منى واصف تؤكد حضورها كنجمة لا يخمد بريقها
تثبت سيدة الدراما السورية منى واصف يوماً بعد يوم أنها قامة كبيرة في عالم التمثيل لا تجاريها فيها واحدة من الممثلات السوريات، ففي حين تنزوي معظم الفنانات المخضرمات إلى الأدوار الثانية والثالثة في الأعمال الدرامية ويلعبن شخصيات هامشية وصغيرة، فإن منى واصف لم تتراجع خطوة واحدة إلى الخلف، بل إنها تتقدم مع كل دور جديد تقدمه على الشاشة الصغيرة، ومازالت خيار المخرجين الأول للشخصيات المركبة والمتناقضة والتي تحتاج إلى قدرات وإمكانات تمثيلية استثنائية. وإذا كانت تبرع في أداء الشخصيات القوية التي تحبها، فإنها تقدم أداءً رائعاً في الأدوار التي تحتاج إلى رقة الأم وحنوها وعطفها، لكن بقوة داخلية تحسها ولا تراها.
أم بدر
منى واصف، قدمت هذا العام ست شخصيات في ستة أعمال مختلفة، كانت في بعضها بطلة مطلقة بلا منازع، وشاركها البطولة في بعضها الآخر عدد من الفنانين اللامعين، بحيث يمكن القول إنها بلغت هذا العام ذروة عطائها الفني وحضورها القوي. ففي مسلسل “وراء الشمس” جسدت شخصية أم لشاب معاق لعب دوره بسام كوسا، وفتاة خرجت من السجن حديثاً جسدت دورها الفنانة ميسون أبو أسعد، حيث امتزجت في شخصيتها مشاعر الحنان والأمومة، مع ملامح القوة والقسوة على ابنتها، فقدمت دوراً إنسانياً بأبعاد متعددة، تماماً كالحياة الحقيقية، ولعبت عليه واصف بحرفية وإتقان، وكأنها لا تمثله وإنما تعيشه على أرض الواقع. وتقول واصف إن الأدوار المعقدة والمركبة والمتناقضة تستهويها، بل إنها لا تؤدي دوراً لا يحمل مثل هذا العمق؛ لأن هذا الميدان هو ميدانها، وفيه تستطيع أن تظهر قدراتها وخبراتها الفنية المتراكمة من شخصيات كثيرة صعبة لعبتها على المسرح.
سجاح
وإلى هذا الدور الإنساني الجميل، قدمت سيدة الدراما السورية هذا العام شخصية “سجاح” مدعية النبوة في مسلسل “القعقاع بن عمرو التميمي”، وهي واحدة من الشخصيات السلبية المعروفة في التاريخ العربي الإسلامي خلال مرحلة حروب الردة، ورغم صغر مساحة الدور، فإن منى واصف جعلت منه دوراً كبيراً، عندما أجادت في عكس التناقضات الكامنة في شخصية “سجاح” ببراعة، متكئة على تمكنها من اللغة العربية الفصحى، وخبرتها في الأدوار التاريخية، وثقافتها الواسعة، لا سيما أن التاريخ لم يكتب عن هذه الشخصية كثيراً.
الحاجة قدرية
وفي مسلسل “الصندوق الأسود” جسدت منى واصف واحداً من أهم الأدوار التي لعبتها على الشاشة الصغيرة، وهو دور “الحاجة قدرية” المرأة القوية والمتسلطة التي تسيطر على كل من حولها من أبناء وأحفاد، وتتحكم بحيواتهم ومصائرهم، بشكل مباشر تارة ومن وراء الستار تارة أخرى. فيما تخفي في قلبها أسراراً كثيرة وماضياً أليم.
منى كانت محور هذا العمل الدرامي المهم وبطلته الأولى، وقد برعت في تقديمه كعادتها في الأدوار التي تتطلب القوة والجبروت، وقد حصد العمل متابعة جماهيرية ممتازة.
