«ثقافة الادخار» محذوفة من قاموس الأسرة والاستهلاك نهج رئيسي
أفاد مسح أصدرته مؤخراً الصكوك الوطنية بأن 74 % من سكان الإمارات لم يتمكنوا من الادّخار بشكل منتظم، فيما لا يدخر 25% من المواطنين، وأظهر مسح السلوك الادخاري للمستهلكين في الصادر عن الشركة، أن 27 %من سكان الدولة يعتبرون أن البيئة الحالية ليست مناسبة للادّخار، بينما عبّر أبناء الإمارات بشكل خاصّ عن تفاؤلهم الكبير حول سيناريو الادّخار في الدولة. وانتقد محللون سلوكيات وصفوها بالتفاخر والتقليد الأعمى، وأنها تصل إلى حد البذخ والإسراف، مؤكدين أن أصاحبها يعتبرون فكرة الادخار تدخل في إطار الحرص والبخل والحرمان، لذلك فهي مستعبدة من نهجهم في الحياة، ما يوقع البعض ضحية لظاهرة الاستهلاك وعدم القدرة المستمرة على تلبية متطلبات حياته، وبالتالي حدوث عواقب تعصف بكيان الأسرة.
أوضح محللون أن الادخار يهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وزيادة المدخرات عند الفرد والأسرة، فضلاً عن كونه وسيلة لتمويل المشروعات الاستثمارية، وبناء على ذلك، فإن ضعف ثقافة الادخار لدى الأفراد تسبب في تنامي ظاهرة الاستهلاك التي تقدم الكماليات على الضروريات، ما جعلهم في حيرة من المستقبل، لكن أياً يكن الدخل، فإنَّ متطلبات الحياة تتضاعف، وبالتالي العجز أمام الادخار صفة عامة لدى معظم الناس، قد يجد البعض حلولاً بسيطة تساعدهم على تطبيق فكرة الادخار، ولكن بالنتيجة الحلول غالباً غير مجدية، والسبب في ذلك ببساطة، أننا من ذوي الدخل المحدود.
البذخ والمباهاة
إلى ذلك، يؤكد أحمد الزعابي عضو المجلس الوطني ورئيس اللجنة التشريعية في المجلس الوطني، أن التفاخر والتقليد الأعمى من السلوكيات السلبية التي عادة ما تكون نتاج العادات التقليدية والمحاكاة للغير في الملبس والمأكل وغيرهما، والتي تصل إلى حد البذخ والتباهي والإسراف، ونتيجة لذلك لا بد أن يكون لدى الأفراد وعي بهذا الأمر.
ويضيف الزعابي: ليس كل ما تراه العين وتشتهيه النفس يجب عليك الحصول عليه، لأن النفس البشرية جبلت على حب التملك، ولكن لابد من إعمال العقل وحسن التصرف في احتياجات الفرد اليومية والمستقبلية، ليصبح أكثر تفهماً لظروفه الآنية وتطلعاته المستقبلية. لافتاً إلى أن مفتاح الادخار هو: لا تدخر ما يتبقى بعد الصرف، بل اصرف ما يتبقى بعد الادخار، لذلك يجب أن يضع الشخص لنفسه قسطاً للادخار في قمة قائمة الفواتير، وأن يتعامل معها كما يتعامل مع أية فاتورة، وبهذا ندفع لأنفسنا أولاً، وفي النهاية سنجد لدينا حصيلة ادخار، وإذا اتبع الفرد هذا الأسلوب فسيتفاجأ كيف أنه من السهل الاستمرار في الحياة ببضعة دراهم كل شهر، بل إنه قد لا يلاحظ الفرق في مصروفه اليومي، لكن سيلاحظ حتماً في رصيده الادخاري والاستثماري بعد فترة من الزمن.
غلاء الأسعار
عند ذلك تجد الموظفة صالحة مبارك عبيد، ربة منزل، أن هناك من الناس من يرى أن موضوع الادخار ليس واحداً من الهموم التي يجب أن يبحث عنها ذوو الدخل المحدود، والسبب في ذلك أن الهم الأساسي هو أن يبقى في دخلهم رمق حتى آخر الشهر.
وتصف تجربتها: أنا أعمل، وزوجي كذلك، وهمنا الأساسي هو أن يبقى شيء ما من دخلنا حتى آخر الشهر، أما موضوع الادخار فهو أمر ليس لنا، إنما لأصحاب الأموال الذين لديهم مشاريعهم الخاصة التي تضاعف أموالهم المدخرة، بينما نحن، فإن غلاء الأسعار وتفاصيل الحياة لا يجعلان لفكرة الادخار مكاناً في ممارساتنا اليومية، ورغم أننا حتى الآن لدينا طفلان، إلا أنَّ دخلنا لا يكفينا، رغم أنه ليس لدينا أي مصاريف خارجة عن الإطار العادي.
