الشاعر الإماراتي عتيق خلفان الكعبي:
رحيل عوشة بنت خليفة السويدي (فتاة العرب) وشاعرة البر والبحر وطفلة القمر وشيخة المعاني، أوجع القلوب وأدمع العيون.
فقد كانت ولازالت علماً ورمزاً للشعر الشعبي مفرداتها درر وجواهر نفيسه لا تمتلكها إلا هي، وفكرها نهراً عذباً على ضفافه تزهر القوافي وتتعطر الحروف، صوتها لا يزال يزف الفرح ويرسم ملامح صبح آخر للنور. (فتاة الخليج) رفرفت كيمامة على سواحل الحب والحنين وزرعت أبياتها كالنخيل في حدود الرمل وحلّقت بعيداً لتصبح (فتاة العرب) يتغنى بقصائدها الراحلون ويقتفي أثرَها العاشقون، تلوّح للسماء وتخاطب السحاب وتحكي للمطر حكاية الأجداد وتنشد أحلامهم وتذكر قراهم ومدنهم.
رحلت الشاعرة الكبيرة مخلفة وراءها إرثاً عظيماً وتاريخاً ثقافياً، فالراحلة حافظة لتراثها، هاضمة لذائقة مجتمعها، عارفة قدر الشعر بين الفنون ووقعه في الأرواح والعقول والقلوب.
هي حالة شديدة الخصوصية من الإبداع، ارتبط اسمها بريادة الشعر في الإمارات، وأسهمت قصائدها في تكوين حالة من التفاعل الشعري، ففتحت الأبواب ومهدت الطرق للعابرين بعدهم من شاعرات وشعراء الأجيال القادمة.
كرمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في مهرجان الشارقة للشعر الشعبي عام 2010 كرائدة من رواد القصيدة الشعبية التنويرية الإماراتية.
عوشة رمز شامخ في سماء حياتنا الأدبية الشعرية الإماراتية والعربية، أسست للشعر في الإمارات ووضعت لبنة هامة في الثقافة العربية ورحلت.
رحم الله شاعرة الوجد والصدق والعفة واسكنها فسيح جناته.
وهذه أبيات في رثاء الشاعرة:
(فتاة العرب) يا شيخة الشعر ما... بقى
من يوم رحتي حرف تسمو جزايله
كل القصايد دونك اتنوح في شقى
ودموعنا في ليلة الحزن سايله
وداعك وداع فراق.. بعده فلا لقا
إلا بجنة رب معطي فضايله
عسى لك الفردوس منزل ولك تقى
في روض عشب وزهر مالت خمايله

حضور بهي
وتقول الشاعرة السورية قمر صبري الجاسم:
رحم الله (بنت العرب) الشاعرة عوشة بنت خليفة التي نعتز بها كرائدة في الشعر النبطي، وكامرأة أثبتت وجود الشاعرات وواجهت ظاهرة وفكرة أن هناك مواضيع خاصة بالمرأة ومواضيع خاصة بالرجل، فأبدعت في إيصال صورة المرأة وأبدعت في الكتابة في شتى المجالات كالنقد الاجتماعي والغزل والمدح والإسلاميات، لتقول إن المرأة تكتب في كل شيء وتستطيع أن تكون لها بصمتها الخاصة. ولعل ذلك الحضور البهي وإثبات وجود المرأة الشاعرة بقوة هو تأويل رؤياها منذ طفولتها حين رأت أنها أكلت القمر، فجارت كبار الشعراء كما أثبتت وجودها في كتابة الأغنية حيث حضور المرأة خجول جدا عبر العصور في هذا المجال، فكان الاعتراف من خلالها بإمكانية تفوّق المرأة وليس فقط إثبات وجودها، فقد تحدثت كثيرا.
وأكدت الشاعرة الراحلة عوشة بنت خليفة السويدي أن المرأة حين تجد الدعم من المحيط تستطيع أن تحلّق في سماء الإبداع دون حدود، وحين تجد التكريم الذي تستحق من القيادة في مجتمع فيه العديد من الشاعرات المنسيات عبر العصور، سيكون تكريما مضاعفا للمرأة بشكل عام والشاعرات بشكل خاص، فقد أطلق عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لقب «فتاة العرب»، بعد تكريمها وتقليدها وسام إمارة الشعر في عالم الشعر الشعبي.