أما في مسلسل “باب الحارة”، فواصلت تقديم شخصية “أم جوزيف” المرأة المسيحية التي ترمز إلى الحياة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين في دمشق وسوريا عموماً، وتقول إنها أدت هذه الشخصية بحماس؛ لأنها تعكس هذا التسامح الذي يعيشه الشعب السوري بكل طوائفه ومعتقداته، وهي شخصياً دليل عليه، فوالدها مسلم ووالدتها مسيحية، معتبرة أنها واحدة من أمثلة لا تحصى في المجتمع السوري المتنور والمتحضر. وتثمن واصف تسليط مسلسل “باب الحارة” على هذه المسألة، والتي نادراً ما تناولتها الدراما التلفزيونية السورية بهذا الوضوح.
وأرجعت واصف سبب تعلق المشاهدين ومحبتهم لهذه الشخصية بأنها كانت تؤديها من أعماقها، فهي قد فجرت في داخلها مشاعر التحدي والثورة على الظلم والاحتلال. كما أنها تعبر عن شخصيتها الحقيقية، فهي أيضاً امرأة قوية، والمشاهد يحب أن يراها بهذه الصورة.
أسعد الوراق والسيدة
بعد حوالي خمسة وثلاثين عاماً من أدائها لشخصية “منيرة” العاشقة الخرساء في مسلسل “أسعد الورّاق”، عادت منى واصف لتشارك في النسخة الجديدة منه هذا العام، والتي وقعت عليها المخرجة رشا شربتجي، ولعبت فيه دوراً مستحدثاً هي شخصية “أم نعيم”، بينما أدت دورها الأصلي الفنانة أمل عرفة. ويعد هذا العمل من كلاسيكيات الدراما التلفزيونية السورية، لما تركه من صدى واسع بين الجمهور في ذلك الوقت. وتقول واصف إن هذا المسلسل عزيز عليها كثيراً؛ لأنه يذكرها ببداياتها في التلفزيون، عندما كانت الدراما التلفزيونية السورية تخطو خطواتها الأولى، ولهذا فإن مشاركتها فيه رمزية، وهي مسرورة بها إلى حد بعيد.
كما لعبت الفنانة الكبيرة دور البطولة في مسلسل “السيدة” سيناريو حامد المالكي وإخراج غزوان بريجان، ويتناول الظروف الاجتماعية التي خلفها الغزو الأميركي للعراق بعد عام 2003 ونزوح ملايين العراقيين عن وطنهم إلى الدول العربية المجاورة ومنها سوريا، ويتناول واقع النازحين في المناطق التي سكنوها في ريف دمشق، لا سيما في منطقة السيدة زينب.
عين على المسرح
ومع كل هذه النجاحات التي تحققها في التلفزيون، فإن عين منى واصف مازالت على المسرح، هناك حيث أبدعت وقدمت شخصيات عالمية شهيرة، وتغمز من باب التواضع بأنها ربما ستعتزل العمل على خشبة المسرح قريباً؛ لأنه يحتاج إلى طاقة جسدية كبيرة، إلا إذا جاءها نص مسرحي مهم وعرضت عليها شخصية فارقة، عندئذ لن تتوانى أبداً عن الصعود إلى الخشبة، لتعيش الطقس المسرحي بكل جماله.
منى واصف عاشقة للفن وعشقها له هو سر إبداعها، هكذا تعلن وتضيف بأنها مازالت تتعامل معه بروح الهواية، ولذلك فهي ترفض الشخصيات المبتذلة أو الهامشية، ولا تؤدي دوراً ما لم تكن مقتنعة بأنها ستحلق فيه وتبدع. ومع تاريخ فني يزيد عن خمسين عاماً من النشاط المتواصل، فإن الفنانة الكبيرة تدهش جمهورها بقدرتها على التجدد والعطاء والتألق.
المصدر: دمشق