وفي السياق ذاته، يتهم عبد الرحمن جابر، موظف، إعلانات بعض البنوك التي تقدم تسهيلات على القروض وإعلانات تدفع بالشخص إلى الاقتراض بدل الادخار. ويتساءل: من المسؤول عن فتور هذه الثقافة لدى الأسر، هل هي وسائل الإعلام التي بين فترة وأخرى وعلى استحياء ربما تتناول موضوع ثقافة الادخار؟ أم هي بعض البنوك التي أرى أنها أدت ما عليها من إعلانات ترويجية وتشجيعها من خلال البرامج التي تسهل الاقتراض بين فترة وأخرى؟ أم أنه الفرد نفسه الذي كان لا بد أن يعي من نفسه أهمية الادخار سواء بالاطلاع والقراءة أو من خلال تجارب الآخرين، لافتاً إلى أنه كلما حاولت ادخار مبلغ من المال في حساب التوفير ظهرت مشكلة مصاريف بناء بيت العائلة أو طلب الأبناء للسفر إلى الخارج في الصيف، وغيرها من الحاجيات الاستهلاكية التي تؤثر على مبلغ الادخار.
سياسة فردية
في المقابل، يرى البعض الآخر أن الادخار سياسة فردية وقرار لا علاقة له بالاستهلاك الغلائي، كما يتحجج معظم الناس الذين غير قادرين على الادخار. وأوضحت سلوى المرزوقي، موظفة إدارية، أن يكون الادخار نهجاً مستحيل التنفيذ في هذه الأيام، فالادخار كما يعرفه الجميع هو القدرة على إدارة موارد الأسرة بما يلبي احتياجاتها في الحاضر والمستقبل، لهذا فالمطلوب هو بعض الاتزان في الصرف والتعقل في مواجهة المغريات التي تملأ السوق وواجهات المحال، مؤكدة من خلال تجربتها الشخصية في الادخار أن التوفير والادخار حالة من التدريب الذاتي على عدم التبذير.
ويرى شاهين سالم الرحومي، موظف، أن الادخار في زمن ارتفاع الأسعار تحول إلى مجرد كلام لا يوجد في قاموس الأسرة، حيث نجد أن مجرد التفكير في الادخار مسألة غير منطقية، موضحاً «لأنّ الدخل بالكاد يغطي مستلزمات الحياة، فكيف إذن بإمكان الفرد أو رب الأسرة، على وجه التحديد، أن يفكر في الغد، وحمولات اليوم المادية تفيض عن اللزوم، ولكن حين يأتي السؤال أيهما أقدر على الادخار المرأة أم الرجل، فالجواب، كما يقول شاهين «المرأة من دون شك». والسبب لأنّ المرأة أكثر خبرة في السوق، وأكثر تجوالاً في المراكز التجارية، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى الأسعار، والتنزيلات، والإعلانات التي تسبق التنزيلات أو التخفيضات. كما أنه باستطاعتها أن تدرب كل أفراد الأسرة على الادخار، خاصة إن كانت من النوع متوسطة في صرف وتبذير الأموال.
تجارب الادخار
لكن هناك من الافراد من استطاع أن يفكر في الادخار منذ المرحلة الدراسية، حيث يقول سيف حميد الكعبي، موظف، منذ أيام دراستي الجامعية كنت أدخر جزءاً بسيطاً من مصروفي الشهري الذي كانت تمنحني إياه أسرتي، وغالباً ما كنت أحتاجه في أمور لم أخطط لها ولم أحتسب لها، فأجدني مدخراً مبلغاً لا بأس به يعينني على مساعدة صديق تعرض لضائقة مالية أو ظرف مفاجئ أو غيرها من الحالات الطارئة.
وأضاف: وضعت في اعتباري الهدف الأول عند التحاقي بالعمل الجديد بعد التخرج أن أوفر نصف المبلغ من راتبي الشهري منذ الشهر الأول، وبعد ذلك ربع الراتب بعد أن تزايدت المسؤوليات، وظللت هكذا ودخلت فيما يطلق عليه بــ»الجمعية» مرات عدة وبمبالغ مرتفعة، إلى أن جاء اليوم الذي قررت فيه الزواج، فوجدت المبلغ الذي حصلت عليه من الجمعية، بالإضافة إلى ما ادخرته طوال سنوات كافياً لتكاليف الزواج، وتمكنت من شراء سيارة جديدة ولم ألجأ إلى البنوك لأخذ قرض.