وداعا «فتاة العرب» وشاعرة العرب نفتخر بك ونعتز، وستبقى أعمالك وتجربتك الرائدة قوة داعمة لكل النساء الحالمات بإثبات وجودهن على جميع الأصعدة وليس فقط في الشعر، وأنه ليس فقط وراء كل رجل عظيم امرأة، فوراء كل امرأة عظيمة مجتمع منفتح على الآخر ورجال عظام يدعمونها. وربما تزامن موتها رحمها الله مع حدوث خسوف نادر للقمر لا يتكرر، وكأنه تأكيد على أن رحيلها أثّر كالقمر على جميع نجوم الإبداع كما كانت تجربتها مرحلة انتقالية في المشهد الإبداعي العربي كله.

منبع الحكمة
وتقول الشاعرة والكاتبة الإماراتية صالحة غابش:
شاعرة الإمارات عوشة بنت خليفة السويدي «فتاة العرب» والتي لقبت بأم الشاعرات والتي كانت تعتز بهذا اللقب، هي شاعرة عرفت بمساجلاتها وحواراتها الشعرية مع الشعراء. تميزت أشعارها بعمق قراءتها للحياة، الأمر الذي أعطى ثراء لقصائدها وجعل منها منبعا للحكمة، من خلالها نستكشف خلجات واهتمامات الإنسان الإماراتي.
فقد قدّرت وعرفت قيمة الكلمة في كل صورها، فجاء أدبها وشعرها مجليا لذاتها ولروح عصرها، فكتب لإبداعها الاستمرار واستطاع أن يعيش مع الأجيال لأنه إبداع معبر عن هوية وأصالة وطن وشعب نابع من الوعي واللاشعور الجمعي.
وكما أن اللغة تنتج وتثمر فإنها تكون كذلك قادرة على الخلق، فاللغة تخلق الشكل أو الصورة ومن خلالها نشعر بشيء يهزنا، وقد تمكنت شاعرتنا الكبيرة من اختيار وتوظيف الكلمة والمفردة السهلة التي جذبت الصغير والكبير، وكانت متفردة في التعبير باللهجة الإماراتية الأصيلة.
لقد تركت «فتاة العرب» إرثا من الثقافة الإماراتية التي تستظل بها الأجيال، وطبعت الشعر الشعبي ببصمة الهوية الإماراتية المتفردة. نأمل من الأجيال الحالية والقادمة أن تتعلم وتدرس تجربتها بعمق وإدراك، مستفيدة منها في تطوير أدواتها وحماية وجودها وهويتها. كما ندعو أبناء الإمارات الاستفادة من تجربة عوشة في إعادة صلتهم القوية بماضيهم والتعلق الروحي بتراثهم، فكثير من الشعوب المتقدمة تحفظ شعر الملاحم القديمة. رحم الله عوشة بنت خليفة السويدي رحمة واسعة وأدخلها فسيح جناته وألهم ذويها الصبر والسلوان.

عبقرية مدهشة
وتقول الشاعرة الإماراتية فاطمة الحاي «فتاة دبي»:
لم تكن عوشة بنت خليفة السويدي مجرد شاعرة موهوبة متفردة فقط، لكنها أيضاً كانت عبقرية مدهشة، وقد لمس ذلك كل من اقترب منها أو طالع قصائدها. كانت مواهبها متدفقة بسيطة، أخرجت من أعماقها درر الشعر والقوافي، فاستحوذت على قلوب الصغار والكبار.
ولم تكن تكتب قصائد باردة جوفاء بل غاصت في أعماق البيئة الإماراتية والإنسان الإماراتي المتطلع إلى عالم أفضل لتستخرج منه بكلمات ومفردات عامية بليغة وبسيطة في آن واحد، أجمل القوافي المعبّرة عن هويته الأصيلة وسمات وتلقائية ذائقته الثقافية.. فاستحقت بحق أن تكون شاعرة اللهجة الإماراتية الأم وأحد رواد الشعر الشعبي الإماراتي.