ويتابع: قد لا يؤمن الكثير منا بالادخار لقلة صبرهم واستعجالهم في الحصول على الاحتياجات التي يطلقون عليها أساسية، لكن تجربتي الشخصية جعلت إخواني والمقربين مني والذين كانوا يقولون لا طائل من الادخار ولا بد أن نمتع أنفسنا بأموالنا حتى في شراء حاجات كانت زائدة عن حاجتهم أن ينتهجون نهج تجربتي، فنشر ثقافة الادخار أصبح مطلباً ملحاً في ظل التضخم وموجة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية والأزمات المالية التي تحدث بين فينة وأخرى.
وفي تجربة أخرى ناجحة في عملية الادخار، استطاعت جميلة إسماعيل مع زوجها أن تدخر جزءاً كبيراً من راتبها، لأن هدفها الأول هو بناء بيت سعيد يضم أفراد أسرتها، وكانت فكرة القرض هي السائدة في ذهنها كثيراً، لكن القروض والفوائد كانت تشكل هاجساً في حياتها، لذلك بعد تفكير عميق مع زوجها قررا ادخار مبلغ كبير من راتبها لبناء البيت.
وتقول: لقد مررنا بظروف قاهرة وتنازلنا عن أمور كثيرة في حياتنا من السفر إلى التمتع بأموالنا في أمور ترفيهية، لكن صبر السنوات الأربع لم يذهب سدى، بل استطعنا أن نؤسس بيتاً كل من يراه يحلم أن يسكن فيه، وهذا بفضل سياسة الادخار التي اتبعتها أنا وزوجي، وسأقوم بتربية أبنائي منذ الصغر على هذه الثقافة التي يجهلها الكثير منا.
حملات توعية
بدورها، تجد عائشة أحمد محمد اليماحي عضو المجلس الوطني الاتحادي، أن ثقافة الادخار غائبة عند الكثير من أفراد المجتمع، موضحة أن الادخار عادة مهمة جداً، لكن للأسف لا توجد هذه الثقافة بشكل كبير عند بعض أفراد المجتمع، نظراً إلى توافر الخدمات وشمول الخير، فدائماً ما يكون الادخار عند الأغلبية مقروناً بالحاجة، مشيرة إلي أن الادخار مهارة لا بد أن تُعلَّم منذ الصغر، والمجتمع بحاجة إلى حملات توعية بأهمية هذا الأمر.
وبالانتقال إلى معرفة السبب الذي يمنع الفرد من تعزيز الادخار ثقافة متبعة، تعلق اليماحي قائلة: عدم الاستقرار المادي الذي يعيشه الفرد، هو من الأسباب التي تفقده الطمأنينة المالية، إضافة إلى العجز عن التحكم في دفة الصرف في ظل وجود أسرة وأبناء واحتياجات لا توصف إلا بالطبيعية.
وتضيف من هنا، يتحول الادخار في ثقافة الفرد متوسط الدخل إلى كلمة أجنبية لا يفهم ترجمتها أو حتى فهمها في حال تمكن من تعريبها، لأنّه ببساطة لا يمكن أن يمتلك أدواتها.
التوقعات المستقبلية
على صعيد التوقعات المستقبلية لانتشار ثقافة الادخار في الإمارات، أشار مسح شركة الصكوك الوطنية إلى أنّ هناك نية واضحة لذلك، لكن تحويلها إلى واقع لا يزال بعيداً إلى حد ما، وذلك بعد أن أكد أربعة أشخاص من أصل خمسة، أو ما نسبته 83% أنّ ادّخاراتهم مناسبة أو كافية لضمان مستقبل آمن. وأشار 70% من الأشخاص الذين يودّون تغيير ذلك بمزيد من الادّخار، إلى أنّ ادّخاراتهم السنة الماضية لم تتوافق مع ما خططوا له. وأوضح المسح أنه تماشياً مع تعهّدها بترسيخ ثقافة الادّخار والإنفاق المسؤول في الدولة، أطلقت شركة الصكوك الوطنية مؤخراً حملتها للتثقيف المالي في الدولة، بهدف تثقيف مختلف شرائح المجتمع حول كيفية إدارة شؤونهم المالية من أجل تعزيز ادّخاراتهم.
المصدر: أبوظبي