كتبت فتاة العرب في شتى المجالات ولها قصائد في الإسلاميات والنقد الاجتماعي والمدح والغزل، وكانت قبل أن تعتزل الشعر في أواخر التسعينيات، تنظّم وتطرح ثلاث قصائد في السنة تقريباً لكنها ضاعفتها بعد حين لتصبح ست قصائد... وصفها يوماً
?شاقني جيلك بالوصافي
ياركن عود الهوى وفنه
شط بك والحقك لتلافي
طيف رويا لي امشجنه
وقد تساجلت الشاعرة عوشة مع كبار الشعراء في الدولة وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والشاعر أحمد بن علي الكندي وسعيد بن هلال الظاهري.
وأسهمت عوشة بنت خليفة السويدي في ايصال القصيدة الإماراتية إلى آفاق جديدة من الانتشار، كما تعتبر قصائدها شاهداً على تحولات اجتماعية وأدبية تاريخية كبيرة في الإمارات خصوصاً والخليج والعرب عموماً، بالإضافة إلى ذلك حظيت الأغنية الإماراتية من خلال قصائدها بانتشار كبير. وتغنّى بكلماتها كثير من الفنانين أمثال جابر جاسم، علي بن روغة، ميحد حمد وغيرهم الكثير.
وقد نشرت قصائدها في العديد من الصحف والمجلات ودواوين مسموعة جمعها في ديوان «فتاة العرب» عام 1991، الشاعر حمد بن خليفة بو شهاب الذي صدرت طبعة ثانية منه عام 2000.
وقامت الأديبة الدكتورة رفيعة غباش بتوثيق إبداعات وأشعار الشاعرة عوشة في ديوان أطلقت عليه ديوان «عوشة بنت خليفة السويدي.. الأعمال الكاملة والسيرة الذاتية» أصدرته في نوفمبر 2011م.
‏وقد كرمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن الرواد المكرمين في مهرجان الشارقة للشعر الشعبي عام 2010م. كما نالت جائزة أبوظبي قبل سنوات تقديراً لجهودها وعطائها الشعري.
وقد تركت (فتاة العرب) خلفها كنوزا من الأدب والشعر ستظل تحكي سيرتها وتحمل ذكراها خالدة في صفحات الوطن.
رحم الله الشاعرة المبدعة عوشة بنت خليفة السويدي، والمشروع الشعري الطويل الذي دام أكثر من سبعين سنة وحققت معه كل مناخات الكتابة الشعرية الإبداعية التي أنتجت نصاً متميزاً يدل على نبرة خاصة واسم واضح في ميدان القصيدة الشعبية في الإمارات والخليج.

رموز فخرنا
وتقول الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري:
منذ النشأة الأولى لقلوبنا وكل ما فينا ينبض شعراً.. منذ الحلم الأول ونحن نرى في شعرائنا رموز فخر لنا ولهذا الوطن الغالي.. وما كانت (فتاة العرب) الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي إلا رمزاً من هذه الرموز.. إنها الشاعرة التي لا يخلو مجلس من ذكر أبياتها ولا يتقدم على ذكرها أحد إذا ما ذُكرت الشاعرات.. كنت أقرأ كثيراً عن جدة الشاعرات ابنة الماجدي بن ظاهر وكنت أجد في سيرتها ما يدعو للفضول الأدبي.. وهذا ما حدث حين قرأت سيرة (فتاة العرب) إذ وجدت نفسي أمام ملحمة من الحكمة الشعرية.. ورددت في نفسي «إنهن لا يتكررن».
عوشة بنت خليفة السويدي التي يقف القارئ أمام ديوانها متأملاً متعمقاً، هي مدرسة شعرية أثبتت وجود معجمها الشعري وأسلوبها الرصين والبليغ وأدواتها المُتمكّنة والتي يجد القارئ فيها فيضاً من الثقافة. لم تكن شاعرة عادية، بل كانت شاعرة تملؤها الثقة ولذلك فإن لها عدداً من القصائد المتبادلة بينها وبين كبار الشعراء وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
ومن جميل ما حدث أن دولتنا الحبيبة بقيادتها الرشيدة وبأبنائها البارين لم ينتظروا أن ترحل هذه الشاعرة ثم يتم تكريمها وتذكرها بل تم ذلك كله في حياتها ورأت حب الوطن والناس لها قبل أن تغمض عينيها..
ستظل بيننا.. وسيظل شعرها متناقلاً جيلاً بعد جيل.. وعلينا أن نبدأ بالدراسات الجادة وترجمة هذا الأدب الإنساني الرفيع ليدرك العالم من هي شاعرتنا الحكيمة فتاة العرب..

أيقونة الخليج
وقال الناقد السوري الدكتور أحمد عقيلي:
بالأمس أفَلَتْ نجمة من نجمات الألق والإبداع في الساحة العربية عموماً، والإماراتية على وجه الخصوص، فقد ودعت الإمارات العربية المتحدة، علماً من أعلام الأدب والفكر والشعر والحكمة والإبداع، إنها شاعرة العرب وأيقونة الخليج العربية ودرّة الإمارات العربية المتحدة، الشاعرة الإماراتية عوشة بنت خليفة السويدي، الشاعرة المبدعة التي تركت إرثاً أدبياً فكرياً وشعرياً خالداً يتناقله الأبناء ويتوارثه الأحفاد، ليصبح مرجعاً ثقافياً غنياً تنهل منه الأجيال ليس في الإمارات العربية فحسب، بل في الوطن العربي كله، وهو ما يؤكد أحقيتها رحمها الله تعالى بأن تحمل لقب (فتاة العرب)، وهو الأمر الذي أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ، وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم حفظهم الله تعالى، فالشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، ركن مهم من أركان الحركة الشعرية العربية عموماً والإماراتية على وجه الخصوص.
الشاعرة عوشة أنموذج للشاعرة المبدعة التي أجادت وأتقنت فن الشعر، وخصوصاً الشعر النبطي، حيث قدّمت نتاجاً شعرياً غزيراً، ينم عن قدرة إبداعية عالية، ومخزون فكري وحضاري عريق، كما يلحظ المتتبع لنتاجها الشعري العمق التراثي الكبير الذي يكتنفه في مضامينه ودلالاته، إضافة إلى متانة السبك والبناء الشعري على صعيد الشكل والمضمون.
ويمكننا القول إن الشاعرة الإماراتية عوشة بنت خليفة السويدي، مثال للشاعرة المحافظة على بناء القصيدة النبطية، بل يمكننا أن نعدها أنموذجاً شعرياً يحتذى، فقصائدها مقياس سار عليه كثير من الشعراء النبطيين، ولذلك كانت أهلاً لنيل جائزة أبوظبي في دورتها الخامسة، عام 2009، وقد جعلها هذا الإبداع رمزاً للشاعرة المبدعة التي يشار إليها بالبنان، ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل على الصعيد الخليجي والعربي، فقد كانت تلقب بـ(فتاة الخليج)، ولم يكن هذا اللقب اعتباطياً أو عشوائياً بل كان نتيجة موضوعية وطبيعية لإبداعها الشعري الذي يتسم بالغزارة والجودة، والعمق، إلى أن توّجتها مكرمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله تعالى، بأن أطلق عليها لقب (فتاة العرب)، وذلك إبّان تسلمها الوسام الخالد، وسام إمارة الشعر، وذلك في عام 1989.
إن الكلام في سيرة علم من أعلام الحركة الشعرية والثقافية والفكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، حديث يطول ويحتاج إلى وقفات معمقة، يتم من خلالها تناول إبداعها الشعري الشعبي على وجه الخصوص من حيث المضامين الشعرية والفكرية والإبداعية من جهة، والبناء اللغوي والفني من جهة أخرى، ولعله ما سيكون مضموناً لبحث أُعدهُ في النتاج الشعري للراحلة المغفور لها بإذن الله تعالى الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، رحمها الله تعالى.
ولعل خير كلام في توصيف هذه الشاعرة المبدعة، وصف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين اعتبر أنها عمود وركن من أركان الشعر، بقوله:
يا ركن عود الهوى وفنه
شاقني جيلك بالوصافي
رحمها الله تعالى وجعلها من أهل الجنة ونعيمها وصبّر قلوب أهلها وذويها.